ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

ياسر عثمان - مصر

نثارٌ من سيرةِ المعدمين

ياسر عثمان - مصر*

 

1

عندما أموتُ يوماً ما

في صيف تموز

تحت العربةِ (الليكزاس)،

و أنا أمسح الترابَ الملبدَّ بين فخذيها

من أجلِ قطعةٍ معدنيةٍ،

قد تسقط من جيبي الأيمنْ

- دون أن أشعر، وأنا ملقىً على ظهري -

واحدةٌ مثلُها،

فلا تقولي لأولادي:

قد مات أبوكم شهيد كسْبهِ الحلالْ

فإني أخاف أن تغريهم شهادةٌ من هذا النوع

ولكن قولي لهم:

مات أبوكم في حضن امرأةٍ جميلةْ

أظنها كانت زوجته في السر.

 

2

المحاضرُ العالمي

المتخصص في تكنولوجيا الاتصال،

و الوسائط المتعددة

الذي استضافه فندق السعفةِ الذهبية

( الذي أعمل فيه في قسم الاستقبالْ

حامل أمتعة )

ليلقيَ محاضرةً واحدة

لمدة ساعتين

على عددٍ

من أفضل مهندسي الوسائط المتعددة،

و الاتصال الرقمي

في قطرنا الكبيرْ

هو نفسه الولد الذي كنا

- ونحن في المرحلة الإعداديه-

نسخرُ من أنفه الطويلْ،

و قامته القصيرةْ

فيقول:

إنها خلقة ربي

هو نفسه الولدْ

الذي كنا نسخرُ من مهنة أبيه و جده

بائعيْ الأكفان الوحيدين في قريتنا الكبيره

فيقول :

لولا أبي و جدي

لسار آباؤكم و أجدادكم عرايا

في سفرهم الأخير ْ

هو نفْسُهُ الولدْ

الذي كان يتفادى بذاءتنا ببراعةْ،

مردداً جملتَهُ اليتيمةَ

التي كنا نحسبه- آنذاك- يقولها عبثاً

تلك الجملةْ

التي سمعناها بضعةَ مراتٍ

في حصة النحو

من مدرسِ اللغةِ العربية:

" بعد النكرات..

صفاتْ

و بعد المعارف..

أحوال"

 

3

السيدة التي تقف - الآن –

على ناصيةِ "شارع الصاغة "

(في انتظار العقربِ المشبوه

من هذه الساعة المواربةْ

بين منتصف الليلِ،

ولحظة إغلاق أحد المحالْ)

ليست "بائعة هوى"

لكنها

واحدةٌ من حسناوات مدينتنا الكبيرةْ

اللاتي تزوجهن الفقرُ كرهاً

و ضاجعهن غصباً،

فقررن أن يسلبنه رجولته الدعيَّة،

و يمرغن عمامته في الترابْ

 

4

القصيدة التي كتبتها ليلة أمسْ

(في النهر الذي باع مَصَبَّه)

لم تكن في البنت التي خانت حبي لها

و تزوجت من ولدٍ آخر،

و إنما فيَّ أنا

لكي أثبت أن لديَّ شيئاً

لا يمتلكه ذلك الولدْ

 

5

الدائرةُ التي

رفضت مرور السهمِ العاشقِ

عبر أي نقطة على محيطها الكبير

فتحت الباب - بعد ذلك- لآلاف الأسهم النزقةْ

لتمرَّ جميعها من خلال المركز.

 

6

المربع الذي تآمروا عليه،

و أفقدوه أحد أضلاعه

مات من شدةِ القهرْ

رافضاً عروضهم الدنيئةَ

أن يكون مثلثاً.

 

7

لم يستغرب الرجلُ الصحيح البنيةِ،

السليم العقلْ

الذي أصر أولاده أن يضعوه في مصحة عقلية،

أو في دار المسنينْ

فقد فعلها هو - من قبل-

مع أبيه الذي دللهُ كثيراً

لأنه كان الابن الأوحد بين ست بنات.

 

8

عندما أموت يوماً ما

حزناً على أمنيةٍ أجهضت ثلاثين مرة

فلا تنهي أولادي عن الحزن

فالممنوعُ مرغوبٌ

لأن المرغوبَ في مدينتنا ممنوعٌ

ولكن فقط

حذريهم من النومِ عراةً

في مهب الريحْ

 

9

الصافنات مقيدةْ

لا ترتجي من أخوة الصديقِ حلاً،

أو فكاكاً

الصافنات عاقلةْ

تدرك بحدسٍ من تواريخ الهزيمةِ،

و انتصارات الذين تمرسوا وجع الحروبْ

أن القيودَ التي تكبلها

محليةُ الصنعْ

جُلِبَتْ موادها الخامْ

و شفرةُ تصنيعها من كوكبٍ آخر.

 

10

النافذة التي أُطل منها

على ضحكة السماءِ ،

و غنج النسيمِ،

و صفاء النهرِ،

و البنات اللاتي استدارت أشياؤهنْ

أزعم أنها نافذتي وحدي

أتناسى

أن هناك وجوهاً

تطل عليَّ منها.

 

11

على الرغم من إتقانه جيداً

لعبة التباديل والتوافيقْ،

إلا أن أحداً لا تخفى عليه

اللعبةُ التي لعبها الفقر

ليحرك الــ " كاف"

إلى ما بعد الــ" فاء" ثم يقلبها "قافاً" 

 

12

"الحرُّ " الذي تتأففُ منه السيدة الرقراقةْ

و كلبها الصغيرْ

ليس شيئاً بالنسبة للرجل العجوز

الذي يروض للسيدة كلبها

فالحر مهما تعملقَ

وادَّعى بنوته للشمسِ و النارْ

فإنه لمْ

و لن يستأثر إلا ببضعةِ حروفٍ

يجود عليه بها سيده " الحرمان"

الذي وهب نفسه وحياته

للعجوز مروض الكلابْ

 

13

علامة الاستفهام ذات الكرش الكبيرْ

التي ظن المعدمون أنها ستلد توأماً

وضعت اليوم فأراً نحيفاً

................

..............

نصيحة: 
الأولى بكم أيها المعدمون

أن تتركوا علامتكم

تمارس الرياضة

و "الرجيمَ" القاسي

لا أن تحشوا بطنها الصغيرْ

بأحلامكم المشبعة بدهون الوهمْ

في مدينتكم الكبيرةْ

التي كرست نفسها

لمحاربة و باءِ الأحلامْ

الذي استوطنكم

فَهيَّجَ شرايين مدينتكم الضيقةْ 

 

14

نزلة القرفْ

التي تصيبني كل يومٍ

لحظةَ استيقاظي من النومْ

عقب الساعة التي تتوسط المسافه

بين العصرِ، و المغربْ

ليست بسبب شقاوةِ ابنتي

التي لم تتجاوز العامين

التي توقظني- أحياناً-

قبل أن يقضيَ النومُ وطراً من جفوني،

و إنما

بسبب الأحلامِ التي تغزوني أثناء النومْ

في تلك الساعةْ

فمرةً

جاءني أحدُ الأصدقاءِ المصابين بداءِ الكلمةْ

وخيرني بين اثنتين:

إما أن أكتب كلماتي،

و أضربَ بها عُرْضَ الحائطْ

و إما أن أضرب بالحائط

عُرضَ الكلماتْ

فاخترت الأولى

و هنالكَ مفزوعاً

قمتُ

قبلَ أن أفقد النفسَ الأخير

غرقاً

في بركةِ الدماءِ

التي سالت من شرايين الحائطْ.

 

15 

الجالسُ في منتصف الورقة

مستظلاً من عري اللحظةِ

بسطره اليتيمْ

لم تقر عينهُ بحروفه الأولى

و ليس بعاجزٍ عن إدراكِ الحروف الأخيره

الجالسُ

لا تدركه نصفُ عينٍ

تمسحت بهيكلِ الحداثه،

و دير الأب ت س إليوت،

وآخرِ مقالات (هابرماس)

الجالسُ لا سبيل لديهِ لعينٍ كاملةْ

تشهد أنهُ مخيرٌ

و ليس مسيراً

في جلسته تلكْ.

أراهن من مكاني هنا

أن الجالسَ- يوماً ما -

سينقضُ على السطرِ الأخير ْ

و يملكُ مفتاحَ التحكمِ

في النقطةِ القابعةِ في نهايةِ ذلك السطرْ

فيهيمن بذلك على المعنى:

يعجلُ به

أو يؤخرهُ

لأجلٍ غير مسمى 

 

16

عندما أقسمتُ على الشعرِ

أن يفسر لحظةَ الرعب التي تنتابني

كلما نظرتُ في عينيها،

و أن يكتبَ فيهما رسالةً

يحملها عني إليها

أقسم الشعرُ

أن يبر قسماً ولِهاً

فنفض عن نفسه عدةَ المجاز،

لم يتوسلْ بالاستعارةْ،

و لم يقرع باب التشبيه

لِما يعرفُهُ عنهما من الفاقةِ،

و ضيق ذات اليدْ..

راح يتوسلُ بالبحر ليمنحه لغةً جديدة..

ردد سِفر ميكيافلي

ثقةً في حسن الطالع،

و كفاءةِ البحرْ

عاد الشعر فرحاً

بما أعطاه السيدُ البحرُ من مفردات الجمال:

الزرقةُ عن يمينه،

و الدفءُ عن شماله،

و في قلبه تنتظم القصائدُ

عقداً من اللؤلؤ اليتيم

و قبل أن يسلم الأمانةَ إلى أهلها،

و يرددَ على عينيها ما قاله البحرْ

بادرته عيناها بكلماتٍ

عاد يتلوها على البحرْ

ويعلمهُ كيف ينظمُ الشعرْ .

 

17

هي

سيدةُ الحرفْ

و أنا العاشقُ حدَ النزفْ

هل أهديها قصيدةَ شعر؟

أم أهديها زجاجة عطرْ؟

*****

سيدة الحرفْ

هل يرضيها نشيدٌ كمثريُ الكلمةْ؟

وهي الملكةْ

فوق التاج الأخضرِ،

في مملكة الشمسْ

هل يرضيها عبيرٌ أزرقْ

و هي المانحةُ النهرَ الزرقةْ؟

سيدةُ الحرفِ !

العفو العفو،

و معذرةً

لم أجد الجرأةَ أن أشطبْ

ما دبَّجَهُ القلبُ العاشقْ..أعلاه

 

18

هي

كيفَ للنيلِ أن يعشقَ سواها ؟

هي

التي حفرت بأرضِ القلبِ

نافذةً،

و أغنيةً

هي

كيف للشعرِ أن يستوعبها ؟

و هي الكاشفةُ السرَّ

عن وجه المجازْ

هي

حدٌ مفتوحٌ في متواليةِ الدهشةْ

هي

لا تدخلْ إلى عالمها من بوابةِ الخيالْ

ولا من بوابةِ الواقعْ

ولا تحملُ نفسك على غرائبِ التصويرِ

لتُقاربَ سحرها

هي

غايةٌ عزَّت على الصورةِ أن تدركها

هي

جرحٌ مفتوحٌ في قلبِ عاشقها.

هي.............. الموصوف

هي................... الوصفُ

هي....................... الجوابُ

هي.............................. الخبرُ

هي

من تملأ الفراغات بين طرفي المسافة؟؟؟

هي

و حدها التي يمكنُ أن تملأَ الفراغَ مِن حولي بهمسةٍ

من عطرها الأنثوي المدثرِ بالسحرْ. 

 

19

الرقراقات اللواتي ذهبن إلى البحر

ليملأن جرارهُنَّ العطشى

رجعن مجبورات الخواطر إلا واحدة

أخذ البحر جرتها ،

راح يساومها عن السرِّ الكامنِ في تلك الجرة،

قال:

وهبتكِ ما ملكتُ من الماءْ

فهبيني ما ملكتِ من الظمأ الخجولْ

أنت التي أنتظرُ من بين كلِّ النساء

أنا الظمآن لا أنت يا سيدةَ النهرِ

قال هذا

ثمَّ رد عليها الجرةَ ثانيةً مملوءةْ

ليوهمها

أنه لا يساومها

عن قوةِ احتكاره الماء

و إنما

مدفوعاً بالظمأ الذي يملأ نفسه

لكنَّ الرقراقةَ أبتْ

و هوت بالجرةِ فوق دماغِ النهرِ.

 

20

الدالةُ التي رفضت متغيراً وسيماً

من عائلةِ البحرْ

لم ترفضه

لضيق ذاتِ اليدْ

يكفي المتغيرْ

أن أباه "السيد/بحرْ"

(دنجوان الصفقات الكبرى).

سليلُ العائلةِ الرقميه

قالت حيثيات الرفضْ:

" كان للمتغيرِ ماضٍ في متساويةٍ قبلي".

******

الدالةُ رفضتْ

رقماً آخرْ

كانت تترقبهُ دوالٌ أخرى

قالت حيثياتُ الرفض:

لا يرضيني الرقمُ الثابتُ حدَ الموتْ.

******

بعد زوال الفرضِ

و زهد المُعْطى

الدالةُ قبلت رقماً عشرياً فاترْ

خَافت من شبحِ الصفر.

 

21 

الفسيلة التي ادعت يوماً ما

صداقتها للنخلةْ

شربت من كأس ادعائها

حدَّ السكرْ

فظنتْ

أنَّ النخيلَ تواضعَ حدَّ الهوانْ

فقالت كلاماً مشيناً

في حق النخيلْ..

هامت على وجهها من السعادة

حين اهتز النخيل كثيراً لدفع الرياح

ظنت الفسيلةُ

أن النخلةَ في طريقها للموت

نسيت أن النخيل عميق الجذورِ..قويٌّ الشرايين

و أن جذور الفسائل أضعفُ حدَّ الموتِ

أمام الرياح.

 

22

حالةُ الاحتقانْ الرومانسي

التي تضربُ قلوب البسطاء

عندما تفرغُ حياتهم

من الماء و الخضرة

و تنأى عنهم الوجوه الحسنة

ليست- فقط- قاصرةً على البسطاء

فالأغنياء أيضاً

يمرضون بالداء نفسه

بعدما تغريهم الصفقات الكبرى

التي لا تقبل بفكرة العشيقة

أو الزوجة الثانية.

 

23

ألقت حقيبتها الصغيرةَ

فوق مكتبها الأنيقْ،

راحت تعوم على السريرِ ،

وعانقت يدُها الخطاب .

دقاتها تربو على التسعين دقةْ،

قرأت بدايتَهُ بدقةْ،

ومشت على كل الحروفِ،

تجاوزت كلَّ الأزقةْ،

لكن تعثَّرَ خطوها

في حُفرةِ السطرِ الأخيرْ،

دمعت

( بحُرقةْ) .

 

24

في لحظةٍ ثوريةِ الإحساسِ

أمسَكَت القلمْ،

فتحت نوافذها عليهْ،

كتبت لهُ،

باحت بأسئلة الهوى،

قالت : مَلَكَتُ من العبيرِ و سحرِهِ

ما حارت الدنيا لديهْ

ويحار فيه الشوقُ،

يدفعني إليهْ،

يبكي لدى الأوراق ما هذا الرجلْ ؟

لِمَ كلُ أسئلتي لهُ ؟

أو ليس من ردٍّ

لديهْ ؟

في لحظةٍ ناريةِ الأشواقِ

أمسكت الكتبْ،

راحت تفتش في الزوايا

عن بقايا

من يديهْ،

فإذا بخاطرةٍ لهُ

من بين أحضانِ السطورْ،

أوحتْ لها

ما سرُ هذا الصمتِ في قسماتهِ

ما سرُ هذا الخوفِ

في خطواتهِ،

ما سرُ هذا الحزنِ..في عينيهْ.

 

25

يساقطُ فوق النافذةِ العطشى

لبصيص الضوءْ

شعاعٌ عاشت تترقبه اللحظه

منذُ مجيءِ الولدِ الساكنِ حضنَ اللحظه

من قلبِ السِفر الجنوبيِّ القائلْ:

إن الدمعةَ لحظه

و الفرحةَ لحظه

و مدادَ الأحلام الكبرى

يتقاطرُ من ثديِ اللحظه

فتح الولد المسكينُ النافذةَ

لشعاعِ الضوءْ

كيما يطوق خِصر اللحظه

لكن المنشورَ الأحمقْ

قطع جوازَ مرور الضوءْ

شوَّه وجههْ

صار الضوءُ دميماً خافِتْ

لم يتجشم عبء الحضنِ،

و لم يشرب من شهد اللحظه.

 

26

اللونُ الجالسُ في منتصفِ العمرِ،

الملقى

خارجَ ماءِ التكوينْ

خليطٌ من لحم القريةْ

لا يقرأ

و لا يكتب.

*****

اللونُ نفسه

الجالسُ على قارعةِ الحرمان

عند مدخل المدينةْ

يستجدي أكوامَ القشِّ: الراكبةْ،

و المترجلةْ

أكوامُ القشِّّ المنتفخةِ،

و المحشوةْ

بالثلج القطبي الباردْ

ترمقه بعيون القسوةْ

لم تعبأ

بالجالسِ في منتصف الموتْ

يروِّضُ جيشَ اليأسْ.

*****

كان اللونُ الجالس

(قبل مجيء المنشورِ الأبيض

من رحلته

لبلاد البيض

يرتجلُ كلاماً

من محضِ كلامٍ فوق المنبرْ

يرطنُ فيهِ، و يخلطْ

بين حديث متسخٍ بشحوم الحداثةْ

وحديثٍ مقطوع المتنِ ،

موصولِ الراوي

ويقارنُ بين الــ" د ِ"

و بين الــ" ض ْ"

و بين القارئِ كفَّ القريةْ

و القارئ كفَّ "بيل جيتسْ"..

الفضيةْ

فيثور الناس على صفر الكفينْ )

يتقوت من شحِّ الكفّ،

يقرأ في كفِّ القريةْ

يماهي بين الكفِّ وحال الكفِّ

يزرع في الكفِّ اليابسةِ

ألفَ ربيعٍ.

*****

اللونُ الجالسْ

تقرأه أكفُّ القريةْ

تغتالُ حروفه

ترميه بعيداً

خارجَ سور الوقتْ

و تنام القريةُ منتشيةْ

بحديث المنشورِ

الخارجِ من رحمٍ بيضاءْ

القريةُ حمقاءْ

ما زالت تصغي لكلامِ المنشورِ الأحمقْ

الخائنِ كلَّ زوايا السقوطْ

المتفلسف ِحدَّ التشريدِ،

و حدَّ القتل.

 

27

القصيدةُ الأمّ

التي غرستْ شتلات الغموضْ،

و المفارقات الحادة في عنق التلقي..

القصيدةُ التي لم تترفق بوعي قارئها،

فقرضت منه ثلاثةً و ثلاثين عاماً

و لا تزالُ تقرضْ

القصيدةُ التي حاولتُ أن أفهمها

فلمْ

وحين ادعيتُ

تركتني و غاصت في بحرِها الداكن

إنها الحياةُ

بكارةٌ من الصلبْ

ومرآةٌ من العتمةْ.

 

 

28

البشرةُ السوداءْ

و الموتُ المسروقُ من عتمةِ الليلِ

تحت عينيها

لم يواريا ثلاثةَ خيوطٍ من الحزن الأسودْ:

الأول: الذي يرضعُ الجفافَ من حلمتها اليمنى

و يرنو بشعور الحسد لأخيهِ الثاني:

الذي يرضع الوهمَ

من الحلمة اليسرى،

و يبادل أخاه الشعورَ نفسه

و الثالث: المتداعي

الذي تجاوز العاشرةَ بقليلْ

****

فقدت خيطيها الرضيعين

في لحظةٍ واحدةْ

حفر الأبُّ حفرةً في كبده

و لَّف ولَدَيْهِ فيما تبقى من ثوبه

وأسرع في الدفنْ

أشفق على بقايا زوجةٍ تداعت

إلى حدِّ الموتْ

استدار الاثنان معاً

باتجاه النورِ الأخيرْ

الذي أشرق من جبين الخيط الثالثْ:

" يا أيتها النفس المطمئنةُ ارجعي......"

" يا أيتها النفس المطمئنةُ ارجعي......"

" يا أيتها النفس المطمئنةُ ارجعي......"

 

29

 

افرغوا "الصحاحَ"،

و " الوسيطَ "

و " لسان العرب"

و "المحيط"..

أفرغوا المعاني

مما في بطنها من اللغةْ

اكتبوا ماشاءت جميعها من الوصف

أفرغوا "البؤساء"

و " الحرب و السلام"

أفرغوا " هوجو" و " تو لوستوي" نفسيهما

أفرغوا ما شاءت،

و ما لم تشأ ريشة الخيالِ من الرسمْ

فإن لم تنجحوا،

و لن تنجحوا

فاتقوا

وصف تلك التي وقودها المعدمون،

و دعوها،

تصفْ لكم نفسها

واكتبوا ما تمليه هي عليكم

سيبدو لكم أنها نرجسيةٌ إلى حدِّ الجنونْ،

هي أبعد ما تكون عن تلك التهمةْ

إنها المأساةُ

أصدقُ الكائناتِ وصفاً لذاتها

 

30

في الربع الأخير من الشهرْ

كان الذي لا يُسمى

ينتظرُ أبي عند باب البيتْ

يسكب الماءَ والترابَ فوقَ السكين المشحوذة

لتصير باردةً مؤلمةً عند القطعْ

يمضغُ سيجارَ الوقتِ

و يلوك الثانيةَ الحُبلى بآمال الأولادْ

حتى إذا كان يومُ الذبحْ

تراه يراقب أمي

و هي ترددُ وقعَ نشيدٍ من أوجاعٍ

لا يتصالحُ فيه النبرُ

مع الأرقامِ العشريةِ في جيب أبينا

فتراه

ببجاحةِ أحمقْ

يفعلها

يقطعُ شريانَ الفرحةِ

يسجن أمنيةَ الأولادِ

و يحيكُ ثيابَ الحرمانِ المزمنةِ لكل البيتْ

 

31

 

عندما غاب الإمامُ - اليومَ - عن صلاة الفجرْ

دفعوه للأمام ليصليَ بهمْ

كانت المرة الأولى التي يؤم فيها الناس

لم يتذكرْ شيئاً من دعاء القنوت فارتجل:

" اللهم لا تكتبه على أحدٍ من أبنائي

اللهم إن سِنةً منه

تكتبها على أحدهمْ

تكلفني ما ادخرتُ من شراييني"

سلَّمَ..

و استدار إلى المصلين خلفه

و بدأ يختمُ الصلاةْ

قال له إمامهم المتأخر

(مدرسُ اللغة العربية الوحيد في قريتهم)

الذي أدرك- بالكاد- الركوعَ الأولْ:

هاؤك أتعبتني

لهثتُ في أثرها فلم أدركها

فأجابهُ:

و أتعبتني،

ولا تزال آثارها تؤرق ما بقي مني.

 

32 

منذ لحظةِ توقيعِ الأقدارِ

على وثيقةِ أحوال العبد لله

واهبةً أبي أنفاسه الخالدة

ليحيا في داره الأولى

حياته التي عاش عمره يحلم بها،

( هل للفقراء دارٌ غيرُ تلك التي

يأتون منها،

ثم يذهبون إليها،

تاركين ما اكتسبوا من الأنفاسْ

لمن يرغب في الحياةِ بعدهم ؟)

 

منذها،

و أنا رهن تلك الوثيقة

أقف في منتصف المسافة

بين دراستي الجامعيةِ،

و عملي في محل خراطة المفاتيح الصغير جداً

المحشور - منذُ ولادته-

بين عددٍ من المحال الفارعةِ

طولاً،

و عرضاً،

و ثراءً،

و جمالاً،

و حسباً،

و نسباً

منذها،

و أنا أرتاد المقهى نفسه

في الساعة نفسها 

في الأيام نفسها

من كل أسبوع. 

 

*****

في منتصف المقهى الشعبي القديم نفسه

الذي اعتدت الجلوس عليه منذ عامٍ تقريباً

بعدما توفى والدي الأوحد

( الفقراء فقطْ

هم الذين يعيشون بأب ٍ واحد

فإن مات ذلك الأب

فإن كفنهُ حفنةٌ من شرايين أبنائه)

في منتصف منطقة السيدة زينب

في منتصف الظهيرة 

في منتصف القاهرة

في منتصف المسافةِ بيني،

و بين الحزن على أحلامي التي انفرط عقدها

فتركتني و ولت شاردة:

تبحث عني،

و عن حبيبات العقد المنفرطة

في صحراء الوقت

جلستُ

لعلي أنجح في مداعبة الوقت

بقصيدةٍ أكتبها،

أو قصة ٍ

أتوسل - في كتابتها- قدر ما استطعت

بالمجاز،

و الاستعارة،

كي لا يعدها أشباه النقاد

واحدة من أدب السيرة الذاتية،

أو يتوسلون بالسؤال الأخلاقي

عبر قراءتهم الإسقاطية لها

الجالسُ في منتصف المقهى

من الناحية الأخرى،

يرتاد المقهى كثيراً في ساعات الذروةْ

مثلي تماماً

لكن.... أكثرُ معرفةً بالناسِ وبالأسماءْ

كأن رباطاً بين المقهى وبينه

الجالسُ- رغم وجاهتهِ،

و أناقةِ ما يلتفُ به من برد ينايرِ

من أثوابٍ -

(كوكتيلٌ) من وجعِ الأحوالْ

السوادُ استقر أسفل عينيهِ

منذ زمن طويلْ

التجاعيدُ ملأت وجهه الخمري

الحزن رسّم ملامح الطريق من حوله،

و سدَّ منافذ المقهى في وجههْ

فحاصره الدخان من كل جانب

الجالسُ يسمعني

- و أنا أذكر لصاحبي

جميلَ أبي عليَّ،

و على أخوتي جميعهم،

فأدعو لهُ بالسعادةِ في داره الجديدةْ

و أدعو لأمي بطول العمرْ

ثم بالرحيل الهادئ

إلى حيث أبي

الرحيل الذي لا يأخذ منا الأصفارَ الكبيرةْ

التي تبقت لنا من أوجاع الأبْ

( السطران السابقان

لم أهمس بهما لصاحبي،

وإنما أهمس بهما فقط في أذن القارئ)

يسمعني الجالسُ،

وعلى الرغمِ.....

فإنَّ دبابيس الحزنِ، و السوادَ،

والدخانَ و التجاعيدْ

لم تمنع ابتسامته الخفيفة الساخرةْ

التي أرسلتها شفاههُ السبعينيةُ

وهو يهمس لصاحبه:

أراهنكَ

إن كان أبوه قد ترك لهُ،

و لأخوته بيتاً، أو سيارةْ

أو حديقةً خضراءْ

أو شركةْ،

أو ضيعةْ

أو .....

أو شيئاً مما جمعتُ

طوال العمرِ

لولدي الــ

أ

و

حَ

دْ

 

33

خاتمة

أ

إذا غبت عنكَ،

وأنا معكْ

فأعلم أنني مسجون فيكَ

مقيدٌ بكْ

فلا تطلق سراحي

و إن أسرفت في الغياب،

بل أطلق زغرودة الفقد

وانثر قبلاتك العطشى

على شفاه الكأسِ التي غيبتني

ب

إذا مُنطقت الأشياء بمنطقية اللامنطقْ

و عقلِنتْ بعقلانية اللامعقولْ،

وفلسفت " بشغابيطٍ" من سريالية التيه

وساقها إليك وعيٌ غير مألوفْ

فانسب المنطقَ،

و الوعيَ،

والفلسفةَ،

والعقل َ،

إلى كائنٍ افتراضي من نور

إنَّه العشق ، أو العاشق.

---------

 *شاعر وناقد من مصر

Yasserothman313@yahoo.com

__________________

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا