Closed Gate
عن الشاعر راسلنا صوت الشعر لقاءات قراءات نقدية قصة  مقالات أدبية شعر

نصف شمعة

شيه جي تشيانج - الصين

ترجمها عن الصينية مباشرة: سيد جودة - مصر / هونج كونج

 

كانت رحلة عمل تلك التي سافرت فيها لمدينة صغيرة أزورها لأول مرة في شمال الصين. نزلت في فندق متوسط المستوى كل الوجوه فيه غريبة عليّ. ظللت بمفردي حتى حل ّ المساء في غرفة فيها ثلاثة أسرّة أثارت بقلبي القلق من أن يشاركني نزيلٌ غريب ٌ الغرفة. حاولت الاسترخاء بمشاهدة التليفــزيون. كانت الشخصيات تمرّ على الشاشة سراعاً وتباعاً , وفجأة فقـدت الناس الصاخبة على شاشـة التليفــزيون صورها واتشحت الغرفة بالسواد وكأنما انقطع التيار الكهربائي عن حفل صاخب فجأة. حتى أعمدة الإضاءة بالخارج انطفــأت وتعـالت صيحــات الدهشــة من مبنى الفندق كله.

 

تحسست طريقي إلى المكتب وسحبت الدرج والتقطت بأصبعيّ نصف شمعة من الدرج الخالي كنت قد اكتشفتها عن غير قصدٍ حين نزلت بالغرفة. نصف شمعة رفيعة ومستديرة وباردة للغاية رقدت في الدرج لأجلٍ غير معلوم وأغلب الظن أنها نُسِيَتْ. حتى عمال النظافة أهملوا وجودها عند تنظيفهم للغرفة. التقطتها بأصبعيّ ولكن لم يكن معي عود ثقاب. خرجت من الغرفة وأنا ممسكٌ بالشمعة فأبصرت ضوء القمر الخافت من نافذةٍ في نهاية ممرٍ طويلٍ طويل غلبت عليه الجلبة وأصوات أبوابٍ تُفتح و وقع أقدام تمشي وأصوات تنادي على بعضها البعض. من الواضح أن أحداً لم يتوقع أن ينقطع التيار الكهربائي ولذا نسوا لشهور أو لسنين وجود نصف الشمعة هذي التي في يدي. لكني أقبض عليها الآن بين أصابعي خشية أن تقع. تشبثت بها وحرارة كفيّ أدفأت بردها. مرّ خيال امرئ أمامي سريعاً فقلت له:

-         "ألا يوجد عود ثقاب؟".

فرد صوت: "لا".

ما أن سمعت الصوت حتى تبينت أنه صوت فتاة. صوتها ذكرني بشلالات المياه في قلب الجــبال. نادت على موظفي الخدمات بالفندق وكان صوتها مفعماً بالرهبة. قلت لها:

-         "إن معي شمعة".

وعلى الفور سارت في الممر متخبطة ً وهي تصيح:

-"من معه عود ثقاب أو قدّاحة لنوقد شمعة؟".

كان صوتها كأنه التماس ترسله للناس.

 

واصلت سيري في اتجاه النافذة في نهاية الممر وشيئاً فشيئاَ بدأت عيناي تتأقلمان على الظلام الذي حلّ فجأة. كنت كحامل العلم الذي يتقدم الجنود ويدعوهم للمضي قدماً, ناديت بأعلى صوتي وقلت:

- "إن معي شمعة, من معه عود ثقاب؟"

شاركتني الفتاة في النداء. قلت لها:

-         "يوجد الكثير من النزلاء, لابد وأن مع أحدهم عود

ثقاب".

كنت كمن يحادث نفسه أو كأني كنت أواسيها.

 

وقع أقدام كثيرة وبعيدة, شعلة من اللهب تنطلق فجأة ً كبرق لاح من بعيدٍ في الأفق المظلم فأوقد ناراً مضرمة.

-         "هيا أسرع".

كان صوتاً أجش لرجل في منتصف العمر. أسرعت للأمام وتلامست فتيلة الشمعة بلهب القداحة كقبلة عاشق مفعمة بالأشواق. تراقص لهب الشمعة بخيلاء وبدأت في الإضاءة وإشاعة البهجة شيئاً فشيئاَ. أضاء نورها وجه الرجــل فبدا متبسـماً وما لبث أن التفَّت حولنا وجــوه لا أعرفــها ضاحكة وسعيدة. نظرت لوجوههم الغريبة عنـّي والتي لــم تعد غريبة وضحكت. لم أكن في عجلة لأن أعود لغرفتي فهذا النور لكل الناس وليس لي أن أنعم به بمفردي.

قالت الفتاة لي:

- "إنك لذو خبرة. أعددت نفسك لهذه الظروف قبل سفرك".

-         "لقد وجدتها في درج المكتب فحسب وليس لقدرتي

على استقراء الطالع. فمن الآن يسافر في رحلة عمل و يتوقع انقطاع التيار الكهربائي؟ لقد أصبح من النادر الآن أن نجد شمعة في المدينة".

 

أمسكت بالشمعة ومررت على كل باب مفتوح وقبلت بكل فخر طلب نزلاء غرفة بأن أعيرهم ضوء الشمعة ليبحثوا عن شيءٍ أسقطوه أو فقدوه أثناء انقطاع التيار الكهربائي. ما أن وجدوا ما كانوا يبحثون عنه حتى كانت سعادتهم طاغية و بدوا في براءة الأطفال. أضاء نور الشمعة غرفات قلبي أيضاَ ولم يعد بي شعور بغربة أو برهبة في ذلك الفندق ولا في تلك المدينة على الرغم من أنه شعورٌ دائماً ما ينتاب من يزور مكاناً غريباً عليه. ظللت أمرُّ على الأبواب المفتوحة إلى أن وصلت إلى غرفتي وكانت المصادفة أن عاد التيار الكهربائي فجأة وعادت شاشة التليفزيون لعالمها الملون.

 

جاءت عبر الممر أصوات سعيدة أعقبها أصوات أبواب الغرف تغلق فأغلقت باب غرفتي أنا أيضاً.

 

 

* اقرأ النسخة المنشورة في أخبار الأدب

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

إلى دار ندوة

عودة إلى موقع ندوة

ضع إعلانك هنا