مصر
أولاً 2
مرسي سعد الدين - مصر
ليس هناك عمل ادبي في تلك المرحلة مثل رواية عودة
الروح لتوفيق الحكيم التي تعد تعبيرا حيا عن البعث
المفعم بالحيوية المصرية ففيها يري توفيق الحكيم
ان ثورة1919 كانت علامة علي انتهاء فترة ما بعد
العثمانية المنفسخة في التاريخ المصري وهي نهاية
انفجار بركان روح مصر القديمة وهي بهذا تقدم لمصر
امكانية تصحيح مسار تاريخها امكانية الانفصال عن
مصر ما قبل الثورة, الزائفة والمخيبة للامال
واعادة الاتصال بماضيها الفرعوني المجيد ان مصر
تعود في تلك اللحظة إلي ماكانت في الماضي مرة اخري
آفة اتت في فجر الانسانية بمعجزة الأهرام لن تعجز
عن الاتيان بمعجزة أخري أو معجزات.
وهناك اعضاء مدرسة الفكر الوطني القطري المصري
التي سادت مصر بعد1919 كيف ان اربعة من هؤلاء
الاعضاء كان لهم تأثير كبير كصحفيين ومعلقين علي
الشئون الاجتماعية ومعهم محمد حسين هيكل كرئيس
لتحرير السياسة الاسبوعية وعبدالقادر حمزة كرئيس
لتحرير البلاغ الاسبوعي وسلامة موسي كرئيس لتحرير
الهلال ثم المجلة الجديدة واسماعيل مظهر كرئيس
لتحرير المصور وبالاضافة إلي هؤلاء المفكرين
الكبار هناك كتاب المرحلة الثانية هؤلاء الكتاب
وهم المثقفون الثانويون الذين يقومون بإعادة
الانتاج وبصورة معدلة لمناهج ومعتقدات اكثر
الأعمال الابداعية, انهم عامة يفكرون بطريقة اقل
استقلالية وابتكارا من الرواد
وان كانت لهم أهمية كبيرة في نشر الافكار
الجديدة وصياغة الثقافة العامة أو الوحدة الروحية
للمجتمع عن طريق التبشير والتعليم والكتابة ومعظم
المثقفين الثانويين ولدوا بين1900 ـ1910
وغالبيتهم في القاهرة بينما نجد ان طه حسين
والعقاد من مواليد الصعيد وهيكل وموسي من مواليد
وجه بحري ان كلا من المسلمين والمسيحيين في
العشرينيات واوائل الثلاثينيات كانوا يتبنون
الوطنية القطرية, والآن ماهي فلسفة هذا التوجه
الجديد الذي يهدف إلي إيجاد صورة جديدة لمصر,
ولحقيق ذلك كان هناك مستويان متداخلان
الأول تحليل ونقد الصورة القائمة الخاطئة للأمة
وهي الصورة العربية وبناء صور جديدة إيجابية وأكثر
صحة لمصر, وكان السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو
تأكيد اغتراب وتقليدية ورجعية المكونات العروبية
وتقديم عناصر اصيلة وتقدمية في الفكرة المصرية
وتفرد مصر واختلافها عن العرب وكان تفكير المثقفين
المصريين ينطلق من الايمان بعراقة الشخصية القومية
المصرية وكانوا يعتقدون ان الاصالة المصريه تستدعي
تطهير مصر من كل العناصر الدخيلة بالاشارة إلي
العرب بصفة خاصة فان معظم التراث العربي يعتبر,
في رأيهم, نتاجا للامة والشخصية العربية
وكلتاهما يختلف عن القومية الشخصية المصرية ومن
هنا فان انجاز الاصالة القومية انجاز تام يعني
الفصل التام لمصر عن العرب والعروبة
وقد وجه المثقفون المصريون نقدا حادا للعقل
العربي وللجانب السلبي في الشخصية العربية وهو
غياب الاحساس بالزمن التاريخي والأهمية التاريخية
وافتقادها للوعي التاريخي, فهم, علي حد قول
الكتاب المصريين جماعة من البدو الرحل في الزمن لا
احساس عندهم بالصلة بين العهود المتميزة ذات
الاحداث الخاصة أو الانجازات المشتركة واسهامهم في
التراث التاريخي الانساني,
سواء من حيث الاثار المادية الرائعة أو
الانجازات الروحية البارزة غير ذي قيمة.
ويري محمد حسين هيكل انه بعد ما قدمته مصر
واليونان وروما والأمم التاريخية الأخري من حضارات
عظيمة لم يسهم العرب القدامي بأي تقدم تاريخي
حقيقي ويقول محمد حسين هيكل ان العصر الجاهلي شاهد
علي شجاعة وجلد العرب كشعب اما الحضارة ومظاهرها
من علوم وفنون فلا يحدثنا تاريخ العرب قبل الإسلام
عن شيء منه بل وحتي بعد ظهور الإسلام ظل عرب شبه
الجزيرة العربية يفتقدون الوعي التاريخي.
وقد ناقش المثقفون المصريون موضوع الادب العربي
ويرون فيه ادبا متسما بالمنظور البدائي الصحراوي
انه بمثابة مصور فوتوغرافي للحياة البدوية لوسائل
معيشة العرب ولمراعيهم الجافة الصغيرة ولاسواقهم
وخيامهم وجمالهم ولاطلال ديارهم المهدمة
ومضاربهم, ويري عباس العقاد ان الادب العربي
متواضع وغير متحضر وهو يرد ضعفه إلي البصمة
الابدية التي يحملها منذ العصر الجاهلي.
والغريب ان احمد أمين كان ايضا من أكبر ناقدي
الادب العربي وكان يعتقد ان محتوي الشعر العربي
جاهلي بطبيعته ومبرر وجوده هو وصف الصور والأوضاع
الزائلة للعصر الجاهلي وخلال العصر الإسلامي
كله, ظل الشعر العربي وفيا لطبيعته الاصيلة وظلت
الموضوعات والاستعارات الجاهلية تشكل العمود
الفقري للتعبير الادبي العربي في العصر الحديث,
ونري العقاد ينتقد بشدة غياب التراث الفني في مجال
الفنون البصرية في الحضارة العربية فقد اظهر العرب
في الماضي براعة في جمال الزخرف الهندسي لكنهم لم
يقدموا إلا القليل في العمارة وفنون البناء فالفن
البصري العربي يتسم بالاهتمام بالزخرفة من أجل
الزخرفة, زخرفة لاصلة لها بالحياة.
وهذا النقد للأدب والفن العربي هو في الواقع
انعكاس لذلك الاحساس الجديد بتأكيد الهوية المصرية
النابعة من تراب مصر وحضارتها وقد ربط المثقفون
المصريون بين تحقيق الاصالة المصرية وبين انجاز
الحداثة فعودة مصر إلي هويتها ووعيها القوميين
الاصليين هي وحدها الكفيلة بإيجاد الظروف اللازمة
لقيام امة, دولة تقدمية فعالة تتقدم باصرار نحو
العصر الحديث, وقد يسأل شخص ما لماذا نفكر الآن
في الهوية المصرية, بل بمعني اخر لماذا نعيد
التفكير في ماهية الهوية المصرية,
اقول, إعادة التفكير لانه كما رأينا
سالفا كانت الهوية المصرية هي الشغل الشاغل
للمفكرين والكتاب المصريين في عشرينيات وثلاثينيات
القرن العشرين, واهم من ذلك ان الهوية المصرية
التي تحددت في تلك الفترة غرقت في الدوامة
الإسلامية العربية ولولا المعارض الفرعونية التي
تجوب انحاء العالم لكانت كلمة مصر قد اصبحت مدغومة
في كلمة العرب, ولما كانت لنا تلك المكانة
الخاصة كدولة ذات حضارة, بل حضارات عريقة.
|