طلعت سقيرق - سورية

سؤال يبدو غريبا في تركيبته ومغزاه ومبناه ، لكنه مطروح على أكثر من صعيد .. وأنه من المهم جدا أن نبحث ونحدد من هو شاعر العرب بعد محمود درويش ؟؟.. لكن قبل البحث عن الإجابة علينا أن نكون واقعيين لنقول ومن قال إنّ محمود درويش هو شاعر العرب ، وعلى أيّ أساس بني مثل هذا التصنيف الذي يجعل شاعرا ما شاعر العرب ؟؟.. لماذا لا يكون غيره هو شاعر العرب؟؟..   ولماذا لا يكون غير هذا وذاك هو المقصود بالجواب .. ولماذا مثل هذا السؤال أساسا وما حاجتنا إليه ؟؟..مع اعترافنا بقيمة متفوقة ومتميزة للشاعر محمود درويش تضعه دون شك بين عدد قليل من الشعراء الذين انتشروا على طول الساحة العربية وعرضها ، إضافة إلى شهرته العالمية ..لكن هذا شيء والتصنيف أو التسمية شيء آخر تماما ..فأن يكون فلان من الشعراء شاعر العرب أو أمير الشعراء – كما أطلق على أحمد شوقي – يعني أن نكون قد أخضعنا العملية للكثير ، وهو شيء لم نفعله ولم نقم به ..تأتي التسمية عندنا ضرب عشواء ، وعلى البقية أن يلتزموا بذلك..!!..وباعتقادي قد يجوز أن نطلق صفة ما تكون متعلقة بفرد دون أن نحمل الصفة التمييز ، لأن التمييز يحتاج إلى عملية نجري فيها مسحا شاملا على الشعراء ورجوعا إلى النقاد وما شابه،  وكل هذا لم نقم به في يوم من الأيام ولا داعي لأن نقوم به لأنه سيعني فترة معينة نضطر لتجاوزها فيما بعد مع ولادة جيل جديد من الشعراء .. والقول الصحيح باعتقادي هو أنّ محمود درويش من الشعراء العرب المتميزين في زمننا المعاصر، وهناك شعراء آخرون لهم مثل هذا التميز وإن كانوا قلة قليلة، وهو منطق كل عصر من العصور على مدار التاريخ ..

قد يقال وماذا عن المسابقات التي تجرى تلفزيونيا لاختيار شاعر العرب ؟؟.. نجد هنا أن الإجابة جدّ بسيطة ، فعدد الشعراء العرب يتجاوز ستة آلاف شاعر في زمننا الراهن ، وأي مسابقة ستكون مرهونة بعدد محدود وبلجنة وظروف والكثير من الأشياء ، ومن يفور يكون شاعرا جيدا أو متميزا من بين الشعراء الذين اشتركوا وبناء على ذوق اللجنة والظروف التي عاشها خلال المسابقة،  وتميزه محصور بزمن معين ، لأنّ مثل هذه المسابقة ستعاد في سنة لاحقة وسيكون هناك فائز جديد .فإذا آمنا بلقب شاعر العرب فعلى من نطلقه على الجديد أم الذي سبقه ؟؟.. وهل يلغي فوز الشاعر الجديد باللقب فوز الشاعر الذي سبق وفاز به ؟؟.. باعتقادي يجب أن نعود هنا إلى القول بانّ الذي فاز شاعر جيد أو متميز ضمن المساحة والشروط التي ذكرتها لا أكثر ولا أقل..دون حاجة للوقوع في مطب التسميات الكبيرة التي لا تعني شيئا كونها قامت على شروط ناقصة، أولها أنّ عدد الشعراء المشاركين محدد ، وأنّ الفائز بين هذا العدد المحدد قد لا يكون ببساطة هو الأفضل لسبب ما..والأنسب باعتقادي أن تجرى المسابقة،انطلاقا من تسمية الشاعر العربي المميز للعام كذا ، أو في مسابقة كذا .. هذا يكون أقرب للمنطقية ، ويخرج الجميع من حرج إطلاق تسميات أو صفات كبيرة، يحتاج إطلاقها إلى الكثير كما أسلفت..

في كلّ عصر ، وفي كلّ زمان ، يبرز عدد قليل من المتفوقين إبداعيا ، وهؤلاء هم الذين يبقون على مدار التاريخ .. ولا أعني هنا النجوم ، فلعبة النجومية قد تكون شائكة في كثير من الأحيان إذ قد ترفع من لا يستحق ومن يستحق .. وكثيرا ما يلعب الإعلام لعبته في صنع نجومية زائفة تستمر إلى وقت ما ، لكن التاريخ كفيل بتصحيح مثل هذه الأمور وإعادة كل شيء إلى مكانه الطبيعي .. يهمنا هنا ، مسألة الصفات التي تطلق وتكون غير منطقية مثل : شاعر العرب ، وروائي العرب ، وقاص العرب ، ومطرب العرب ، ومسرحي العرب ، وما إلى ذلك ..هذه أشياء يستعاض عنها بصفات محددة تقول بتميز هذا المبدع أو ذاك مع شرح أسباب تميزه ..

في كل عصر ، وفي كل زمان ، يكثر عدد المبدعين في كل مجال، لكن قلة من يبقون مع التاريخ وفيه ..وهذه أشياء طبيعية لا تقلل من قيمة أحد .. فمن غير المعقول أن يبرز كل العاملين أو المبدعين في مجال ما.. وسؤال لماذا لا معنى له ، لأنه منطق الموهبة والتاريخ ، وهذا شيء لا يد لنا فيه ، فهو عام وليس خاصا..