ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

الغزو الثقافي‏..‏ وهم أم حقيقة ؟‏(1)‏
د‏.‏ عاطف العراقي - مصر / أستاذ الفلسفة ـ آداب القاهرة

من القضايا التي أثيرت منذ زمان طويل‏,‏ ومازلنا نجدها مثارة حتي الآن‏,‏ قضية الغزو الثقافي‏,‏ أي اعتقاد نفر من البشر بأن الدعوة إلي الاستفادة من العلم الأوروبي‏,‏ والمنجزات الحضارية الغربية‏,‏ إنما تعد دعوة من الدعوات الباطلة والهدامة وبحيث يكتبون آلاف الصفحات حتي الآن لبيان أن حضارة الغرب إنما تعد حضارة زائفة وتمثل نظرية المؤامرة علي الشعوب الأخري‏,‏ وبحيث يكون الحل في نظر هؤلاء الكتاب هو رفض كل ما جاء من بلاد الفرنجة‏.‏

وأكثر كتابات هذا الفريق إنما تقوم علي الاعتقاد بأن التقدم العلمي الغربي إنما جاء ممثلا للدعوة إلي الانهيار الخلقي‏,‏ وبحيث أننا إذا أردنا التمسك بالقيم الخلقية فإنه لا مفر في رأيهم من وصف كل ما جاء من بلاد الغرب‏,‏ بأنه يعد فسادا وبحرا من الظلمات‏.‏

من الملاحظ إذن كثرة الكتابات سواء من جانب الغربيين أو من جانب الشرقيين بوجه عام عن موضوع الغزو الثقافي وأثر ذلك علي القيم والأخلاق عامة‏,‏ والحرية علي وجه الخصوص‏.‏ ونجد مجموعة من الآراء حول هذا الموضوع ولكنها تتبلور حول بيان الآثار السيئة للحضارة الغربية علي مجال الأخلاق والحرية تارة‏,‏ والقول بأنه لا تعارض بين التقدم العلمي والأخلاق تارة أخري‏.‏ بل إن التعاطف مع الحضارة الغربية من جانب فريق من الباحثين‏,‏ والهجوم عليها ووصفها بأنها ظلام في ظلام من جانب فريق آخر من الدراسين والباحثين‏,‏ إنما يرتبط كل موقف منهما بقضية الصلة بين الحضارة الغربية ومنجزات تلك الحضارة من جهة أخري‏.‏

ونود أن نشير إلي أن من يهاجمون الحضارة الغربية إنما يركزون علي القول بأنها تعد إفسادا للأخلاق وهدما للبشرية‏,‏ أما من يدافعون عنها فهم يذهبون علي العكس من الفريق الأول إلي القول بأن الحضارة الغربية تمثل الفكر المستقل‏,‏ الفكر الحر‏,‏ تمثل التعاطف‏,‏ تدعو إلي القضاء علي الخرافات والأساطير التي تشكل أخلاق كثير من عاداتهم وتقاليدهم‏,‏ تتبلور حول تحقيق سعادة أفراد البشر إلي آخر المزايا والإنجازات التي تتكفل بها الحضارة الغربية وتؤدي إلي التأثير تأثيرا إيجابيا في مجال الأخلاق والحرية‏,‏ وبحيث لا يكون الإنسان عبدا للخرافات والأساطير‏.‏ والواقع أن كل فريق من الفريقين له مجموعة من الحجج تتفاوت قوة وضعفا‏.‏

ونود أن ننبه إلي شئ مهم وضروري وهو ضرورة الالتزام بالموضوعية وطرح الأسباب الخارجية أو العوامل غير الرئيسية جانبا‏.‏ وأقصد من ذلك إلي التنبيه بأننا قد نجد هجوما علي الحضارة الغربية من جانب بعض المفكرين لتوهم وجود صلة بين هذه الحضارة وبين الاستعمار الغربي‏.‏ بالإضافة إلي أننا قد نجد من جانب البعض تركيزا علي الكوارث التي تعد بصورة ما نتيجة للإنجازات العلمية الغربية كاستخدام أسلحة شديدة الفتك بالإنسان في الحروب وغيرها‏,‏ واستخدام المبيدات سواء في السلم أو في الحرب‏,‏ فينتقلون من ذلك إلي القول خطأ بأن الحضارة الغربية تعد ضلالا وظلاما حالك السواد إنها تعد تعبيرا عن الغزو الثقافي‏.‏

كل هذه الدعوات تعد من قبيل المغالطات والأوهام وهي لا تصدر إلا عن أناس يغلب عليهم التسرع وعدم فهم كل أبعاد القضية التي يبحثون فيها‏.‏ نعم إنها من قبيل الحجج الخطابية والإنشائية التي يحرص عليها أشباه الباحثين أصحاب العقول غير التنويرية‏,‏ لابد أن نضع في اعتبارنا أنه ليس من الضروري القول بوجود تعارض بين الحضارة الغربية والقيم البناءة‏.‏ نجد ذلك عن طريق طبع الكتب وعن طريق الإذاعة والتليفزيون والقمر الصناعي وكلها مخترعات أوروبية حديثة تمثل تحقيق إنجازات علمية هائلة‏.‏ وكل هذه الوسائل يمكن استخدامها لتدعيم القيم الخلقية‏,‏ وبحيث لا نتردد في القول من جانبنا‏:‏ مرحبا بهذا الغزو طالما أنه قد جاء لخير البشرية‏.‏

إنه من الضروري التمييز بين النظرية العلمية وتطبيقاتها‏.‏ إننا إذا قمنا بالتمييز بينهما لظهرت براءة الحضارة الغربية من كثير من الاتهامات التي توجه لها‏.‏ وهل من المعقول حينما يقوم نفر من تجار السياسة وتجار الحروب بتشجيع صناعة الأسلحة الفتاكة كالقنبلة الذرية وقنابل النابالم والغازات السامة‏,‏ أن نلقي بالمسئولية علي العلماء الذين أخلصوا إخلاصا لا حد له في تغيير وجه البشرية‏,‏ وتغيير نظرتنا للكون ؟ وهل إذا استخدم البعض منا جهاز الفيديو لعرض أفلام تضرب عرض الحائط بالقيم الخلقية‏,‏ أن نقول أن هذا الاختراع إنما جاء من الشيطان والعياذ بالله‏.‏ ألم ندرك بعد أنه بالإمكان استخدام جهاز الفيديو كمخترع من المخترعات الأوروبية في مجالات تؤدي إلي نفع الإنسانية وليس إلي ضررها والعبث بقيمها ؟

قلنا إن هذه المشكلة لها العديد من الجوانب والزوايا والأبعاد‏.‏ فمن الأمور التي يؤسف لها والتي ستؤدي بنا إلي حالة من التخلف والانهيار الفكري‏,‏ ما شاع في السنوات الأخيرة من هجوم علي الحضارة الغربية تارة‏,‏ ومن دعوة إلي عدم الانفتاح علي أفكار الأمم الأخري‏,‏ تارة ثانية ومن وصف الأفكار التي جاءت إلينا من الحضارات الأخري‏,‏ بأنها تعد ظلاما تارة ثالثة لأنها تعبر عن الغزو الثقافي‏.‏ وأعتقد أن هذه كلها تلتقي كما سبق أن أشرنا حول ما يسمونه بالغزو الثقافي‏,‏ وأن من واجبنا فيما يزعم أصحاب هذه الدعوات السوداء أن نتصدي لها‏.‏

أليس من التناقض أن يقوم هؤلاء‏,‏ أي أنصار الجمود والانغلاق بالهجوم علي حضارات الغرب في الوقت الذي يعلمون فيه تماما أن كتب التراث الصفراء لا نجد في أكثرها نظرة علمية واحدة تؤدي إلي أي تطبيق من التطبيقات التكنولوجية والتي نستفيد منها في حياتنا التي نحياها‏.‏ أليس من المغالطة أن يقوم هؤلاء الكسالي من أنصار التوقف عند التراث لمجرد أنه تراث‏,‏ بالهجوم علي الحضارة الغربية عن طريق استعمال أدوات تعد ثمرة من ثمرات الحضارة‏.‏ إنهم يرددون عبارات زئبقية غامضة‏,‏ كعبارة الغزو الثقافي عن طريق الميكرفون وعن طريق كتبهم التي تطبع في المطابع‏.‏ والميكرفون ثمرة من ثمرات الحضارة والمطبعة ثمرة من ثمرات الحضارة‏.‏ بل إن طرق الاتصال نفسها ـ كما سبق أن أشرنا ـ وعلي رأسها القمر الصناعي‏,‏ والتي عن طريقها ينشرون أفكارهم‏,‏ إنما تعد ثمرة من ثمرات الحضارة‏,‏ ثمرة لما يسمونه ظلما وعدوانا‏,‏ غزوا ثقافيا‏.‏

أي غزو ثقافي هذا الذي يتحدثون عنه وأكثرهم لم يكلف نفسه إتقان لغة أجنبية واحدة‏,‏ يستطيع عن طريقها التعرف علي حقيقة الأفكار التي يشن عليها هجومه دون أن يعرف مغزاها وجوهرها‏.‏ غير مجد في ملتي واعتقادي تصوير حضارة الغرب بأنها نوع من الغزو الثقافي‏.‏ أي غزو هذا الذي يتحدثون عنه وأين جيوشه‏!.‏ إن حالة هؤلاء المهاجمين للثقافة الغربية والأوهام التي يتصورونها كحالة الدون كيشوت الذي يحارب طواحين الهواء‏.‏

وللحديث بقية

(نقلاً عن الأهرام)

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا