ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

 

 

 

 

 

ممكنات الشعر الزنجي

في كتاب "النزعة الزنجية في الشعر المعاصر" لبنعيسى بوحمالة

عبد الرزاق هيضراني - المغرب

ثورة الشعر الزنجي

      في كتاب "النزعة الزنجية في الشعر المعاصر محمد الفيتوري نموذجا"[1] يرصد الدكتور بنعيسى بوحمالة  دواعي تحول الشعر الزنجي من طبيعته الجمالية إلى آفاقه الثقافية وهو يقرأ شعر محمد الفيتوري بآعتباره قامة شعرية كبيرة لها مميزاتها وخصوصيتها الكونية مستثمرا بذلك البنيوية التكوينية من خلال روافدها الفلسفية والتاريخية والثقافية في نقد هذا المنجز الشعري. ولا يقف بنعيسى بوحمالة عند هذا الحد بل إنه، وآستنادا إلى ثراء البنيوية التكوينية تاريخيا وفكريا، يوسع مقاربته للشعر الزنجي من خلال آستحضار مجموعة من الشعراء الزنوج الذين هاجروا ما يمكن أن تقيدهم به القصيدة جماليا إلى آستثمار القصيدة في الدفاع عن قضية مغبونة ثقافيا وهي قضية الزنوجة.

بهذا المعنى سيشكل الشعر الزنوجي كما يوضح بنعيسى بوحمالة رافدا للتصدي لمختلف أنواع التمييز والغبن، وسيتحول إلى حركة ثورية هائجة لها آفاقها ومستقبلها[2]، لا شك في ذلك، في الدفاع عن هذه القضية المصيرية/ الانتماء المبعد والمقصي لأسباب ثقافية وتاريخية بل وطبيعية كذلك.

وإذا كان الشعر الزنوجي حركة ثورية، فلا بد للحركة الثورية أيا كانت رقعتها من وعي بالكائن والممكن؛ من يقظة للوعي على كافة المستويات. هذا ويعد الثقافي الموجه الأساس لحركة هذا الوعي الثوري، يقول بيير زيما « الحركة الثورية لا تغدو ممكنة إلا حينما تتحطم الأسطورة الإيديولوجية التي تؤطر أفكار الناس على مستوى الوعي»[3]. يشكل الغبن والانحطاط الذي يشعر به الزنجي وعيا في حد ذاته؛ وهو وعي بالكائن، أما الممكن فمحاولة تجاوزه، أي البحث عن كيان له خصوصيته وآستقلاليته وهذا ما يجعل الشعر ظاهرة ثقافية لها أهدافها وآلتزامها المجتمعي والآنتمائي كذلك. بهذا المعنى سيركز بنعيسى بوحمالة، كما سلفت الإشارة، على الفيتوري، القامة الشعرية/ الثقافية/ الفكرية، والذي دافع عن قضية الزنوجة العابرة للقارات وليس الزنوجة الإفريقية، إذ اللون قبل الرقعة كان محددا حاسما لهذا الآنتماء المغبون.

لهذا فالناقد منهجيا ووفاء للبنيوية التكوينية وما تتيحه من آفاق للبحث والقراءة المتعمقة فيما هو ثقافي ومجتمعي وتاريخي، سيقارب الوعي المعبر عنه في الشعر الزنجي معتبرا إياه مؤشرا ودالا على وضعية تاريخية محددة قام النص بوظيفة تصويرها وشعرنتها.

ولأن الأثر الأدبي تعبير عن رؤية للعالم، فإن الناقد يقرأ الفيتوري من خلال التاريخ والمجتع المندغمين في النص الشعري بوعي شعري ملتزم وشقي، متتبعا السلوك من خلال متون شعرية، والإحساس الزنجي ورغبته في الآنعتاق والخلاص. وفي مقاربة بنعيسى بوحمالة لمعمار القصيدة الشكلي والدلالي، فإنه سيركز على ميكانيزمين ضاربين هما الجدل والتماثل أو الآصطراع والتناظر. ولعل الآستراتيجية السالفة هو ما تلح عليه البنيوية التكوينية، رافضة المفهوم السكوني للبنية. فالجدل مثلا بآعتباره ميكانيزما جوهريا في تشكيل المتن الشعري وتشكل بنياته هو ما يحقق للمتن وحدته وتماسكه الأنطلوجي والثقافي. ولعل آنتقال بنعيسى بوحمالة، وهو الخبير بالبنيوية التكوينية كما تشي بذلك قدرته القرائية المستغورة في كتابه "أيتام سومر"، لم يكن آنتقالا جافا بل آنتقالا محكوما بضوابط منهجية راسخة؛

 «إذا كنا قد خصصنا المبحث الثاني لمقاربة المستوى الدلالي للمتن فلئن ذلك يخدم، عمقيا، الترسيمة المنهجية المؤطرة لهذه الدراسة. ومن ثم فإن مبارحتنا للمستويات البنائية الشكلية إلى المستوى الدلالي لا يمثل نقلة ميكانيكية جوفاء، بقدر ما يمثل نوعا من الآستخبار لمحددات التشارط العلائقي بين الشكل الشعري والخطاب أو الخطابات التاريخية المحتملة، أو نمذجة سياق آشتغال التاريخ (الأسود والأبيض) وآشتغال مناظيره المادية والإيديولوجية والأخلاقية في صلب المتن»[4]

لهذا فالناقد يتجنب في قراءته للفيتوري مقاربة الدلالة في علاقتها بالتاريخ لأطروحة الآنعكاس في ميكانيكيتها الصارمة، بل إنه عمل على كشف علاقات التوازي بين عناصر البنية المضمونية وعناصر البنية التاريخية بآعتبارها رافدا لبنية المضمون.

 

تفكيك البنية الدلالية لمتن الفيتوري وتحولات الشعر

ركز بنعيسى بوحمالة وهو يفكك بنية المتن الدلالية على مجموعة من المكونات الدلالية والثقافية قبل أن يخلص من خلال قراءته إلى فرز بنيتين دلاليتن مركزيتين. فقد ركز بداية على:

أ‌)        مساءلة خصوصية البنية الدلالية للمتن، الإرسالية

ب‌)    ضبط الميكانيزمات الناظمة لآلياتها النصية.

أما البنيتان الدلاليتان المركزيتان فهما: بنية تدمير الهوية، وبنية آستعادة الهوية، وداخل كل بنية حدد ثلاث بنيات دلالية. ففي الأولي نجده يميز بين دلالة الآسترقاق والآستعمار، والميز العنصري. وفي الدلالة الثانية، نجد دلالة الحرية والثورة ودلالة الإنسان[5]

يوضح بنعيسى بوحمالة أهمية العلاقة بين ما هو شكلي ودلالي وتاريخي، وبالتالي فإنه لا يقرأ الشعر بآعتباره شعرا جماليا خالصا، بل يقرأه بآعتباره ظاهرة ثقافية لها مرجعية حضورها ومنطقها المختلف ثقافيا. يقرأ الناقد الشعر بآعتباره ظاهرة ثقافية لأن الفعل الإنساني مسلسل متجدد لتحول الكلية آستعادة لهوية مدمرة، ضائعة ومؤجلة؛

« الكلية هنا ليست سوى البنية الرؤيوية المتجانسة للمجموع الأسود الذي كان عاكفا على تأسيس مشروع آستعادة هويته المدمرة»[6]

 

استعادة الهوية

يقارب بنعيسى بوحمالة معركة آستعادة الهوية من خلال بنية دالة ومركزية، وهي بنية آستعادة الهوية؛ بحيث إنها بنية تعكس الوعي الزنجي المحموم/ المهموم بقضية الذات والآنتماء الثقافي/ الجغرافي/ الهوياتي، ومن ثم فإنها بنية عبارة عن قناة لتمرير وعي أسود يرفض الكائن ويطمح إلى أن يتجاوزه ويعيد من خلال الممكن الشعري/ الثقافي الهوية المفقودة.

إنه وعي بحتمية التحول إذن، تحول من مستوى الوعي القائم (بنية الهوية) إلى مستوى الوعي الممكن (بنية آستعادة الهوية). وبهذا المعنى يسعى الزنجي إلى تدمير الاستسلام التراجيدي بتحطيم الكليات القديمة من أجل خلق كليات جديدة.

لقد آختمرت رؤية الفيتوري للعالم وهي رؤية أورفية، ومع أن "أورفيوس" كما يؤكد الناقد يمكن أن يحيل على رؤية ذاتوية فإنه لا يريد من الأورفية دلالتها الذاتية الضيقة، بل رمزيتها الشمولية الضمنية، بله المغتربة، ومن تجليات ذلك قول الفيتوري؛

 

             بلاد العبيد ! إفريقيا

            يا بلاد الزنوج الحفاة العراة

           ترى كيف يمشون في عريهم

           وكيف يعيشون خلف المياه؟

           وأجسامهم

           ذلك الأبنوس العجيب !

          المفصل مثل البشر[7]

 

يعبر بنعيسى بوحمالة عن هذا الاغتراب الشعري ب"الحس النوستالجي"، بحيث إن الذاكرة عند الزنجي ليست ذاكرة مفقودة، وليست آنشدادا لا عقلانيا إلى ماض حزين بل إنها ماض مشع وخلاق، مما يشكل مسلكا وجوديا مندغما في الشعائرية السوداء. فالفيتوري مأخوذا بقضية السود يعيش ما يعيشون ولو أخذ مسافته المجالية، فهو إفريقي الدم والشعر/ الثقافة ومدافع شرس عن قضايا الزنوجة حاملا معه هذه القضايا إلى مجالات بعيدة، فإفريقيا كما يؤكد الفيتوري موطنه والزنوج المساكين شعبه، قدمه غائصة في الماء ومقلته تبحث عن وطن. وبهذا المعنى فالفيتوري كما يؤكد بنعيسى بوحمالة؛

«يلقي نفسه ضمن الموقف النوستالجي، منقادا إلى تلبية ذات المشترط الرؤيوي الذي يؤسس خلفية الحس النوستالجي في سائر فروع الثقافة الزنجية، ويحفز المفكرين والمبدعين الزنوج على آتخاذ المسلك العودوي إلى الرحم الإفريقية كرد فعل آتجاه كل مضاعفات التغريب والمسخ والدمار التي تناغلت في مناحي الحياة السوداء، أي كموقف ضمني حيال الحضارة البيضاء بما هي حضارة مادة وآستهلاك وعنف وتفسخ»[8]

نحن إذن أمام عوالم متصادمة، عالم زنجي مقهور يسعى إلى التحرر والآنعتاق وبمختلف أشكال الثورة، وعالم أبيض مثقل بالماديات. وبهذا المعنى يشكل القهر حافزا لتلمس الحرية تأكيدا للذات وآختراقا لعوالم مخنوقة. والمسألة الزنجية تبعا لذلك ليست آعتكافا مرضيا على ماض عليل لكنه آستثمار له وسعي لنقده وتجاوزه. وبذلك يكون هذا المنزع نزوحا حداثيا يعترف بداية بقيمة الثقافة بآعتبارها آلية لتجاوز المعيقات وكسب رهان التقدير والآعتراف.

إفريقيا عند الفيتوري، الشاعر المتجول ليست حالة مجالية بله روحية. إفريقيا بعيدة نائية لكنها القريبة من الوجدان بل إنها الوجدان، القصيدة، اللغة، والهوية.

يشكل كتاب بنعيسى بوحمالة "النزعة الزنجية في الشعر المعاصر"، إذن، إضافة نقدية مهمة لإحاطتها بموضوع مغبون ثقافيا ونقديا كذلك، فقد كان الكتاب بجزأيه « فاتحة معمقة ومتميزة لإقامة أكثر من رباط، في المحتوى والشكل، بين الشعر والموضوعة الزنجية»[9]. يشكل هذا الكتاب أكثر من ذلك آنعطافة مهمة وجديرة بالقراءة والدراسة لأنها صاغت الزنوجة في تركيبة نقدية شاقة وشيقة كما هي عادة بنعيسى بوحمالة في "أيتام سومر" و "مضايق شعرية" و" شجرة الأكاسيا"، مكنت القارئ من غير تضخيم من إحاطة شاملة حقيقية بموضوع له أهميته الثقافية الراهنة والمؤسسة للشعر والثقافة الإفريقيين، وقد كان لهذا الكتاب إضافة لتمجيده لحيز حميم من ذائقة بنعيسى بوحمالة وتاريخه وثقافته الشخصية، أثر كبير في الكشف عن الرؤى الشعرية والتاريخية والثقافية للزنوجة المؤجلة سياسيا وثقافيا ونقديا.

 

 الهوامش


[1] - بوحمالة بنعيسى، النزعة الزنجية في الشعر المعاصر محم الفيتوري نموذجا، منشورات آتحاد كتاب المغرب، ج 2، ط 1، 2014

[2] - لقد مرت النزعة الزنجية من مراحل « في البداية كان هناك العصر الذهبي لإفريقيا ثم تلاه عصر التبدد والعبودية، فيقظة الوعي»

Sartre , Orphée noir ; in Anthologie de la nouvelle poèsie negre et malagache de la langue francaise, de Leopold Sédar Senghor.p 38

( أنظر النزعة الزنجية، ص 54)

[3] - Pierre Zima : La mise en scène de la dialectique ; trois modèles , dans Le structuralisme génétique , p 166

[4] - النزعة الزنجية في الشعر المعاصر، مرجع مذكور، ص 15

[5] - المرجع نفسه، ص 17

[6] - النزعة الزنجية، مرجع مذكور ص 18

[7] - ديوان محمد الفيتوري، المجلد الأول، دار العودة، بيروت، 1972، ص 54

[8] - النزعة الزنجية، مرجع مذكور ص 28

[9] - صبحي حديدي، زنوجة محمد الفيتوري، القدس العربي أبريل 2015

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا