ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

النقد المغربي والمناهج العلمية المعاصرة:

من الاستقدام إلى الاستخدام

(محاولة لقراءة "دينامية النص" لمحمد مفتاح)

فريد أمعضشو - المغرب *

تصدير:

     يعد القرن العشرون "القرن الذهبي للنقد الأدبي"(1) بصفة عامة على حد عبارة الدكتور صلاح فضل. ففيه ازدهرت الحركة النقدية وتبلورت، وتشعبت إلى تيارات عدة، وانفتحت على آفاق معرفية وحقول علمية شتى. ولا جدال في أن الغرب كان سباقا إلى النهوض في ميدان النقد الأدبي، وذلك بفضل الإقلاع الثقافي والتقدم العلمي العام الذي حققه منذ عصر النهضة.

     ومما يميز المشهد الثقافي الحديث والمعاصر أنه أضحى يتجه أكثر فأكثر نحو إلغاء الحواجز المختلقة بين الأجناس الأدبية منذ أرسطو، ونحو توثيق الجسور بين العلوم والآداب. إذ صار المبدع الآن ميالا إلى الأخذ بمبدإ " تداخل الأجناس" في إبداعاته، وأصبح الناقد أكثر نزوعا نحو كسر الحدود بين الإنسانيات والعلوم البحتة؛ إيمانا منه بوجاهة أطروحة " التكامل المعرفي"، وأهميتها في ضمان تحصيل مقاربة علمية شمولية للظاهرة الأدبية.

     وعلى هذا الأساس، انفتحت الشعرية - باعتبارها نظرية النقد الأدبي حسب تودوروف – على التخصصات العلمية الحديثة محاولة الإفادة من مناهجها ومفاهيمها وإوالياتها الإجرائية في معالجة الآثار الأدبية ومدارستها. وهكذا، فقد استعان – مثلا - الشكلاني الروسي فلاديمير بروب (V. Propp) في دراسة الحكاية (Conte) بمفاهيم مستوحاة من علم النبات (Botanique) وعلم الأحياء (Biologie)(2). واعتمدت نيلّي كورمو (N. Cormeau) مفاهيم مقبوسة من علم وظائف الأعضاء (Physiologie) لقراءة الرواية(3). وأفاد نورثروب فراي (N. Frye) من علم التشريح (Anatomie) في مقاربة النقد الأدبي(4). ويعد الناقد الفرنسي فرديناند برونتيير (F. Brunetière) من أكثر الدارسين المحدثين تأثرا بالبيولوجيا، ومن أشدهم اقتناعا بالتعالق الوطيد بين التطورية الأدبية والتطورية البيولوجية؛ إذ إنه نقل فكرة الصراع بين الأنواع التي نظّر لها داروين في المجال البيولوجي إلى ميدان الأدب ونقده، فقارن تطور الأجناس الأدبية بتطور الكائنات الحية (كالفصائل الحيوانية)، واعتبر العمل الأدبي بمثابة كائن عضوي يولد وينمو ثم يفنى. وعليه، فقد دافع باستماتة على أهمية البيولوجيا التطورية الداروينية بالنسبة إلى الأدب، ودعا إلى ضرورة الانتفاع بها في مجال النقد لما لها من نتائج إيجابية على المقارنات بين الأدب القومي وغيره من الآداب. وقد طبق برونتيير (1849-1906م) نظريته تلك على ثلاثة أجناس أدبية، هي: الدراما والشعر الغنائي والنقد الأدبي، وذلك في كتابيه الشهيرين"l'Evolution des genres dans l'histoire de la littérature" الذي صدر في باريس سنة 1892، و"Manuel de l'histoire de la littérature française" الصادر سنة 1897م...

     ولم تكن الشعرية العربية - ومنها الشعرية المغربية - بدعا من هذا التوجه القائم على الإفادة من معطيات العلم الحديث ومناهجه القرائية المختلفة. إذ إنها أخذت في العقود الماضية تنفتح وتنتفع بالنظريات والمناهج العلمية الحديثة في مقاربة النصوص على اختلاف أشكالها وأزمنتها.

     ويعتبر الناقد المغربي محمد مفتاح أنموذجا حيا للناقد العربي الحداثي الذي استطاع أن يستقدم جملة من المفاهيم والنظريات والمناهج العلمية محاولا استخدامها واستثمارها - عمليا – في قراءة النص الأدبي العربي بقطع النظر عن الجنس والزمن الذي ينتمي إليه.

     لقد آمن مفتاح بأن التقدم في مجال الإنسانيات متوقف على التقدم في العلوم الدقيقة، حيث يقول في حوار أجري معه أواخر الثمانينات: "إن التقدم في ميادين العلوم الإنسانية رهين بالتقدم في العلوم البحتة. والنتيجة المنطقية هي أن التقدم في ميدان البحث الأدبي مدين لهذه العلوم. لذا، يبدو لي بعيد المنال جعل مصطلحات الأدب كاملة الانفصال عن هذه العلوم"(5). وانطلاقا من هذا المبدإ، انبرى مفتاح في مشروعه النقدي ينادي بكسر الحواجز بين العلوم الإنسانية والعلوم البحتة، ويدعو إلى ضرورة انتفاع النقد الأدبي العربي بالعلوم المعاصرة ومناهجها ومفاهيمها.

     إن مفتاحا لَصاحبُ مشروع نقدي علمي طموح يراهن على إضافة "لبنة في صرح البحث العلمي الذي يشيده الخطاب الفلسفي والخطاب اللساني والخطاب التاريخي والخطاب التأويلي والنقدي لصياغة فكر أصيل متحرر متفتح"(6). وقد كتب الناقد في إطار مشروعه هذا مجموعة مهمة من الأبحاث والدراسات بلغت الآن – حسبما أعلم - عشرا(7). فضلا عن عدد من المقالات المنشورة في صحف وطنية وعربية معروفة. ويلمس قارئ هذه الكتابات - من كتب - أنها تمتاز "بوضع أسئلة كبرى منشغلة بقضايا نظرية وفكرية أساسية، لها ارتباط وثيق بما تحقق ويتحقق اليوم من نظريات وأبحاث ومقاربات ذات ثراء وتنوع معرفيين"(8).

     إن مشروع مفتاح النقدي متسلسل المراحل، مترابط الحلقات. بحيث يعد اللاحق فيه تعميقا وتوسعة للسابق، والسابق تمهيدا وتوطئة للاحق. وفي هذا المضمار ذاته، يرى الأستاذ عبد المجيد نوسي أن أعمال مفتاح "تميزت بالتفاعل. فكل دراسة تثير قضايا منهجية وإبستمولوجية تخضع للبحث والتعميق... هذه الملامح العامة تجعل الأعمال تندرج في إطار مشروع مترابط الحلقات غني بالمقاربات الثقافية والفكرية، وبالإسهام المعرفي الخصب الذي يقدم المناهج ويسائلها ويستوحيها تحليلا ويكشف عن أصولها، ويضعها أيضا على محك النقاش"(9).

     يعد كتاب "في سيمياء الشعر القديم" - 191 ص - نقطة الانطلاق واللبنة الأساس في صرح التجربة النقدية المفتاحية، لأنه "حمل بين دفتيه، في حينه، ويحمل إلى حد الساعة، تباشير مغامرة أوديسية منهجية كبرى ستظل قائمة وواردة ومستمرة على الدوام"(10). وبعد ثلاث سنوات من صدور هذا الكتاب-اللبنة، أنجز مفتاح دراسة ثانية خصها بتحليل نص شعري لابن عبدون، أسماها "تحليل الخطاب الشعري". وهي – في العمق- "ارتقاء منهجي بالتعميق وتوسيع مجال التطبيق لما ورد في كتاب "في سيمياء الشعر القديم"(11). أما الحلقة الثالثة في سلسلة مشروع مفتاح، فهي دراسته الموسومة "بدينامية النص". وبعدها، كتب الباحث كتابا آخر بعنوان "مجهول البيان"، سعى فيه إلى إعادة قراءة المسألة البيانية في ضوء النظرية التفاعلية. وقد واصل مفتاح بناء مشروعه المتميز، تابع رحلته الشاقة الممتعة التي حطت رحالها الآن عند محطة "الشعر وتناغم الكون" في انتظار إتمام المسير.

     إن الهمّ الذي ظل يراود الناقد طَوال حياته النقدية كلها هو كيفية قراءة النص واستيعابه وتأويله. وهو يهدف من وراء مشروعه إلى محاولة صياغة نظرية لمعالجة النص العربي، قديمه وحديثه، شعره ونثره. وذلك عن طريق الجمع والتوفيق "بين المكتسبات العلمية العالمية ليصير لنا علم للنصوص، وبين الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الثقافة القومية وتفرد النص وتميزه داخل الثقافة وداخل الجنس الأدبي نفسه"(12).

     ولما كانت دراسة المشروع النقدي المفتاحي كله أمرا في غاية الصعوبة، وتحتاج من الباحث إلى مساحة زمنية طويلة، وجهود جهيدة. فقد ارتأيت أن أقف في هذا البحث عند واحد من أبرز كتب مفتاح التي تجسد ذلك التلاقح القوي بين النقد العربي والعلم المعاصر؛ ويتعلق الأمر بكتابة" دينامية النص" الذي يمكن النظر إليه على أنه "فتكة بكر وفتح نادر وارتياد ما بعد حداثي لآفاق النقد الأدبي أو للشعرية المتأثرة بالفلسفات والنظريات والعلوم المعاصرة"(13). وسأحاول التركيز أكثر على ما يتعلق بالمنهج وجهازه المفاهيمي ومرجعياته العلمية والنظرية. والهدف من وراء هذا البحث يتجلى في محاولة رصد العلاقة بين الشعرية المغربية أو النقد الأدبي المغربي الحديث (ممثَّلا في عمل مفتاح المعني بالقراءة) وبين ما استجد في ميدان العلوم البحتة. وذلك بدءا من الاطلاع على مناهج هذه العلوم واستقدام مفاهيمها، مرورا بتحديدها ونقدها وتطويعها، وانتهاء إلى استخدامها واستثمارها في قراءة نصوص عربية مختلفة ومتعددة.

     أولا: في سبيل تقديم "دينامية النص":

     إن كتاب "دينامية النص" هو العمل الثالث في مشروع مفتاح النقدي المتكامل. وقد صدر لأول مرة عام 1987في 224 صفحة من القِطْع المتوسط عن المركز الثقافي العربي. وبعد ثلاث سنوات، ظهرت الطبعة الثانية للكتاب لنفاد طبعته الأولى وتزايد الإقبال عليه، ولأهميته منهجيا ومعرفيا. وتجدر الإشارة إلى أن الطبعة الثانية هي صورة مطابقة للطبعة الأولى، إذ لا تحوير فيها ولا إضافة ولا تغيير.

     لقد استهل محمد مفتاح كتابه هذا بمقدمة مقتضبة أفردها لبعض ما تفرد له المقدمات عادة من طرح موضوع الكتاب ومنهاج قراءته وغيرهما. وبعد خطاب المقدمة، وضع الناقد مدخلا نظريا لتبيان الخلفيات العلمية والحيثيات الفكرية والمعرفية التي يستند عليها منهجه في مقاربة النصوص ومدارستها؛ وذلك إيمانا منه بجدلية النظري والإجرائي، وأهمية توضيح الأسس النظرية بالنسبة إلى ما يليها من ممارسات نقدية. يقول:" ربما لم يبق مستحسنا- بعدما بدأت المناهج الحديثة تشيع بين المهتمين، والطلبة، وعموم المثقفين- أن يكتفي الكاتب فيها بتقديم تطبيقات بدون الكشف عن الخلفيات الإبستمولوجية والتاريخية التي نمت وترعرعت فيها تلك المناهج، وإنما صار متعينا عليه أن يبين قواعد اللعبة وآلياتها، ويهتك خبايا أسرارها"(14). وقد قسم الرجل هذا المدخل إلى عنصرين بارزين يجسدان نمطين من الأسس؛ إذ خص أولهما بتوضيح الأسس العلمية التي تنبني عليها تطبيقاته، وأبرز في الثاني الأسس الفلسفية والإبستمولوجية التي تنطلق منها النظريات العلمية التي بسط القول فيها في العنصر السابق.

     تناول مفتاح في العنصر الأول ست نظريات علمية تحديدا وتحليلا ونقدا. وراح يرصد تمظهرات الدينامية في كل منها. وهكذا، فقد بدأ بالنظرية السيميوطيقية، وتوقف عند مكوناتها الرئيسة التي تحكمها الدينامية والتفاعل. ثم انتقل إلى الحديث عن نظرية الكوارث التي انتقدت النظرية السيميوطيقية الغريماصية وكشفت استشكالاتها. وعالج بعدها الرجل نظرية الشكل الهندسي التي نظر لها طوماس بالمر، ونظرية الحرمان، ونظرية الذكاء الاصطناعي. وأخيرا تطرق إلى الحديث عن نظرية التواصل والعمل. وستكون لنا عودة إلى هذه النظريات بالتفصيل لاحقا. وكخلاصة لهذا العنصر النظري يؤكد مفتاح أن ثمة قاسما مشتركا بين هذه النظريات جميعها؛ وهو "دينامية النص". فالنظرية السيميوطيقية لمّحت إلى ذلك وأخذت في تطبيقه ضمنيا، وخاصة في عناصرها الإجرائية المركزية المتمثلة بالمقصدية والمربع السيميائي والعوامل الستة. وبنت النظرية الكارثية كيانها الفكري والإجرائي على أساس البنوية الدينامية. وبالغت نظرية الشكل الهندسي في الربط بين اللغة ومفاهيم البيولوجيا ومقولاتها. ودافعت نظرية الحرمان عن قوة الأواصر بين البيولوجي والسيميوطيقي. وارتكزت نظرية التواصل والعمل على الدينامية والتفاعل موضحة أن كل فعل تواصلي مترابط الأعضاء يتأثر بعضها ببعض، ويتداعى بعضها بتداعي بعض(15)...

     لا جدال في أن كل نظرية تقوم على فلسفة وخلفية معرفية مسبّقة. ومن هذا المنطلق، عمد مفتاح في العنصر الثاني من المدخل النظري إلى تبيين الأسس الفلسفية والإبستمولوجية التي تقوم عليها النظريات المتقدمة. وقد حصر الكلام هنا في مسألتين رئيستين، هما:

     أ- مسألة الثابت:

     تؤكد النظرية البيولوجية الكانطية أن ثمة غايات طبيعية تشكل سببا وعلة لذاتها؛ وهي قوانين التكون والانتظام وإعادة الإنتاج والتفاعل مع المحيط. وتعد هذه القوانين ذاتية التنظيم؛ تنظم نفسها بنفسها، وتحكمها العلاقة القوية التي تربط الجزء بالكل.

     ويقول كانط - المعروف باتجاهه العقلاني - بتجذر المعرفة في العقل، وبأنها وليدة الأفكار الفطرية التي يخلق الإنسان مزودا بها. وقد حاول الجمع بين العقلانية والتجريبية باستخدام مفهوم التسامي؛ بمعنى أن المعطيات الحسية قائمة وموجودة، يتم تنظيمها بالمقولات العقلية المجردة. وهذا عينه ما تتبناه الفينومينولوجيا التي تمزج بين الذات والواقع ابتغاء تحصيل المعرفة، وتقوم على التجربة والإحساس المباشر بالظاهرة.

     وهناك من جمع بين الكانطية والظاهراتية / الفينومينولوجيا. ونستحضر هنا كلود ليفي شتراوس (C.L. Strauss) الذي انطلق من المجتمع ونشاطه التواصلي-كظاهرة- للاستدلال على الثوابت الإنسانية اللاواعية المتجذرة في الفكر البشري. وقد عرف هذا الاتجاه" بالوضعية الجديدة" التي تدرس الوقائع الموضوعية والأحداث الاجتماعية لاستخلاص القوانين العامة الصالحة للتفسير والتوقع. ويوضع مفتاح ذلك من خلال جملة من النقط، أهمها:

     * تقوم النظرية السيميائية لغريماص على التمييز بين البنية السطحية والبنية العميقة. على أن الأهم بالنسبة إليه هو البنية الثانية التي تتكون من مورفولوجيا تصنيفية قوامها المربع السيميائي والبنية العاملية. أما البنية السطحية فما هي إلا تجليات لإسقاط مكوِّني البنية العميقة. ولكن المستويين (أو البنيتين) معا ليسا سوى إظهار وتحويل للخطاطة (Schéma) بتعبير جوته(Goethe) أو للبنيات الأنثروبولوجية للمتخيل بتعبير دوراند (Gilbert Durand).

     * تتبنى النظرية الكارثية مفهوم المورفولوجيا المتغيرة باستمرار، وذلك ضمن بنية سطحية ظاهرة وبنية عميقة خفية. ولا ريب في أن بين البنيتين تعالقا أكيدا وترابطا جدليا، بيد أن شكل أولاهما مظهر محسوس للبنية الثانية الدينامية.

     * تصنف نظرية الشكل الهندسي (بالمر) الوسائل المحقِّقة للمعرفة الإنسانية إلى خمس، أبرزها ما يسمى" النماذج الأولية" (Archetypes) التي تتفرش وتتشعب عند نقطة التفاعل تشعبا مزدوجا (أوليا وديناميا) يكشف عنه الانطلاق من الظاهر.

     *تستعمل نظرية الحرمان اللغة استعمالا لا يشي بتبنيها لثنائية الأصل/الفرع. وتسير نظرية الذكاء الصنعي في المُتَّجَه نفسه، فتوظف مفهوم الإطار (cadre) وما يتصل به من مفاهيم. أما نظرية التواصل والعمل، فتقوم على مبدإ أساس هو التسلسل والترابط.

     إن مسألة الثابت مهمة في هذه النظريات كلها، مع وجود تفاوت في درجتها من نظرية إلى أخرى. ومهما كان الأمر فهذه النظريات دائما" تنطلق منه (أي الثابت) معتبرة إياه مفروضا على الفكر، مثل الحياة والتغذية والجنس بالنسبة للإنسان....ثم تتبع تجلياته بواسطة المورفولوجيا، والتجليات تنطلق من ثابت يبنى عليه الشكل والمضمون بحسب مبدأ المشابهة، ولكن الثابت والمتغير كليهما تحكمهما علة مادية أولى هي: الدينامية"(16)

     ب- مسألة الهدف:

     تتباين النظريات الست المذكورة آنفا فيما بينها من حيث المنهاج وطرق الإجراء وكيفية توظيف العلم. وفيما يأتي بيان ذلك:

     * إن نظرية غريماص نظرية مفاهيمية علاقية وصفية، تنطلق من أكسيومات ومفاهيم أولية غير محددة بدقة تعدها كليات فرضية (الاتصال / الانقطاع-التمايز- الكلية / الجزئية...). ومن هذه المفاهيم المركزية تُستخلص مفاهيم أخرى ترتكز عليها، وتتخذ موقعا وسطا بين المفاهيم الأولية والمعطيات التجريبية. ولكنها تسلم " بالاستقلال الوجودي للشكل السيموطيقي"(17).

     * إن هذه النظرية – بصفاتها المذكورة- لم تقنع أصحاب النظرية الكارثية، فحاولوا حل بعض مشكلاتها العالقة؛ وذلك بإعادة بناء رياضياتي لواقع ظاهراتي متجلٍّ في السيميائيات اللسانية، متخذين من التَّهَنْدُس (Géométrisation) أساسا لتوليد المفاهيم، وجاعلين من الموقع (Site) منطلقا لإقامة العلاقات بين المفاهيم التي يتم توليدها.

     * إن نظرية الكوارث تستهدف كسر الحواجز المصطنعة بين الإنسانيات والعلوم البحتة. وقد توسع بالمر في هذا الأمر، وبلوره إلى حد بعيد، واستطاع أن يخرج بنظرية "تؤلف بين البيولوجيا التطورية والتنظير الرياضي، وتهدف إلى خدمة السياسة والاقتصاد"(18).

     * إن هذا الاتجاه البيولوجي الرياضياتي المرتبط بالاقتصاد والسياسة هو ما نلفيه يتحكم في نظرية الذكاء الاصطناعي النابعة من فلسفة تجريبية رياضياتية تبجل الآلة وتحلها المحل الأول للسيطرة على الطبيعة والإنسان معا. ولا غرابة في ذلك، إذا علمنا أن هذه النظرية ما هي إلا استغلال أقصى لنتائج الأبحاث البيولوجية والرياضياتية والإعلامية والمعلوماتية.

     وبعد أن رصد مفتاح- من خلال ما سبق – الثوابت التي ترتكز عليها النظريات المتقدمة (بيولوجية النص - استغلال الرياضيات، وخاصة شق الهندسة منها، لتوليد المفهومات وصياغة النظريات – النزعة الفلسفية التوليفية أو التجريبية المحض)، انتقل إلى مستوى التركيب. حيث استنتج -انطلاقا مما سلف- ثوابت بعينها هيمنت على تفكير أصحابها في النظر إلى اللغة وإلى تحليل الخطاب؛ ويتعلق الأمر بالمقصدية، والفضاء / الزمان، والإبداع / إعادة الإنتاج، والهيمنة / الجدال، والمشابهة / التفرد، والظهور / الكينونة. وبعد هذا، دَلَف مفتاح إلى المستوى الإجرائي. وفيه توقف عند مفاهيم هامة توظف في مقاربة النص- وأي نص-؛ ويتعلق الأمر بالمقصدية، والتفاعل، والمعرفة الخلفية المشتركة، والفضاء/الزمان.

     وبعد هذا الفرْش النظري الغني الذي مهد به مفتاح لكتابه، انتقل إلى قسم التطبيقات الذي جاء موزعا على ستة فصول ممنهجة وغنية بمعطياتها العلمية وأفكارها النقدية. بحيث حلل الناقد في الفصل الأول المعنون "بنمو النص الشعري" قصيدة "القدس" لأحمد المجاطي (1936-1995م) على ضوء مجموعة من المبادئ الكلية والمفاهيم النوعية والمحلية التي شرحها في مفتتح الفصل. وحاول في الفصل الثاني أن يرصد مظاهر الحوارية الخارجية بين نصين شعريين؛ أحدهما لأبي نواس(ق2هـ)، والآخر لابن الخطيب السلماني (ق8هـ). كما تتبع في الفصل نفسه آليات الحوارية الداخلية وأبعادها في سينيةٍ لابن الخطيب. واحتفل مفتاح في الفصل الثالث بالحوارية-أيضا- من خلال قصيدة" قصائد إلى ذاكرة من رماد" لمحمد الخمار الگنوني (1941-1991م). ويحمل الفصل الرابع عنوان" سيرورة النص الصوفي"، وفيه أولى الناقد اهتماما واضحا للجانب التنظيري (الحديث عن الكتابة الصوفية وأركانها وأشكالها –الحديث عن القوانين الاحتمالية المميزة لكتب التصوف-الحديث عن الكرامة...)، غير أنه لم يغفل الجانب الإجرائي؛ إذ إنه قارب بعض العجائب والخوارق والحكايا المأخوذة من تشوف ابن الزيات؛ وعالج رائية تعليمية للشريسي وفق المناهج المعاصرة. وفي الفصل الخامس، درس مفتاح نصا قصصيا مغربيا معاصرا محاولا إبراز جوانب الصراع وأبعاده فيه، باعتماد منهج حداثي. وخصص الرجل الفصل السادس- وهو الأخير – بدراسة قضية الانسجام في بعض الآيات القرآنية الكريمة... ولنا عَوْدٌ إلى القضية المنهاجية في هذه التطبيقات في مبحث لاحق.

     والملاحظ أن مفتاحا لم ينه كتابه-قيد القراءة-بخلاصة جامعة يلملم فيها الخلاصات والاستنتاجات التي توصل إليها. بل إنه كان يختم كل فصل بخاتمة مركزة. وهذا الصنيع يؤشر على أن هذا الكتاب إنما هو مجموعة من الأبحاث النقدية المستقلة التي جمعها صاحبها، ونظمها، وصنع منها مؤلَّفا موحدا.

     لقد بدا لي من خلال القراءة الأولى العجلى لهذا الكتاب أنه صعب الفهم، عسير الاستيعاب، متشعب الأفكار... ولم تتوضح لي بعض خيوطه إلا بمعاودة قراءته. ولكن القراءة الثالثة المتأنية له هي التي أعانتني على فهم عدد من نظرياته ووضع الإصبع على مناهجه وطرق توظيفها في مقاربة الخطاب. ولعل صعوبة فهم هذا الكتاب متأتية من تشعب فِكَره وحداثة المناهج الموظفة فيه والتي تستقي مفاهيمها من مستجدات العلوم المعاصرة ونظرياتها الحداثية.

     إن "القراءة الانتخابية" لكتاب مفتاح لا تجدي ولا تعين القارئ على فهم الكتاب واستيعابه الاستيعابَ الجيد. وقد حذر مفتاح نفسه من مغبة الوقوع في شرك هذه القراءة، داعيا إلى قراءة الكتاب كاملا. يقول:" إن القراءة بالطفرة لا تجدي، والانتقاء المتعسف لا يغني. وإنما ما فيه جدة وغناء هو المتابعة الخطية الاستدلالية العلاقية"(19). فالقراءة المطلوبة له- إذاً- هي القراءة الفاحصة التي تطال الكتاب من ألفه إلى يائه، والتي تنصب على تنظيره وتطبيقه معا.

     ثانيا: مرجعيات المنهج في "دينامية النص"

     ونقصد بها الخلفيات النظرية التي استند إليها الشعريوي المغربي محمد مفتاح في مقاربة النص الشعري وغيره.

     من المبادئ المتعارف عليها في النقد الحديث أنه" لا منهج جديد بلا نظرية جديدة"(20). وبناء على هذا المبدإ، نقول إن المنهج الذي وظفه مفتاح في فصول "دينامية النص" قائم على نظرية (أو نظريات) معينة يستمد منها مفاهيمه وميكانيزماته. وقد حصر الناقد أسس منهجه في ست نظريات علمية ولغوية، كالآتي:

     أ- النظرية السيميوطيقية:

     إن السيميوطيقا أو السيمولوجيا هي "العلم العام الذي يدرس كل أنساق العلامات (أو الرموز) التي بفضلها يتحقق التواصل بين الناس"(21). ومن المؤكد أن السيميوطيقا شهدت تطورات مهمة منذ جون لوك (J. Locke) وشارل سندرس بيرس (Ch.S. Peirce) وغيرهما... وهناك اتجاهات عدة في المجال السيميائي، أبرزها: الاتجاه البيرسي القائم على ثلاثية العلامة، واتجاه سوسير الذي تنبأ بميلاد علم جديد (السيميولوجيا) يدرس حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية(22)، والاتجاه الغريماصي.

     اعتنى مفتاح بإبراز تجليات الدينامية في كل مكونات النظرية السيميوطيقية ومفاهيمها (المقصدية- المربع السيميائي بمختلِف علاقاته- العوامل في تفاعلها). وقد استعان بهذه المفاهيم في مقاربة النص العربي.

     ب- النظرية الكارثية:

     يراد بالكارثة في الأصل اليوناني الانقلاب؛ أي الانتقال من حال إلى حال مغايرة(23). أما نظرية الكوارث (Théorie des catastrophes) التي قامت على أساس مناقشة استشكالات السيميائيات الغريماصية وخلفياتها، فهي نظرية هندسية موقعية، همُّها الأساس" البحث عن الاستقرار والتحول في آن واحد"(24).

     تسلك الاستراتيجية الكارثية في جانبها الإجرائي" تحديد الظاهرة بوصفها مورفولوجيا ذات انقطاعات كيفية"(25). وهنا يتضح تأثرها بصنيع بروب في "مورفولوجيته" وغريماص في "مربعه"، اللذَيْن اعتبرا الظاهرة مورفولوجيا (Morphologie) وحللاها إلى مجموعة أحداث متوالية دينامية. وعليه، فهي تعين على الفهم والنمذجة (Topologie). يقول المفكر اللبناني المعاصر سامي أدهم:" إن نظرية الكوارث هي منهج للبحث يسمح في كثير من الحالات بالفهم والنمذجة لمواقف هي في الحقيقة صعبة المنال، وفي منظومات لا نستطيع الحصول منها على وصف حقيقي لأنها معقدة جدا أو أنها تمتلك كثيرا من العناصر. وهذا ما يجعل نظرية الكوارث تعطي وسائل للعقلنة في مواقف هي على العموم معقدة جدا لا يمكن تحليلها بالطرق الاختزالية"(26)

     هناك عَلَمان بارزان يمثلان محطتين مهمتين في نظرية الكوارث. فأما الأول فهو روني طور(R. Thom) صاحب كتاب "الاستقرار البنيوي وقوانين الأشكال" الذي وضح فيه مشروعه والقوانين المحددة للشكل والبنية والدينامية، من مثل: اختزال المفاهيم اللسانية إلى مورفولوجيا - الشكل يحكم الموضوع-وسيلة الإدراك الرئيسة هي الحواس...إلخ. يقول أدهم عن كوارثية طوم:" الكاوس(27) يحتوي على الكوارث ويحتوي الفُرادات والتناتل والمعقد، وما نظرية الكوارث لطوم سوى منهج خاص لدراسة هذا الكاوس. كوارثية طوم هي بالحقيقة برنامج عمل ومشروع عقلاني، لكنه برنامج كيفي أي يخضع لمقولات الكيف وطوبولوجيته، ويتعامل مع تحولات شكل الظاهرة الكارثي... وهو يعطي نوعا من وصف محلي للمنظومة في فضاء له باراميترات للمراقبة. ويمكن تغيير هذه المراقبات بواسطة منظومة ما من القيم ووصف السطوح الخاصة المختارة في هذا الفضاء حيث تدور الكوارث(28)".

     وأما العلم الثاني، فهو جان بتيطو-كوكوردا (J.P. Cocorda) الذي عرض مشروعه في كتابه"les principes de la théorie des catastrophes" –قدم له طوم-. والواقع أن هذا الكتاب تفصيل وتوسيع للأفكار الواردة في كتاب طوم السالف ذكره، وأن صاحبه هو الذي عمق البحث في النظرية الكارثية وأعطى لمشرع طوم كل أبعاده الفلسفية والإبستمولوجية والنظرية والمنهاجية.

     يقول بتيطو في كتابه المذكور إن نظرية الكوارث "لغة صورية بمعنى جديد كل الجدة. إنها لغة، ولكنها ليست منطقية، وإنما هي هندسية طوبولوجية مبنية كلغة طبيعية". وقد تأثر الرجل-في مشروعه- بفلسفة ألبرت لوتمان (A. Lautman) الرياضياتية، وببعض المقولات الكانطية، والكانطية الجديدة، وبالفينومينولوجيا.

     وبصفة عامة، فالنظرية الكارثية مثالية جديدة من الناحية الإبستمولوجية، وتعتمد من الناحية الأداتية الرياضيات وخاصة الهندسة، وتتوخى من الناحية الغائية تحطيم الحدود بين العلوم الإنسانية والعلوم البحتة(29).

     لقد كان مفتاح حريصا- وهو يستعرض مقومات هذه النظرية وخلفياتها – على تجلية تمظهرات الدينامية فيها. حيث اعتبر أن " الأحداث (النفي الكيفي) والكوارث (النفي الحرماني) هي جوهر دينامية النص، فبها ينمو ويتناسل، وتتحقق الدينامية ضمن مسبقة الفضاء-الزمان، وتصاغ مفاهيمها من خلال هندسة الفضاء"(30).

     ج – نظرية الشكل الهندسي:

     وهي نظرية تركز على "الشكل الهندسي" (Geometrizer) باعتباره وسيلة لتوليد المفاهيم وتصنيفها وخلق النظريات. وصاحبها هو طوماس بالمر (T.T. Ballmer) الذي عرض نظريته في كتابه "Biological foundations of linguistic communication". وقد استفاد فيها من جهود الكارثيين (طوم خاصة)، والداروينية الجديدة القائمة على الطفرة (Mutation) والانتقاء (Sélection)، والرياضيات (الهندسة بخاصة).

     تتفق هذه النظرية مع النظرية الكارثية أداتيا وغائيا، في حين تختلفان في الجانب الإبستمولوجي. فإذا كانت النظرية الكارثية مثالية جديدة، فإن نظرية الشكل الهندسي تجريبية رياضياتية تتخذ الاستقراء أساسا وتعتمد الآلة وتتجه نحو العمل.

     تنبني نظرية الشكل الهندسي على عديد من القضايا والأمور، ولكن مفتاحا ركز خلال عرض هذه النظرية على ثلاث قضايا متشابكة، هي: العلاقة الحميمية بين البنية اللغوية والبنية الدماغية، والشكل الهندسي، والدينامية.

     د- نظرية الحرمان:

     الحرمان نقيض التمتيع. ويراد به "نفي شيء عن شيء، أو شيء أو عضو عن إنسان، أو إنسان عن إنسان، أو ميت عن حي، أو حي عن ميت...."(31)والنفي نوعان؛ نفي كيفي، ونفي حرماني/عدمي. وبين النفيين علاقة خصوص بعموم، إذ يقول مفتاح إن "النفي الحرماني أعم، وإن كل نفي حرماني نفي كيفي، على أنه لا عكس"(32).

     ويتعامل مفتاح مع" النفيية" (Négativité) –سواء أكانت سيميوطيقية أم كارثية أم كاوسية-على أساس أنها تسهم في انسجام النص واتساق عناصره، حيث يقول:" إنها النفيية، سواء أكانت كيفية أم حرمانية أم عدمية أم تضمنية، أو أكانت حادثة أم كارثة، أو أكانت تشعبا نموذجيا أوليا أم تشعبا ديناميا، ولكنه لا ينبغي أن يفهم من هذه النفيية عدم الارتباط بين أجزاء النص"(33).

     إن نظرية الحرمان (Théorie du frustation) - التي يعد جان ماري براديي (J.M. Pradier) واحدا من رجالها – تقوم على النفي بأنواعه، وتستعين بمفاهيم العلوم البحتة ومقوماتها في تحليل الخطاب، و"تدرس التفاعلات التي تحدث في بيولوجيا الإنسان، محاولة تطبيق هذا المفهوم في ميدان اللغة"(34).

     وقد ركز مفتاح خلال عرضه هذه النظرية على رصد مظاهر الدينامية والتفاعل فيها. وكان قد سبق له أن أكد أن النفي الكيفي والنفي الحرماني هما لباب دينامية النص وجوهرها(35).

     هـ- نظرية الذكاء الاصطناعي:

     الذكاء الاصطناعي هو مجموعة من المناهج والتجارب والخبرات المتحكمة في عقل الإنسان ونفسه. ويسعى هذا الذكاء إلى استعمال هذه التجارب في الآلة المفكرة الذكية التي أنتجها(36). ويختلف الذكاء الصنعي عن الذكاء الإنساني الطبيعي اختلافا جوهريا. ذلك بأن الذكاء الطبيعي يقتضي أنه لا وجود لنحو بدون معان، في حين يقوم الذكاء الاصطناعي على البرمجة والشكلنة الرياضية. ويقسم بعض العلماء الذكاء الاصطناعي إلى قوي وضعيف تبعا لعلاقة الإنسان بالآلة.

     وهناك نظرية قائمة موضوعها هذا النوع من الذكاء الذي أصبح يشكل " ثورة علمية تجريبية القصد منها اختراع أدوات رياضية ومنطقية وتكنولوجية تختزل الفكر إلى تحجيج، والتحجيج إلى تحسيب"(37).

     إن نظرية الذكاء الاصطناعي نظرية نسبية توليفية بالغت في المشابهة بين ذاكرتي الكائن الإنساني والحاسوب. وتقوم على الدينامية والتفاعل. وقد حاول مفتاح أن يجلي تمظهرات الدينامية في هذه النظرية العلمية الحداثية.

     لقد استمرت نظرية الذكاء الصنعي- بحكم طابعها التوليفي-نتائج عدة علوم ونظريات، واستغلت مناهجها ومفاهيمها بشكل واضح. (مثل: علم النفس المعرفي، والبيولوجيا، ونظرية اللسانيات التحسيبية، ونظرية البنيوية الدينامية).

     و- نظرية التواصل والعمل:

     ترتكز هذه النظرية –هي الأخرى – على الدينامية والتفاعل، بل إنها ذهبت بهذا الأخير إلى أبعد الحدود محاولة التقنين له. وتهتم أساسا بميداني نحو النص ونظرية الحوارية.

     ومن المسائل التي يثيرها أصحاب هذه النظرية طبيعة العلاقة بين نظرية النص ونظرية العمل. فيجيبون بأنها" علاقة اشتقاقية"؛ حيث إن العمل لا يفهم إلا بوصفه عنصرا ضمن عائلة أعمال، كما أن الجملة لا تفهم إلا بإدماجها في نظام جُمْلي.

     إن نظرية التواصل والعمل توليف بين نظريات معاصرة شتى، فهي" تنتقي من نظرية العمل التاريخية والاجتماعية، وهي تمتح من نظرية الأفعال الكلامية، ونظرية اللعب اللغوي وغيرهما"(38).

     يلمس المطلع على النظريات السابقة كلها أن الهاجس المشترك الذي يجمعها هو "قصد البرهنة على انسجام النص"(39)، والكشف عن ديناميته(40). كما أنها تلتقي عند ثوابت ثلاثة رئيسة، وهي: الإفادة من البيولوجيا ومفاهيمها ونظرياتها في معالجة الخطاب- استثمار علم الرياضيات (الهندسة خاصة) لتوليد المفاهيم وخلق النظريات – الارتكاز على النزعة التوليفية.

     هذه –إذاً- هي النظريات العلمية واللغوية التي شكلت مرجعية منهج محمد مفتاح في "دينامية النص". فمنها استجلب مفاهيمه الإجرائية، ومنها استقدم مناهجه القرائية التي وظفها في مقاربة نصوص شعرية ونثرية، قديمة وحديثة، دينية وغير دينية.

     ثالثا: الجهاز المفهومي والمصطلحي للمنهج في "دينامية النص":

     لاشك في أن المنهج - أي منهج - يقوم على مجموعة من المفاهيم والمصطلحات. وعليه، فلفهمه واستيعابه استيعابا جيدا لا مناص من الوقوف عند مصطلحاته – أولا - تحديدا وشرحا وفهماً. يقول الدكتور الشاهد البوشيخي في "دليل معهد الدراسات المصطلحية": "فللفهم السليم لابد من فهم المصطلح، وللتعليل السليم والاستنباط السليم لابد من فقه المصطلح، وللتقويم القويم والتركيب الصحيح لابد من ضبط المصطلح".

     اعتمد محمد مفتاح في كتابه –قيد القراءة –جملة من المفاهيم والاصطلاحات في دراسة النصوص المختارة للتحليل. وسنحاول في هذا المبحث الوقوف عند بعض المفاهيم المهمة في هذا الكتاب. ولتكن البداية بمفهوم " الدينامية" الذي يعد مفهوما محوريا في الكتاب المقروء:

     أ- الدينامية (la dynamique ):

     يقصد "بالدينامية" التحول والانتقال من حال إلى أخرى في خطية أو دورية أو انكسار. ويرتبط معناها أيضا بالانتشار والحرارة. فهي –إذاً- صيرورة وسيرورة.

     إن الدينامية أُسُّ الحياة، فبفضلها يتحقق التواصل والتفاعل بين الكائنات الحية على المستويين المادي والفكري.

     يشمل مفهوم "الدينامية" عند مفتاح مفاهيم أخرى ذات دلالات قريبة من دلالة الدينامية، مثل: النمو والحوار والحركة. يقول: "يرى المتصفح لهذا الكتاب أننا استعملنا مفاهيم مثل "النمو" و"الحوار" و"التناسل" و"الصراع" و"الحركة" و"السيرورة" و"الانسجام". وهذه المفاهيم ترجع كلها إلى مقولة جامعة هي " الدينامية"(41).

     استعار مفتاح مفهوم" الدينامية" من البيولوجيا التطورية بالدرجة الأولى، واستخدمه في معالجة النصوص. بل إنه جعل الغاية من تأليف كتابه –قيد القراءة- الكشف عن عنصري الانسجام والدينامية في النصوص المعالَجة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المفهوم حاضر في عدة علوم أخرى كالفيزياء والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا ونحوها، ولكن مفتاحا جاء به من البيولوجيا التي صارت الآن"مرجعا لكل العلوم الراهنة الطبيعية ولجميع الفلسفات الحديثة"(42).

     ب- الانسجام (la cohérence ).

     يرتبط الانسجام بالتشابه والنظام والتوازن والتكرار والتعالُق. وهو صفة لازمة للنص، بحيث لا يخلو نص- كيفما كان- من عنصر الانسجام. يقول مفتاح: "إن النص بمعناه الاصطلاحي يقتضي وجود انسجام بين أجزائه"(43). ويقول في موضع آخر: "كل نص منسجم مهما تراءت فوضويته وعبثيته وعدم التحام أجزائه"(44). ولا يقتصر تحقق الانسجام على مستوى دون آخر، بل إنه يظهر على صُعُد عدة. إذ "يتحقق على المستوى اللغوي والعاملي والزمني والهدفي"(45).

     لقد احتفلت الدراسات اللسانية الوضعية احتفالا كبيرا بانسجام النص، واقترحت بعض الآليات التي تعين القارئ على فهم الخطاب، وأهمها: التساؤل عمن فعل؟ وماذا فعل؟ وأين؟ ومتى؟ وكيف؟ ولماذا؟ - الارتباط المعجمي (التراكمي والتقابلي)- الارتباط التركيبي- نظرية الإطار- المدونات(Scripts )... إلخ. ولكن هذه الآليات قد لا تسعف الدارس في الربط بين معاني النصوص؛ الأمر الذي يستلزم الاجتهاد وإعمال آلية الاستنباط لملء فجوات النص، بالتقيد بضوابط تقنن عملية القراءة والتأويل، أهمها: مراعاة المجاورة الزمكانية.(46)

     لقد أومأنا في مكان سابق إلى أن البحث عن انسجام النص من الأمور التي شغلت مفتاحا في جميع تحليلات " دينامية النص". يقول الناقد: "ولكن هاجسين اثنين كانا - فيها يخيل إلينا - يشغلاننا في كل تحليل،هما: دينامية النص وانسجامه، سنعمقهما في دراسة(47) قادمة خاصة بالاستعارة"(48).

     ج- المقصدية (L'intentionnalité):

     "القصد" والقصدية" و"المقصد" و"المقصدية" ألفاظ متقاربة مبنى ومعنى. وهي تدل في أصل اللغة على الأَمّ والاتجاه وإتيان الشيء. جاء في اللسان:" القصد: الاعتماد والأم. قصده يقصده قصدا، وقصد له، وأقصدني إليه الأمر، وهو قصدك وقصدك؛ أي تجاهك....والقصد: إتيان الشيء. تقول: قصدته، وقصدت له، وقصدت إليه بمعنى... وقصدت قصده: نحوت نحوه"(49).

     يعرف مفتاح المقصدية قائلا:" نعني بها ما يمكن ويحكم من معتقدات ومقاصد وأهداف... فعل الكلام الصادر من متكلم إلى مخاطب في مقتضيات أحوال خاصة"(50). ويفسرها في موضع آخر من الكتاب بقوله:" أي ذات ← موضوع؛ بمعنى أن هناك توقا ونزوعا من الذات نحو الحصول على موضوع ذي قيمة، فهي –بهذا المفهوم- أساس كل عمل وفعل وتفاعل، وهي شرط ضروري لوجود أية عملية سيميوطيقية"(51)

     فالمقصدية -إذاً- تقبع وراء أي نص، وتحكم كل خطاب. لذا، "لم تخل كتابة (...) من الإشارة إلى القصد [والمقصد]، والقصدية والمقصدية، ومما يفيد هذا المعنى"(52). بل إن الباحثين مجمعون على أن الميزة الفارقة بين لغة الإنسان ولغة غيره هي " المقصدية".

     وترتبط المقصدية بمختلف أطراف العلاقة التواصلية. فعلاوة على كونها عنصرا أساسيا في توجيه المتكلم، فإنها تحكم أيضا تصرف المخاطَب/ المتلقي وكلامه. كما أنها لا تتحدد إلا بالسياق الاجتماعي والظروف المختلفة الحافة بها. لذا، فقد اعتبرها مفتاح – بما هي عنصر تداولي مهم - "طرفا لا يكتسب معناه إلا بمقابله وهو المجتمعية"(53).

     إن البحث في المقصدية ليس وليد اليوم، بل هو قديم. بحيث عالجها علماؤنا القدامى كالشيخ الرئيس ابن سينا وحازم القرطاجني، وتناولها غير العرب قديما. وقد كان للنقد الغربي الحديث اليد الطولى في تعميق البحث في المقصدية والاتجاه نحو تأسيس نظرية خاصة بها.

     د- المربع السيميائي (Le carré sémiotique)

     يعرف غريماص (A.J. Greimas) وكورتيس (J. Courtés) في معجمهما المشترك المعروف المربع السيميائي بأنه "التمثيل المرئي للمتفصل المنطقي لأي مقولة دلالية"(54).

     وهو يستعمل لتمثيل نسق العلاقات القائمة بين الوحدات الدلالية لتوليد الدلالات. وتتجلى هذه العلاقات في التضادية (التضاد وشبه التضاد)، والتناقض، والتضمن. وهذه العلاقات تحكمها قيم موقعية (Valeurs positionnelles) وتعارضات كيفية (تعتري التضادية) وحرمانية (تعتري التناقض).

     وعلاوة على كونه نموذجا منطقيا يوضح العلاقات بين الوحدات، فإن المربع السيميائي يعد "نموذجا تركيبيا يضبط تنظيم العمليات"(55). وتتمثل هذه العمليات بعمليتي النفي (تناسب علاقة التناقض) والانتقاء (تناسب علاقة التضمن).

     هـ- العوامل (Les actants):

     العوامل جمع عامل. ويراد به- في الاصطلاح النقدي السيميائي- كل قائم بالفعل أو خاضع له سواء أكان من الكائنات أم من الأشياء أم من المفاهيم، وسواء أكان فرديا أم ثنائيا أم جماعيا. ويعد العامل" نموذج وحدة تركيبية ذات طابع شكلي خالص سابقة على كل استثمار دلالي و/ أو أيديولوجي"(56).

     تتألف البنية العاملية (Structure actantielle) من ستة عناصر، هي: العامل المرسِل (Destinateur)، والعامل المرسَل إليه (Destinataire) والعامل الذات (Sujet)، والعامل الموضوع (Objet)، والعامل المساعد (Adjuvant)، والعامل المعاكس (Opposant). وتكشف هذه البنية – ككل - أن ثمة دينامية وتفاعلا داخل النص الذي تدرس فيه.

     ولا يخلو الخطاب - وأي خطاب - من العوامل. يقول مفتاح: "إن كل خطاب مهما كان جنسه تتحكم فيه بنية عاملية هي بمثابة مسرح تحرك، وتتحرك عليه، البنيات الأنثروبولوجية الإنسانية."(57)

     يكتسي العامل (l'actant) أهمية كبيرة في الوقت الحاضر. إذ غدا من أكثر المصطلحات دورانا في المشهد النقدي، وصار كثير الاستخدام في معالجة النصوص؛ وخاصة لدى محللي الخطاب السردي الذين استعاضوا عن مفهوم "الشخصية" (Personnage) التقليدي باستعمال مفهوم العامل لشموليته.

     و- المورفولوجيا (La morphologie):

     يحصر الأستاذ محمد سويرتي - في دراسته القيمة عن دينامية مفتاح – معاني المورفولوجيا في أربعة، هي:

     * المورفولوجيا بالمعنى الجيولوجي: ويقصد بها دراسة الأشكال الجيولوجية المختلفة لمنطقة مّا بغية تحديد عوامل تكونها ومراحل تطورها وما إلى ذلك.

     * المورفولوجيا بالمعنى البيولوجي: ويقصد به الدراسة المقارنة بين شكل الكائنات الحية والتماثلات الموجودة بينها وبين أعضائها.

     * المورفولوجيا بالمعنى اللساني. ويقصد بها الدراسة التي تنصرف إلى قضايا الصرف والتحويل والاشتقاق والنحت وكيفيات النطق السليم بالملفوظ أو الشكل الصحيح للنص. وتعرف هذه الدراسة "بالشكلية التكوينية" (Morphogenèse).

     * المورفولوجيا بالمعنى الشكلي: ويقصد بها دراسة الأشكال أو البنى(58). ويبدو أن مفتاحا قد تبنى هذا المعنى، واستثمره في بعض تحليلاته المبثوثة بين دفتي كتابه.

     تعد المورفولوجيا أو الخطاطة الركيزة الأساسية التي قامت عليها نظرية الكوارث. وهي ليست ستاتيكية، بل إنها "تتبدل وتتشكل تبعا لتبدل وتشكل البنية السطحية والبنية العميقة في كل نص أيا كانت مضامينه ومجالاته وأطره"(59)

     ز- الحوار (Le dialogue).

     "الحوارية" مفهوم جوهري في كتاب مفتاح الذي نحن بصدد قراءته. وهو نوعان: خارجي وداخلي.

     * الحوار الخارجي: ويعبر عنه بمصطلحات عدة (الاقتباس-السرقة الأدبية- التداخل النصي-النص الغائب...)، ولكن أظهرها وأشهرها مصطلح "التناصّ" (Intertextualité). وتعد جوليا كريستيفا (J. Kristeva) أبرز من نظّر له ودرسه بإفاضة.

     يقصد بالحوار الخارجي العلاقة القائمة بين نص مركزي ونصوص فرعية أخرى. وتتخذ مظهرين متقابلين؛ فهي إما علاقة تعضيدية (المحاكاة الجدية)، وإما علاقة تنافرية (المحاكاة الساخرة).

     ويشمل هذا الحوار جميع مستويات النص. بحيث لا يقتصر على مستوى المعجم فقط، بل يظهر –إلى جانب المعجم- على المستويات التركيبية والدلالية والتدَاولية.

     إن القارئ يجد في أحايين كثيرة صعوبات في استشفاف النصوص الخارجية في نص ما، وبخاصة إذا كان هذا النص محبوكا مصقولا نسجته يد حاذق بشكل تنتفي معه الفواصل بين النص ومصادره الخارجية. ولكن تلك النصوص-مهما اختفت وتوارت -، فإن القارئ المطلع يستطيع الإمساك بها وإرجاعها إلى مصادرها.

     * الحوار الداخلي: وهو " ما يتجلى في توالد النص وتناسله"(60). وقد اهتم به مفتاح بشكل يفوق اهتمامه بالنوع السابق، حيث يقول:" وأهم شيء بالنسبة إلي هو التناص الداخلي؛ كيف يتجادل النص، كيف ينمو، كيف يخصص بعضه بعضا"(61).

     ويتحقق الحوار الداخلي بمجموعة من الميكانيزمات، أهمها: الكلمة –المحور التي تمثل الأساس الذي ينبني عليه النص، والجملة- المنطلق التي تتوالد عنها عدة تراكمات وتداعيات، والكلمة –الرابط، والحوار المباشر وغير المباشر، والحوار الأفقي، والحوار العميق....

     ولكل من الحوارين متغيراته ومشتقاته، كما يمكنهما أن يتفرعا إلى ثابتين، هما: حوار التعضيد وحوار التنافر.

     ح- هذه بعض المفاهيم الرئيسة التي يقوم عليها منهج القراءة في كتاب مفتاح. على أنه ثمة مفاهيم أخراة كثيرة لا يتسع المقام هنا لذكرها والتعريف بها، وهي صالحة لأن تشكل موضوع دراسة مستقلة بذاتها. ومن هذه المفاهيم نذكر: التفاعل (l'interaction)، والتملك( l'acquisition)، والتشاكل (l'isotopie)، والتوليد/التحويل (Transformation)، والفضاء/الزمان... إلخ.

     رابعا: واقع المنهج في "دينامية النص": توصيف وتعليق.

     يتكون كتاب مفتاح من شقين كبيرين؛ أحدهما خاص بالتنظير، والآخر بالإنجاز / التحليل. وهذا ليس معناه أنهما منفصلان انفصالا تاما، بل يتداخلان ويتقاطعان في كثير من الأحيان. وإذا كنا قد أفردنا صفحات عديدة للحديث عما يتعلق بالنظريات والمفاهيم العلمية التي انبتت عليها تحليلات مفتاح، فإنه قد آن الأوان لدراسة هذه التحليلات/ التطبيقات وإبراز جانبها المنهاجي ومرجعياته.

     ولعله من نافلة القول –هنا- الوقوف طويلا عند مفهوم "المنهج" وتحديد ماهيته وعناصره ومرجعياته وأهميته وما إلى ذلك. ولكنه لا بأس من الإشارة بعجالة إلى بعض القضايا التي نراها مهمة في هذا المبحث المعقود أصلا للمنهج.

     يراد "بالمنهج" في الاصطلاح النقدي "الطريقة التي يسير عليها دارس ليصل إلى حقيقة في موضوع من موضوعات الأدب وقضاياه"(62). وبغير منهج قويم "لا يمكن أن يستقيم للبحث العلمي سير"(63). ولا جدال في أن كل منهج يرتكز على "مجموعة من الوسائل التقنية والأدوات الإجرائية، ومجموعة من القواعد التي يجب أن تراعى في النظر والدراسة والتحليل"(64).

     وليكون كشف الواقع المنهجي في كتاب مفتاح مطلبا يسيرا، فقد ارتأيت أن أقف عند كل فصل من فصول الكتاب الستة على حدة، محاولا إبراز كيفية توظيف المنهج فيه ومرجعياته العلمية والنظرية وجهازه المفاهيمي...

     أ-المنهج في الفصل الأول (نمو النص الشعري):

     انطلق الشعريوي محمد مفتاح بداءة من الإشارة إلى أنه "ليس هناك نظرية شاملة تصف كيفية اشتغال النص الشعري وتفسرها، وإنما هناك محاولات لبعض الشعريين والسيميائيين تلقي الضوء على بعض الجوانب دون أخرى"(65). ومن هذه الإيماءة نلمس اعتزام الرجل قراءة النص بمناظير عدة، لتكوين فكرة شمولية عنه، وتبيان تمظهرات النمو والحركة فيه. وتركيز الناقد على جانب الدينامية في معالجة النص الشعري مؤشر على إيمانه بأن "النص يدرك في صيرورته، وليس باعتباره وجودا ثابتا"(66).

     استعرض مفتاح في أول هذا الفصل كلاما نظريا عن العناصر اللازمة لمقاربة النص الشعري المختار للقراءة في هذا المجال. وتضم مبادئ كلية مجردة تحكم أي نص مهما كانت طبيعته، ومفاهيم نوعية تخص النص الشعري دون سواه.

     فأما المبادئ الكلية فتشمل عناصر فيزيولوجية ونفسية واجتماعية، حصرها مفتاح في المقصدية، والتفاعل، والتملك، والتوليد-التحويل، والفضاء-الزمان، والانسجام. وقد توقف الرجل عند كل عنصر على حدة تحديدا وتفسيرا ونقدا.

     وأما المفاهيم النوعية، فقد تناولها من خلال رصد التفاريق بين الخطاب العلمي - المتسم بخلو معجمه من الإيحاء، وبمنطقية تراكيبه وترابطاته، وبدقة دلالته وأحاديتها - وبين الخطاب الشعري الذي قسمه إلى راقٍ وعادي تبعا لكثرة خصائص الشعر أو قلتها فيه. فالشعر الراقي هو الذي تكثر فيه هذه الخصائص، ومميزاته أربعة، هي: أيقونية الصوت أو الحرف (الرمزية الصوتية والإيقاع)، وقصدية الكلمة (أي الارتباط الطبيعي بين الدال والمدلول)، وأيقون وحدة العالم (وركنه الأساس الاستعارة)، وأيقونية الفضاء التي يقصد بها استثمار فضاء صفحة ما ببياضها وسوادها (شكل الخط-طول البحر وقصره-التركيب وترتيب المقولات النحوية-طول المعطى أو قصره). وإذا تضاءلت هذه الأيقونات الأربع، نكون بإزاء شعر عادي.

     وحتى لا تبقى هذه المبادئ والمفاهيم مجرد حبر على ورق، فقد عمد مفتاح إلى اختبارها وتجريبها في تشريح قصيدة "القدس" لأحمد المعداوي (أو المجاطي). وقبل مباشرة عملية التشريح، أكد الناقد أن "الشعر المعاصر لا يقدم نفسه للمحلِّل على طبق من ذهب ليبتلعه بكل سهولة، وإنما عليه أن يتسلح بعتاد هجومي ودفاعي للاقتراب من مأدبته"(67).

     بدأ مفتاح محاولته التحليلية بدراسة عنوان القصيدة متوسلا بمفاهيم محلية سياقية، إذ سلك في ذلك مسلكين اثنين، أحدهما يتجه من القمة إلى القاعدة (القِمْعَدة)، والثاني من القاعدة إلى القمة (القاعمة). وبعد ذلك انتقل إلى المستوى الموضوعاتي، فدرس فيه معجم القصيدة باعتباره "مادة خاما لا يكتسب ماهيته إلا بالصورة التي يتشكل فيها، وتتحكم في تشكله إواليتان أساسيتان، هما: الترابط والتداعي الحر"(68). وقام بتصنيف هذا المعجم إلى محاور... وبعد الفراغ من المعجم، انتقل الناقد/ المحلل إلى مستوى آخر؛ هو مستوى رمزية الصوت، فعالج فيه ثلاث قضايا رئيسة، هي: الرمزية الصوتية، والإيقاع، والنبر والتبئير. ثم شرع في دراسة مستوى انسجام الوجود (مبحث الاستعارة) في القصيدة باتباع منهج الهجوم على النص من الجانب الضعيف إلى القوي، ومن البسيط إلى المركب، ومن الأوضح إلى الأقل وضوحا. وتطرق مفتاح في "مستوى التفاعل" إلى رصد علاقة القصيدة بإطارها الاجتماعي. في حين خص النقطة الموالية ببحث الانسجام في النص بوصفه مبدأ كليا يحضر في كل نص، ويتحقق هذا الانسجام بالروابط اللفظية (التنضيد) والروابط المعنوية (التنسيق) والتكرير والتدوير والحوار-بنوعيه- وغيرها. وعمد مفتاح في المستوى الأخير من التحليل إلى دراسة فضاء القصيدة وتأويله، سواء المكتوب/السواد أم الأبيض/ البياض.

     يلحظ القارئ أن مفتاحا قدم مقاربته التحليلية لنص المجاطي بعدة مناهج لا بمنهج مفرد. إذ استعمل بعض آليات ومفاهيم المنهج السيميائي ( المربع السيميائي مثلا)، والمنهج الأسلوبي (إحصاء تواتر بعض الأحرف في القصيدة)، واستراتيجية التلقي (جانب التفاعل في النص- استعمال اصطلاحات نقدية تندرج في صلب نظرية القراءة، من مثل: القارئ الحقيقي، والقارئ الضمني، والتوقع، والانتظار، والتفاعل، والمتلقي، والتأويل...). واستعان مفتاح في الفصل ذاته بنظرية الحوارية، والتداولية (المقصدية والتركيز على ضرورة تكييف الخطاب بحسب وضعيات المتلقين ومستوياتهم)، واللسانيات البنيوية (مستوى انسجام النص مثلا)، وببعض المفاهيم العلمية كالنمو والصراع ونحوهما.

     ب- المنهج في الفصل الثاني (الحوارية في النص الشعري):

     إذا كانت الحوارية قد شكلت جزئية صغيرة في تحليل مفتاح السابق، فإنها هنا موضوع فصل بأكمله، عقده الرجل لتتبع هذه الظاهرة اللسانية في الشعر العربي القديم. والحوارية –كما أسلفنا القيل- نوعان متلازمان، هما:

     * الحوار الخارجي: أي حوار النص مع نصوص أخرى سابقة أو معاصرة له لغاية ما. وهو عملية "ليست سهلة يسيرة لعديد الإنتاج، كما أنها ليست هينة لضابط آلياتها ومؤولها."(69)

     لقد عرض مفتاح في البداية أربعةً من المفاهيم والإواليات الإجرائية التي سينجز في ضوئها تحليله، وهي: المقصدية، والمماثلة والمشابهة، ونوع العلاقة بين النصوص المتحاورة، وتتخذ شكلين رئيسيين مختلفين. فهي إما علاقة تعضيدية تدعيمية، ومفاهيمها الفرعية هي: التبجيل والاحترام والوقار، وإما علاقة تنافرية صدامية، ومفاهيمها الفرعية – بالمقابل – هي: الاستهزاء والسخرية والدعابة. ويتجلى المفهوم الرابع في التركيب بين المفاهيم الثلاثة المذكورة قبل قليل.

     وانتقل مفتاح –كعادته- من المستوى النظري إلى المستوى التطبيقي الذي درس فيه النصين المتحاورين (نص أبي نواس، ونص ابن الخطيب) انطلاقا من الأدوات الإجرائية الأربع السالفة الذكر. وقبل أن يباشر تحليله، أثبت مسلَّمة مؤداها أن الحوار مع النص المركزي عملية تحويل يحكمها مبدأ المماثلة والمشابهة في الشكل والمضمون أو في أحدهما.

     ركز الباحث في عمله التطبيقي على ظاهرتين اثنتين. أولاهما "الإحالة"، وهي نوع من العلاقة الحوارية يتحقق عن طريق إحالة الشاعر إلى أمور خارج – نصية (قصة، حادثة، أعلام...). ولتحليلها، توسل مفتاح بالمفاهيم الآتية: المؤشر والتلميح والتلويح والوظيفة. وتتمثل ثاني الظاهرتين "بالتورية". والظاهرتان معا يحكمهما ميكانيزم واحد تقريبا.

      * الحوار الداخلي: ويتمظهر في ميكانيزمات توالد النص وتناسله ونموه داخليا. وبواسطته تظهر كل أبعاد النص الجمالية والذاتية والإقناعية ضمن شبكة علاقاتية. وقد بحثه مفتاح في قصيدة أخراة لابن الخطيب من خلال أربعة عناصر. أولها الكلمة – المحور التي قامت عليها القصيدة، وثانيها الجملة – المنطلق وما نجم عنها من ترابطات وتداعيات، وثالثها الحوار بنوعيه السطحي (المضمر والظاهر) والعميق، وارع العناصر يتجلى في انسجام النص الذي يحكم كل الأشكال الحوارية. يقول مفتاح: " على أن ضروب الحوار المشار إليها سواء كانت معجمية (علاقات خصوص بعموم وجزء بكل...) أم جملية (علاقة التضاد وشبه التضاد والتضمن في النفي والإثبات...) أم علاقة بين متحاورين، فإنها محكومة بشرط "أنطولوجي"؛ وهو انسجام النص." (70)

     من الواضح جدا أن الناقد اعتمد في هذا الفصل –بشكل كبير- على نظرية الحوارية. وهذا لم يمنعه من الاستعانة بمناهج أخرى كالسيميائيات (وخاصة نظرية العوامل الغريماصية). ويتضح هذا من قول مفتاح: "إن شكل النص القصصي اللاواقعي الذي نمارس عليه التحليل يفسح المجال واسعا لمناهجية كريماص."(71) ونجد تطبيق هذه النظرية بارزا في دراسته الحوار العميق في قصيدة ابن الخطيب الثانية. كما استفاد من نظرية العمل الباريتية والتداولية واللسانيات... ووظف بعض المفاهيم العلمية كالتشاكل الذي اقتبسه النقاد السيميائيون من مجال الفيزياء، وكالحوار والتناسل والانسجام المستوحاة من البيولوجيا... إلخ.

     جـ - المنهج في الفصل الثالث (تناسل الخطاب الشعري):

     يواصل مفتاح في هذا الفصل بحث الحوار في النص الشعري من خلال التعرض إلى قصيدة مغربية معاصرة درامية عنوانها" قصائد إلى ذاكرة من رماد "للمرحوم محمد الخمار الگنوني. وقد جعله – كما فعل سابقا- قسمين، هما:

     * الحوار الخارجي (التناص): ورصد فيه النصوص الخارجية (نص مركزي ونصوص فرعية) التي حاورتها قصيدة الگنوني، ووظفتها قصد تعضيد أطروحتها ومنحها امتدادا تاريخيا.

     * الحوار الداخلي: وتكلم فيه الباحث عن وسائل توالد القصيدة وتناسلها من خلال جملة من المفاهيم كالكلمة –المحور، والجملة- المنطلق، والكلمة – الرابط، والجملة – القنطرة، والجملة- الهدف، والحوار بشتى أشكاله... وتستهدف هذه المفاهيم كلها "البرهنة على دينامية النص."(72)

     وتحدث فيه أيضا عن مظاهر انسجام القصيدة المعنية (الروابط والترابط والتداعي والاستعارة...). وإذا كان الباحثون اعتادوا أن يتناولوا الاستعارة أفقيا، فإن مفتاحا حللها أفقيا وعموديا معا. وأوضح كذلك أن تناسل هذه القصيدة تم بكيفية دورية.

     لقد استفاد مفتاح في تحليل قصيدة الگنوني من السيميائيات، واللسانيات، ونظرية العمل التواصلي بعد أن كيفها وأدخل عليها بعض التحويرات. كما استعان ببعض مفاهيم العلوم كالتناسل.

     د - المنهج في الفصل الرابع (سيرورة النص الصوفي):

     كرس البحاثة المغربي محمد مفتاح هذا الفصل لقراءة الخطاب الصوفي بعد محاولاته الثلاث السابقة التي اهتمت بدراسة نصوص شعرية قديمة وحديثة. ولا بأس من أن نشير في هذا المقام إلى أن عناية مفتاح بالتصوف وأدبه تعود إلى وقت سابق (سنوات السبعين)؛ بحيث بدأ الرجل حياته العلمية محققا للتراث العربي (تحقيق ديوان لسان الدين ابن الخطيب في إطار رسالة جامعية لنيل د.د.ع عام 1972. وقد صدرت في سفرين عام 1989)، فدارسا للفكر الصوفي الإسلامي؛ إذ كان موضوع أطروحته لنيل الدكتوراه هو "التيار الصوفي والمجتمع في الغرب الإسلامي" (1981)، وقد صدر هذا العمل الأكاديمي عام 1997 تحت عنوان "الخطاب الصوفي: مقاربة توظيفية"، ويحسُن بنا أن نذكر هنا أن مفتاحا ركب في هذا الأطروحة مركب القراءة المتعددة (المنهج الخرائطي والتاريخي والبنيوي والأنثروبولوجي والظاهراتي...). وبعد هاتين المحطتين العلميتين تأتي المحطة الثالثة التي ما يزال مفتاح عاملا فيها، ويتعلق الأمر بقراءة النص الأدبي بالمناهج العلمية الحديثة والمعاصرة.  

     استهل مفتاح هذا الفصل بالحديث عن الكتابة الصوفية باعتبارها نوعا أدبيا يهدف إلى "تكوين إنسان كامل بطرق خاصة في سياق معين"،(73) وعن أركانها الأربعة (الغرض – المعجم التقني – كيفية استعمال هذا المعجم- المقصدية)، وأنواعها. وقد اقتصر ناقدنا على دراسة نوعين من الخطاب الصوفي، كالآتي:

     * كتب الطبقات الصوفية (أو كتب سِيَر الصالحين): وتمتاز – حسب مفتاح - بجملة من "القوانين المحتملة"، أظهرها: الاستشهاد بالشعر – سرد الأمثال والأخبار والحكايات – الاستدلال بالحديث – تنوع الاستدلال من مؤلف إلى آخر. ويعد تاريخ البطل وأفعاله/كراماته لباب هذه الكتب(74). ولما كانت كرامات الصوفية متعددة وموزعة بين الدنيا والآخرة، فقد ارتأى مفتاح أن يتحدث عن تلك المتعلقة بالحياة الدنيا فقط، فصنفها إلى ستة مواضيع كما يلي: الخوف (من الطبيعة أو من البشر) ومقاومته – التعصب (للبلد) – التعليمية - الاقتصادية والاجتماعية – التحكم في الكائنات (الحيوانات خاصة) – السفريات باعتبارها أحد أبرز أركان التصوف الشعبي. وبعد ذلك، انتقل الباحث إلى بحث الوسائل التي تتجسد بها هذه الموضوعات لغويا، حاصرا إياها في السند، والرؤية والرؤيا، وحالة عدم السواء.

     وحلل مفتاح في هذا الصدد بعض الخوارق والعجائب والحكايات المقبوسة من تشوق ابن الزيات على ضوء المنهاج السيميائي ومفاهيمه الرئيسة كما يصرح بذلك الناقد نفسه (75) (المربع السيميائي – العوامل الستة – التحولات- البرنامج السردي).

     * الشعر التعليمي الصوفي: وحاول مفتاح في هذا المقام استثمار السيميائيات في دراسة إحدى قصائد الشعر الصوفي ذات المنحى التعليمي؛ ويتعلق الأمر برائية طويلة للشريسي. وقد استهل المحلل تحليله بتفكيك المنظومة إلى وحداتها الرئيسة، ثم حاول إبراز الوسائل التي سلكها الشاعر لتبليغ مقصديته إلى المتلقي وإقناعه بما يريد قوله له، وتوقف عند دراسة مواضع التناص والأشكال البلاغية ونحوها في القصيدة نفسها.

     وعلاوة على السيميائيات، اعتمد مفتاح في مقاربة هذه الرائية على مسلمات مناهج ثلاثة، وهي: المنهج الإحصائي الذي أعانه على تبيين فقر الجانب الوظيفي لدى الشريسي، ونظرية التداولية، ونظرية المقال في صيغتها الأولى عند إميل بنفنست (E. Benvenist). وبالإضافة إلى ما سبق، نستطيع أن نلمس استفادة مفتاح من نظريات أخرى كالكارثية والتلقي، ومن مفاهيم علمية كثيرة كالسيرورة والتحول المنحدرين من البيولوجيا.

     هـ - المنهج في الفصل الخامس (الصراع في النص القصصي):

     بعد دراسة الخطاب الشعري والخطاب الصوفي، عمد مفتاح إلى تحليل الخطاب القصصي ممثَّلا في نص أحمد بوزفور "الغابر الظاهر" (1985) الذي اعتبره الناقد – من حيث التجنيس- نصا تخريفيا (من الخرافة) أسطوريا. ويسير تحليل مفتاح هذا في اتجاهين: أفقي وعمودي.

     * أفقية النص: وتناول فيها الباحث جملة مسائل؛ بدءا بالإشكال التجنيسي، مرورا بالحوار الخارجي، وانتهاء بالحوار الداخلي الذي ينبني على ما تراكم لدى القاص من معارف.

     وقف الناقد في الحوار الداخلي عند نمطين من العمليات الحوارية؛ أولهما "عملية التحويل والتمطيط" التي تتحقق بوسائل كالكلمة –المحور، والجملة- المنطلق، والترابط، والتداعي، والتكرار وغيرها. وثاني النمطين "عملية التحويل والتكثيف" التي تتحقق بالحذف الإيجاز ونحوهما. وهما معا يسهمان في ضمان انسجام النص وديناميته.

     لقد حلل مفتاح نص بوزفور القصصي على ضوء مفاهيم عدة، ولاسيما التداعي –مفهوم مستوحى من علم النفس التربوي- والترابط – مفهوم لسانياتي-. وأرى أن بين المفهومين علاقة تضمنية، حيث يقول: " وقد يصح القول: إن كل ترابط تداعٍ، وليس كل تداع ترابطا".(76) ويسير المفهومان في وجهتين متكاملتين: التراكم والتقابل الذي يشكل لب الفكر الأسطوري.

     * عمودية النص: دأب كثير من محللي السرديات على تناول عنصرين رئيسين: المحور الأفقي والمحور العمودي، وجعلوا العمودي نوعين: عاملي ودلالي. ولكن البحاثة مفتاح أضاف إلى النوعين نوعا ثالثا؛ وهو التداولي. ومن هنا، عالج نص بوزفور انطلاقا من ثلاثة مكونات؛ أولها تركيبي عميق يعين على تبيان الآليات والمقولات التي تحكم نمو النص وديناميته (العوامل مثلا)، وثانيها دلالي عميق يسعف على رصد البنيات الرئيسة في النص (القرابة – الدين – الاقتصاد)، وثالثها تداولي يكشف عن البنيات الاجتماعية الموازية لبنيات التخريف.

     وظف مفتاح في هذا الفصل سيميائيات غريماص، ولكن ليس بشكل حرفي سلبي، وإنما أدخل عليها بعض التعديلات لتساير أحدث الاجتهادات في ميداني تحليل الخطاب والأساطير.(77) واستفاد كذلك من كتابات بروب وليفي شتراوس وآخرين، واعتمد جملة من المفاهيم الإجرائية في التحليل كالانسجام والاتساق والحوارية والمقصدية والسياقية والصراع وغيرها.

     علاوة على احتفاله بالبنية الداخلية للنص، اعتنى مفتاح بإبراز الشروط والظروف الاجتماعية والسياقية المحيطة بالنص. ومن هنا، دعا إلى الثورة على البنيوية التي تركز على داخل النص ولا شيء غيره، وتبني بنيوية متفتحة تأخذ في الاعتبار البنيتين الداخلية والخارجية للنص. وهذا ما فعله مفتاح في هذا الفصل. يقول: "لا مناص لباحث في مثل تلك النصوص أن يبرز المقولات التالية: الحياة–الممات؛ الطبيعي-الثقافي؛ الديني-الإنساني؛ الكسمولوجي-الاجتماعي... بل لا مفر من أن يبين "الحد المركب"، ولكن الوقوف عند هذا القدر سيجعل كل تحليل متأخر تحصيل حاصل. وعليه، فإن وسيلة الخروج من هذا الدور هي الثورة على البنيوية المحافظة لصالح بنيوية متفتحة تعير الاهتمام إلى مقاصد المؤلف وهيئة المخاطب ومقتضيات الأحوال. وهذا ما فعلناه وإن لم يكن إلا خطاطة".(78)

     و- المنهج في الفصل السادس (الانسجام في النص القرآني)

     لقد تعمد مفتاح أن يعقد فصلا للخطاب الديني بعدما أفرد فصولا خمسة للخطاب "الدنيوي"، وذلك للتدليل على أن نظريته صالحة لأن تطبق على جميع النصوص؛ بما في ذلك النص القرآني. وقد ركز الباحث في هذا الفصل الختامي على إحدى القضايا الشائكة في مجال علوم القرآن؛ ويتعلق الأمر "بناسخ القرآن ومنسوخه"، وحاول دراستها ومناقشتها بنظريته النصية التي كرس مشروعه النقدي كله لتثبيتها وتبيين نجاعتها وفعاليتها في تحليل الخطاب الأدبي كيفما كان. والواقع أن مثل هذا الأمر صعب وشاق، ولا يخلو من مصاعب ومخاطر. وقد لَحِنَ مفتاح إلى صعوبة اختبار تلك النظرية في تحليل الخطاب القرآني، لذا، فقد اعتبر محاولته التحليلية هذه "ضربا من المغامرة الفكرية المحفوفة بكثير من المخاطر".(79)

     استهل مفتاح هذا الفصل بالحديث عن مسألة النسخ القرآني واستعراض آراء العلماء فيها... ولا غرابة في هذا، خصوصا إذا علمنا أن الرجل حامل لكتاب الله، متشبع بالثقافة العربية الأصيلة، متضلع من علوم القرآن والفقه وأصوله... وبعد ذلك، صرح بمنهجه في مناقشة هذه المسألة/ الإشكالية؛ حيث ذكر أنه "لا يريد أن يتقمص دور الداعية، ولا وظيفة الواعظ. وإنما سينظر إلى المشكل في موضوعية مسترشدا بما تراكم له من خبرات في ميدان "تحليل الخطاب"".(80) وقد توصل مفتاح – على هدي تلك الخبرات- إلى نتيجة مفادها عدم وجود النسخ الإبطالي في القرآن الكريم.

     وبعد هذا، عرض الباحث المبادئ التي سينطلق منها في تحليله للنص القرآني، حاصرا إياها في اثنين. أولهما اعتبار آراء السلف الصالح (خصوصا من صاحب منهم الرسول r ومن قارب عهدُه عهدَه) في قضية الناسخ والمنسوخ في القرآن، وغضُّ الطرف عن الآراء الأصولية المتأخرة التي هي نتاج للصراع الفكري بين مفكري الإسلام ومفكري الأمم الأخرى (اليهود خاصة). وثاني المبدأين هو استثمار المناهج اللسانية والسيميائية والتداولية... والملاحظ أن هذه المبادئ ترجع إلى رافدين رئيسين، هما: الثقافة العربية الإسلامية الأصلية، ونتائج الدراسات الحديثة.

     ولإخراج هذه المبادئ من حيز النظر إلى مضمار التطبيق، ومن الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، لا مناص من اعتماد بعض المفاهيم الإجرائية، وهي: المقصدية، والمماثلة والمشابهة، ونوع العلاقة. بحيث يعين المفهوم الأول على التعرف إلى ما يقبع وراء الخطاب من معتقدات ومقاصد، ويساعد المفهوم الثاني على تبيُّن عناصر المماثلة بين الخطاب القرآني ومحتويات الديانات والأعراف والعادات السابقة والمجايلة له، ويرصد المفهوم الإجرائي الأخير علاقة الخطاب القرآني بغيره. وتنقسم هذه العلاقة إلى خارجية (التعضيد/ شرع من قبلنا – الرفع / ما خالف شرعنا)، وداخلية (التناقض – التضاد – شبه التضاد- الاقتضاء).

     وفي أواخر هذا الفصل المتميز استعرض مفتاح النتائج النظرية والمنهاجية والعملية. وناقش بعض المبادئ الأصولية على ضوء نظريته في التحليل (مبدأ التدرج في التشريع – مبدأ تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه). وحلل بعض الآي القرآنية (آيات الصيام) بناء على المفاهيم الآتية: المماثلة والمشابهة، ودعاوى النسخ، ورفضها، وانسجام النص القرآني.

     لقد اجتهد مفتاح في تبيان انسجام الخطاب القرآني على جميع المستويات (ممثَّلا في الآي المشار إليها آنفا) والبرهنة عليه انطلاقا من نظريته في قراءة النص، واسترشادا بالمفاهيم الإجرائية الآتية: الكلمة – المحور، والثابت البنيوي، والجملة المكثفة، والجملة – الهدف.

     يتضح من عمل مفتاح في هذا الفصل مدى استثماره بعض المناهج والنظريات الحديثة (كاللسانيات والسيميائيات والتداولية وتحليل الخطاب) في قراءة النص القرآني المقدس. وذلك رغبة منه في التدليل على صلاحية نظريته في مقاربة النص بصرف النظر عن طبيعته والزمن الذي ينتمي إليه.

     تلكم –إذاً- نظرة سريعة إلى واقع المنهج في محاولات مفتاح التحليلية الواردة في فصول الكتاب الستة. ومن البيِّن جدا أن هذا المحاولات قد استعانت بالنظريات والمناهج المعاصرة، واستخدمت مفاهيمها وأدواتها الإجرائية في مقاربة خطابات عربية مختلفة. ولا يعني هذا أن هذه المحاولات استقدمت مناهج الآخرين وطبقتها حرفيا في دراسة نصوص عربية ذات خصوصيات، بل إن مفتاحا تعامل معها بوعي وتبصر واضحين.

     وهناك أمر مهم ينبغي لنا أن نشير إليه في هذا الصدد، ويتعلق بالجانب الهَدَفي لهذه المحاولات / التطبيقات، وهو أن مقاربات مفتاح التي مست نصوصا متعددة ومتنوعة كانت تسعى كلها إلى إبراز شيئين رئيسين فيها، وهما: الدينامية والانسجام. وهذا ما أكده مفتاح حين قال: "ولكن هاجسين اثنين كانا – فيما يخيل إلينا – يشغلاننا في كل تحليل، هما: دينامية النص وانسجامه."(81)

     لقد عنَّت لنا – ونحن نتصفح المنهج في كتاب مفتاح – ثلاث ملاحظات منهاجية بارزة، يمكن أن نبلورها في ثلاثة محاور صغيرة كالآتي:

     -1- مفتاح وهاجس التركيب المنهجي:

     يلمس كل من قرأ كتاب "دينامية النص" أن صاحبه اعتمد في تحليلاته النقدية منهجا مركبا يقوم على تكامل مجموعة من المناهج. إذ استعمل الرجل إلى جانب المنهج السيميائي- وهو المنهاج البارز في الكتاب –نظريات ومناهج أخرى كالمنهج الأسلوبي واللسانيات والتداولية والحوارية وجمالية التلقي... إلخ. لأن مفتاحا كان يرمي إلى تقديم قراءة شمولية دقيقة للنصوص التي يعالجها. ولا سبيل إلى تحقيق هذا المرمى إلا بالقراءة المتعددة أو المركبة التي توفق بين جملة من المناهج والنظريات والمفاهيم لمقاربة النص من جميع جوانبه.

     إن ظاهرة التركيب بين المناهج ليست وليدة اليوم، وإنما تعود إلى وقت سابق في تاريخ الشعرية العربية الحديثة. فقد سبق للمرحوم سيد قطب أن تحدث عن هذه الظاهرة، ودعا إلى اعتمادها في معالجة النصوص. وقد سماها باسم "المنهج المتكامل". وتكمن أهمية هذا المنهج النقدية- حسب قطب- في كونه "يتناول العمل الأدبي من جميع زواياه، ويتناول صاحبه كذلك، بجانب تناوله للبيئة والتاريخ. كما أنه لا يغفل القيم الفنية الخالصة، ولا يغرقها في غمار البحوث التاريخية أو الدراسات النفسية. ثم إنه يجعلنا نعيش في جو الأدب الخاص دون أن ننسى مع هذا أنه أحد مظاهر النشاط النفسي، وأحد مظاهر المجتمع التاريخية إلى حد كبير أو صغير"(82). وإلى جانب قطب، دعا دارسون محدثون ومعاصرون آخرون إلى التركيب بين المناهج لاستخراج مزيج منهجي موحد قادر على الإحاطة بالنص من كافة مستوياته، وعمدوا إلى ممارسة هذه الطريقة القرائية في مدارسة النصوص. ومن هؤلاء الدارسين الجادين نذكر الدكتور محمد مفتاح، والدكتور عبد الملك مرتاض الذي تحضر هذه الظاهرة في أبحاثه وكتاباته بشكل لافت للانتباه؛ بحيث درس في كتابه "النص الأدبي: من أين ؟ وإلى أين؟" (1983) نصا نثريا لأبي حيان التوحيدي (ق 4 هـ) عن طريق الجمع والتركيب بين المنهج البنيوي والأسلوبي، وجمع بين السيميائيات والتفكيكية في عدة دراسات، مثل: "ألف ليلة وليلة" (1989)، و"أ- ي" (1992)، "وتحليل الخطاب السردي" (1995)... ومما قاله مرتاض في هذا الاتجاه: " إن التعددية المنهجية أصبحت تشيع الآن في بعض المدارس التقدية الغربية، ونرى أن لا حرج في النهوض بتجارب جديدة تمضي في هذا السبيل بعد التخَمة التي مني بها النقد من جراء ابتلاعه المذهب تلو المذهب، خصوصا في هذا القرن."(83) ومارس هذه التعددية أيضا الناقد السعودي عبد الله الغذامي الذي جمع في دراسته "تشريح النص" بين البنيوية والسيميائيات والأسلوبية والتفكيكية. واعتمد نهج القراءة المتعددة كذلك الناقد المغربي أحمد اليبوري في دراسته التي خصصها لمقاربة نصوص روائية مغربية، وعنوانها "دينامية النص الروائي" (1993)؛ إذ يقول في مقدمتها: "ولا يخفى أن هذا العمل استفاد من السيمائية والسيمائية الدينامية، والسوسيو نقد والتحليل النصي في إطار لا شعور النص، ومن نظرية التلقي، وغيرها من المناهج التي تسعى إلى تأسيس مقاربة ملائمة للنصوص الأدبية عامة، والروائية بصفة خاصة، وذلك ما يعني تحليلها وفق قواعد ومفاهيم إجرائية في إطار التكامل المعرفي"(84)... إن هؤلاء النقاد – وغيرهم ممن ينتصرون للتركيب المنهجي- يرون أن ركوب المنهج التكاملي المؤسس على قاعدة التوفيق بين مناهج عدة عمل مفيد جدا، لأنه يتيح معالجة النص من شتى زواياه، والنظر إليه من جميع الجهات، وتحقيق نتائج علمية دقيقة وشاملة. ومقابل هؤلاء، نلفي فريقا آخر من الدارسين يرفض محاولات التركيب بين المناهج على أساس أنها علامة على القصور والعجز عن التزام ضوابط منهج بعينه، وأنها تؤدي إلى التلفيقية والانتقائية.

     إن التركيب المنهجي يطغى على مشروع مفتاح النقدي، ويطبع ممارساته التحليلية كلها. فقد سلك الرجل سبيل القراءة المتعددة أو الموفقة في محاولته النقدية الأولى، حيث قال في مقدمتها: "وقد اخترت قصيدة أبي البقاء الرندي "النونية" لتحقيق نياتي ولتطبيق عناصر "نظرية" نحتتها مما ورد عند بعض النقاد العرب القدامى من مبادئ. ومما انتهت إليه الدراسات الشعرية- السيميائية الآن. فالمحاولة – إذن- تدخل ضمن القراءة المتعددة"(85). واتبع هذا النمط من القراءة نفسه في دراسته الثانية "تحليل الخطاب الشعري" التي حلل فيها رائية لابن عبدون من خلال التوفيق بين السيمائيات والتداولية والشعرية (Poétique)، واتبعه كذلك في دراسته الثالثة التي هي موضع دراستنا هذه. واعتمد مفتاح منهج التركيب في كتابه "المفاهيم معالم"، بحيث يقول في موضع منه: "سيتخذ هذا المخطط معالمه الرئيسية من السيميائيات والدليلية، وتدقيقاته من علم النفس المعرفي ومن نظرية العماء"(86). ونجد هنا المنهج حاضرا في دراسات مفتاح الأخرى، وبدرجات متفاوتة... ومن هنا، يمكننا القول – وبدون تردد- إن التركيب المنهجي هاجس يطبع جميع حلقات المشروع النقدي لمفتاح.

     ولمزيد من التدليل على هذه الفكرة، نعود – مرة أخرى- إلى كتاب "دينامية النص" الذي توسل بمجموعة من النظريات والمناهج المعاصرة. إذ نجده قد وظف- بشكل واعٍ – النظرية السيميوطيقية ومفاهيمها الرئيسة (المربع السيميائي والعوامل) لرصد العلاقات بين الوحدات الدلالية، وكشف جو التفاعل في النصوص المدروسة. كما استعان ببعض ميكانيزمات الأسلوبية (الإحصاء خاصة)، واللسانيات (دراسة الانسجام والعلاقات الداخلية...)، والتداولية (الإلحاح على ضرورة تكييف الخطاب بحسب وضعيات المتلقين، ودراسة المقصدية...). ونجد لنظرية التلقي حضورا واضحا في هذه الدراسة. ومما يدل على ذلك قول مفتاح: "إشكالية الآخر احتلت مكانا بارزا في تحليلاتنا مهما كانت درجة تلك المكانة"(87)، وقوله كذلك: "ليس هناك نص بدون رسالة موجهة إلى متلق حقيقي أو مفترض، تحتوي على معلومات متراكمة تيسر فهمها وتأويلها "(88)... ويدل على ذلك أيضا اهتمام الباحث بالمتلقي/ القارئ، حيث يقول في أحد المواضع: "نفترض أن كل خطاب جاد يهدف إلى عملية ربح المتلقي وكسبه إلى جانبه. والربح – هنا- كيفي وليس كميا." (89) ومن المؤشرات على ذلك أيضا استعمال الناقد لعدد من المفاهيم المنتمية إلى نظرية التلقي كالقارئ والتفاعل والتوقع ونحوها... ولا شك في أن احتفال مفتاح بالمتلقي مرده إلى إيمانه بأهميته وضرورته بالنسبة إلى أي نظرية نصية جادة. يقول ولفغانغ إيرز (W. Iser): "إنه من البديهي أن أي نظرية تهتم بالنصوص الأدبية لا يمكنها أن تتقدم إلى الأمام بدون إدخال القارئ الذي بدا الآن وقد ترقى إلى مستوى الإطار المرجعي الجديد كلما وقعت إمكانية النص السيميائية والتداولية تحت الفحص الدقيق." (90)

     إن التركيب المنهجي (أو القراءة المتعددة / التوفيقية) أمر في غاية الصعوبة، ولا يتأتى إلا لحذاق الناقدين وروادهم. وقد اعترف مفتاح في أولى محاولاته النقدية بأن "القراءة المتعددة محفوفة بالمخاطر والمزالق، إذ تتطلب من منجزها المشاركة في كثير من العلوم".(91) فهذه المشاركة / الثقافة الموسوعية مطلب مهم يجب أن يتوافر فيمن يُقْدم على معالجة نص بالمنهج التكاملي. وفي هذا السياق ذاته، تقول الدكتورة جميلة حيدة إن "القراءة التوفيقية تتطلب ثقافة واسعة ومعرفة كبيرة بالخلفيات النظرية والفلسفية للمفاهيم والتصورات المختلفة. وهذه المعرفة واستيعابها بشكل جيد يمكن الباحث من الجمع بين عناصرها وأجزائها القابلة للتوافق والتعايش والتكامل. فعملية التركيب تتم بعد دراسة معمقة وبعد تمحيص وغربلة. وهذا ليس في متناول جميع الباحثين " (92)

     إن التركيب الذي نتحدث عنه في هذا المجال غيرُ التلفيق. ذلك بأن الأول ينبني على "توحد ابستمولوجي" على حد تعبير محمد مفتاح.(93) وبأسلوب آخر، فالتركيب نتاج الجمع بين منهجين أو أكثر على نحو متجانس ومتماسك تنتفي معه خصوصيات كل منهج في بوثقة منهج بديل هو – في العمق- محصلة تمازج مجموعة من المناهج. في حين أن الثاني / التلفيق هو مزيج من المناهج والمفاهيم، ولكن غير خاضع لتصور مبدئي. لذا، فهو مرفوض من حيث المبدأ والغايةُ.

     -2- مفتاح والاستيحاء من العلوم:

     لقد أصبح نقاد الأدب في هذا الزمن – الذي صارت فيه الحدود شبه ملغاة بين الحقول المعرفية – يجنحون أكثر فأكثر نحو الانفتاح على العلوم البحتة والإفادة مما جدّ في سُوحِها من نظريات ومناهج ومفاهيم لاستكناه خصوصيات النصوص الأدبية وحل مستغْلَقاتها.

     وقد أشرنا سابقاً إلى استفادة بعض الدارسين من مفاهيم البيولوجيا التطورية والفيزيولوجيا وعلم التشريح في معالجة نصوص إبداعية ونقدية شتى.

     ولعل البيولوجيا أكثر العلوم تأثيرا في النقد والأدب بعامة. إذ نجد عددا مهما من الأدباء يحللون النصوص باستثمار مناهج البيولوجيا ونظرياتها ومفاهيمها الإجرائية. ولا جدال في أن النقد الغربي كان سباقا إلى ذلك، وأن نقدنا العربي الحديث مدين له في هذا الأمر.

     ولعل من أبرز النقاد العرب المعاصرين الذين ساروا في اتجاه تلقيح النقد الأدبي بالمناهج العلمية الحداثية ناقدنا مفتاحا الذي ابتنى مشروعه النقدي كله على أساس الاستعانة بالعلوم ومناهجها ومفاهيمها، وخاصة "البيولوجيا". إذ يرى مفتاح أنه لا يمكن استكناه النص واستغواره إلا باستخدام مفاهيم البيولوجيا، حيث يقول: "نصل إلى كنه النصوص متى اكتشفنا الميكانيزمات التي يبحث فيها علم البيولوجيا المعاصرة وخاصة المتعلقة بالدراسة الدماغية." (94)

     لقد وظف مفتاح في "دينامية النص" نظريات البيولوجيا التطورية ومفاهيمها بشكل واضح. وهناك مؤشرات عدة تؤيد هذا الكلام؛ أولها عنوان الكتاب الذي يحيل على مفهوم مركزي في البيولوجيا (الدينامية)، وثانيها تصدير مفتاح مدخل كتابه بإثبات عبارة لجان بياجيه (J. Piaget)؛ نصها "البيولوجيا هي مفتاح البنيوية"، وثالثها إشارات مفتاح المتكررة إلى هذا العلم واستعماله الواضح لمفاهيمه ونظرياته في تحليل الخطاب.

     نجد في كتاب مفتاح مفاهيم بيولوجية كثيرة، أبرزها "الدينامية" التي تعد مقولة جامعة لعديد من المفاهيم البيولوجية الفرعية كالنمو والحوار والصراع والحركة والتناسل والسيرورة والانسجام... وقد استقدم الناقد هذه المفاهيم إلى حقل الدراسة الأدبية واستخدمها في قراءة النصوص وحل شفراتها. وعلاوة على هذه المفاهيم، استعان الرجل بمفاهيم أخرى فيزيائية (كالتشاكُل) ومعلوماتية (كالذاكرة) ورياضياتية (كالشكل الهندسي)... ولكن الغلبة كانت – دائما- لمفاهيم البيولوجيا التطورية.

     واستوحى مفتاح من العلوم كذلك نظرياتها ومناهجها لمقاربة نصوص أدبية مختلفة، ولتأكيد أهمية تطعيم النقد الأدبي بمعطيات العلوم المعاصرة ومفاهيمها ومناهجها.

     وما قلناه سابقا لا يعني – بالضرورة- أن صلة الشعرية / النقد الأدبي بالعلم وليدة اليوم، بل هي عريقة. فقد استعانت الشعرية القديمة بالعلوم؛ مثلما فعل أرسطو الذي اعتمد النموذج البيولوجي لوصف الأجناس الأدبية، ومثلما فعل عبد القاهر الجُرْجاني في فترة من فترات تاريخ النقد العربي، وآخرون غيرهما.

     -3- جدلية التنظير والممارسة في نقد مفتاح:

     إن الجمع بين التنظير والتطبيق سمة تطبع دراسات مفتاح النقدية. إذ يلمس الدارس حضور هذه السمة منذ الدراسة النقدية الأولى لمفتاح التي جاءت في قسمين اثنين؛ قسمٍ أول نظري عرض لبعض المعطيات المتعلقة بأبي البقاء الرندي ونونيته الشهيرة، واستعرض بعض المعايير والمفاهيم اللازمة لقراءة القصيدة المذكورة. وقسمٍ ثانٍ ذي صبغة إجرائية/ تطبيقية عالج نونية الرندي على ضوء المفاهيم السابقة. وفي دراسة مفتاح الثانية التي خصها ببحث استراتيجية التناص، نجد الرجل يزاوج بين التنظير (عرض مجموعة من التيارات والنظريات...) والتحليل (دراسة قصيدة لابن عبدون وتحليلها مع التركيز على ما يرتبط بجانب التناص فيها). ويمكن للقارئ أن يقف على مثل هذا الصنيع في سائر دراسات مفتاح الأخرى.

     لقد جمع مفتاح في "دينامية النص" بين جانبي التنظير والإنجاز بشكل واضح. وأول مؤشر صُراح على هذا العنوان الفرعي للكتاب. ولا يجب أن يتبادر إلى أذهاننا أن مفتاحا قد أفرد لكل منهما حيزا خاصا في دراسته، بل يتداخلان ويتقاطعان على نحو جيد ومفيد. إذ لم يقف الجانب الأول عند حدود مدخل الكتاب، بل امتد ليشمل جميع فصوله، وبدرجات متفاوتة في حين برز الجانب الثاني في فصول الكتاب دون مدخله. وعليه، فإن التنظير شمل الدراسة كلها من ألفها إلى يائها.

     إن فصول "دينامية النص " الستة معقودة – أصلا- لمعالجة بعض النصوص، ولكن مفتاحا كان يقحم عليها التنظيرات لأهميتها وضرورتها معا. بل إن هذه التنظيرات تطغى أحيانا على التطبيق، كما في الفصل الرابع. وفي أغلب الفصول، كان التحليل يشغل حيزا مهما؛ كما في الفصل الثالث الذي عقده لبحث الحوارية في الخطاب الشعري. فبعد أن تكلم مفتاح عن شيء من الحوارية في الفصل الأول، وبعد أن أفرد الفصل الثاني للحوارية، رأى الناقد أن إعادة الكلام – نظريا- حول هذه الحوارية في الفصل الثالث لا طائل من ورائه؛ لذا ركز على التحليل. وفي هذا الصدد، يقول مفتاح: " ومن ثم فإن عملي سيتجه إلى التحليل أكثر مما سيعتني بالتنظير" (95)

     ولا شك في أن بين التنظير والتطبيق تكاملا وتساندا وتضايفا. إذ لا يمكن قيام ممارسة علمية بدون نظرية مسبقة، كما لا يمكن الحديث عن النظرية بمعزل عن الإنجاز الذي يشكل الإطار المرجعي لها. إذاً، فكلا الجانبين ضروري ومهم في النقد. ومن المؤكد أن مفتاحا كان واعيا بالعلاقة الجدلية بينهما؛ لذا، حرص على تجسيدها – عمليا- في تحليلاته.

     هذه – إذاً- هي الملاحظات الرئيسة التي بدت لنا ونحن نتصفح فصول كتاب مفتاح وكيفية توظيفه المنهج فيها. وهي ملاحظات تشكل علامات بارزة في مشروعه النقدي المتميز الذي يرمي من خلال حلقاته ودراساته إلى صياغة نظرية لقراءة النص بغض النظر عن الجنس والزمن الذي ينتمي إليه... ويقودنا هذا الأمر إلى التساؤل عن مدى قدرة شخص بعينه –كمفتاح- على صياغة نظرية في مشهدنا الثقافي الآني !!

 
 

خاتمة:

     في ختام هذا البحث، نقول إن الخطاب النقدي المغربي المعاصر مرن ومنفتح على ما جد من مفاهيم ومناهج علمية في العالم. وقد بدأ هذا الانفتاح باستقدام تلك المفاهيم والمناهج إلى حقلنا النقدي، ثم محاولة استثمارها في معالجة نصوص عربية ذات خصوصيات معينة. ولا يكاد يختلف اثنان في أن مفتاحا واحد من رموز الحركة النقدية العربية عامة، والمغربية خاصة. فهو صاحب مشروع نقدي طموح جاد يتغيى صياغة نظرية في ميدان قراءة النص وفتح مستغلقاته. ومن الأكيد أن هذا المشروع قد فتح عدة آفاق بحثية، لعل أهمها "قدرة الخطاب العربي على استيعاب مختلف النظريات والمناهج والمفاهيم. ثم قابليته للإفصاح عن نفسه أكثر كلما دخلنا إليه بأدوات علمية جديدة وتصور نظري أوسع..." (96) ويعد كتاب "دينامية النص" معلمة متميزة وطفرة نوعية في مشروع مفتاح النقدي، وذلك من حيث مرجعيته الفلسفية والعلمية وأدواته الإجرائية الموظفة... وبما أن " النص تكامل ثقافي مكثف بشحنات متنوعة بتنوع القراءات، " (97) فإن مقاربات مفتاح للنصوص ما هي إلا محاولات لفهمها وفك شفراتها... ثم إن قراءتنا – نحن- لهذه الدراسة القيمة مجرد قراءة من قراءات كثيرة ممكنة لها، خاصة وأن هذه الدراسة غنية بمعلوماتها، متفردة في منهاجها... وفي الأخير، نؤكد أن الإفادة الحقة من هذه الدراسة لن تتأتى للقارئ إلا إذا رجع إليها، وقرأها بتأنٍّ وتبصّرٍ.

الهوامش

 * - باحث ف䃢 الأدب المغاربي الحديث والمعاصر (جامعة محمد الأول – وجدة – المغرب)

(1) - صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر، افريقيا الشرق (الدار البيضاء)، ط 2002، ص:139.

(2)- V. Propp: Morphologie du conte, collection "Poétique", Seuil, Paris, 1970.

(3) -N. Cormeau: Physiologie du roman, Paris, Ed. 1966.

(4) -N. Frye: Anatomie de la critique, Traduit de l'Anglais par Guy Durand, éd Gallimard, Paris, 1969

(5) - د. محمد مفتاح: (التحليل السيميائي: أبعاده وأدواته)، حوار أجراه معه الأساتذة عبد الرحمن طنكول ومحمد العمري وحميد لحميداني، مجلة "دراسات سيميائية أدبية لسانية"، فاس، ع1، خريف 1987، ص:25.

(6) - د. محمد مفتاح: مجهول البيان، دار توبقال للنشر (البيضاء)، ط 1 (1990)، ص:10.

(7) - هذه الدراسات هي: في سيمياء الشعر القديم (1982)- تحليل الخطاب الشعري(1985) - دينامية النص (1987) - مجهول البيان (1990)- التلقي والتأويل (1994)- التشابه والاختلاف (1996)- المفاهيم معالم (1999)- النص: من القراءة إلى التنظير (2000)- مشكاة المفاهيم (2000)- الشعر وتناغم الكون(2002).

(8) - أحمد حافظ: (محمد مفتاح: المشروع والنسقية)، مجلة "آفاق"، اتحاد كتاب المغرب، ع 2، 1998، ص50.

(9) - نقلا عن مقال (ثمة آخرون في المغرب غير "الجابري" !!) لخالد بن صالح السيف، المجلة العربية، ع 311، س27، مارس 2003، ص59.

(10) - بشير القمري: قراءة محمد مفتاح، الآداب، بيروت، ع 3/4، 1998، ص106.

(11) - محمد العمري: حوار الموضوع والمنهج في أعمال محمد مفتاح، علامات في النقد، ع 28، مج 7، يونيو 1998، ص: 364.

(12) – د. محمد مفتاح: دينامية النص (تنظير وإنجاز )، المركز الثقافي العربي (بيروت)، ط 1(1987)، ص: 45.

(13) - محمد سويرتي: شعرية ما بعد حداثية، مطبعة الأمنية(الرباط)، ط 1(1999)، ص:225.

(14) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص:5.

(15) - نفسه، ص:31.

(16) - نفسه، ص35.

(17) - نفسه.

(18) - نفسه، ص:37.

(19) - نفسه، ص:6.

(20) -محمد الدغمومي: نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصر، من منشورات كلية الآداب بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة(البيضاء)، ط1(1999)، ص:83.

(21) -Georges Mounin: Introduction à la sémiologie, éd de Minuit, Paris, 1970, P:11.

(22) -Ferdinand De Saussure: Cours de linguistique générale, éd Payot, Paris, 1972, P:33.

(23) - محمد سويرتي: شعرية ما بعد حداثية، ص:48.

(24) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص14.

(25) - نفسه، ص:13.

(26) – د. سامي أدهم: (ما بعد الفلسفة: الكاوس، التشطي، والشيطان الأعظم)، دار كتابات (بيروت)، ط1(1996)، ص31.

(27) -"الكاوُس" هو الترجمة الحرفية للمصطلح الأجنبي (Chaos) [سامي أدهم]. ويترجم آخرون هذا المصطلح بـ"العماء" [محمد مفتاح وسعيد علوش وآخرون]. وهناك نظرية ما بعد حداثية أرسى أسسها مندلبروت (B. Mandelbrot) وطورها گليك (J. Gleick) في العلوم البحتة، تسمى" نظرية العماء" (Théorie du Chaos). وقد طبق ناقدنا مفتاح هذه النظرية بعمق في كتابه "المفاهيم معالم". وتعنى هذه النظرية بالفوضى والتغير والانقطاع والتطور والدينامية، وغايتها" فهم السلوك الكوني للتعقيد والصدفة" ودراسته باستعمال مناهج العلوم المعاصرة.

(28) - سامي آدهم: ما بعد الفلسفة...، ص:31.

(29) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص:19.

(30) - نفسه، ص: 14.

(31) -محمد سويرتي: شعرية ما بعد حداثية، ص:68.

(32) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص:10.

(33) - نفسه، ص: 41.

(34) - محمد مفتاح: التحليل السيميائي...، ص:15.

(35) – محمد مفتاح: دينامية النص، ص:14.

(36) – محمد سويرتي: شعرية ما بعد حداثية، ص72.

(37) – نفسه، ص 80.

(38) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص:30.

(39) - نفسه، ص:29.

(40) - نفسه، ص:31.

(41) - نفسه، ص:7.

(42) - محمد سويرتي: شعرية ما بعد حداثية، ص ص138-139.

(43) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص:162.

(44) - نفسه، ص:44.

(45) - نفسه، ص:31.

(46) - نفسه، ص:53.

(47) - هذه الدراسة هي " مجهول البيان" (1990).

(48) - نفسه، ص:48.

(49) - ابن منظور: لسان العرب، دار المعارف، د.ت، مادة (قصد)، 5/3642.

(50) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص:193.

(51) - نفسه، ص ص:8+9.

(52) - نفسه، ص:38.

(53) - محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري، المركز الثقافي العربي(البيضاء)، ط 1 (1985)، ص166.

(54) - A.J. Greimas et J. Courtés: Sémiotique, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Ed Hachette, Paris, 1979, P: 29.

(55) - رشيد بن مالك: قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص، دار الحكمة (الجزائر)، ط1 (2000)، ص:26.

(56) - نفسه، ص:15.

(57) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص:169.

(58) -V. Propp: Morphologie du conte, P.6

(59) -محمد سويرتي: شعرية ما بعد حداثية، ص:168.

(60) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص:103.

(61) -محمد مفتاح: التحليل السيميائي...، ص:23.

(62) - علي جواد الطاهر: منهج البحث الأدبي، مكتبة النهضة (بغداد)، ط 2 (1972)، ص 24.

(63) - د. الشاهد البوشيخي: مصطلحات النقد العربي لدى الشعراء الجاهليين والإسلاميين (قضايا ونماذج)، دار القلم، ط 1 (1993)، ص 22.

(64) - د.أحمد الطريسي أعراب: التصور المنهجي والقواعد، مجلة "الموقف"، ع 1، مارس 1987، ص 57.

(65) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص 50.

(66) - روبرت س. هولاب: نظرية التلقي ( مقدمة نظرية)، تر: خالد التوزاني والجلالي الكدية، من منشورات مجلة "علامات" المغربية، مطبعة المتقي برينتر (المحمدية)، ط 1 (1999)، ص 135.

(67) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص 59.

(68) – نفسه، ص 61.

(69) - نفسه، ص: 102.

(70) - نفسه، ص: 99.

(71) - نفسه، ص: 98.

(72) - نفسه، ص، 106 (الهامش رقم 7)

(73) - نفسه، ص: 129. وانظر أيضا مقال "الكتابة الصوفية: ماهيتها ومقاصدها" لمفتاح، مجلة كلية الآداب بالرباط، ع 2، 1977، ص 7.

(74) - نفسه، ص: 136.

(75) - نفسه، ص: 147.

(76) - نفسه، ص: 162.

(77) - نفسه، ص: 183.

(78) - نفسه، ص: 184.

(79) - نفسه، ص: 189.

(80) - نفسه، ص: 191.

(81) - نفسه، ص: 48

(82) - سيد قطب: (النقد الأدبي: أصوله ومناهجه )، دار الشروق (القاهرة)، ط 5 (1983)، ص: 228، بتصرف.

(83) - د. عبد الملك مرتاض: تحليل الخطاب السردي، ديوان المطبوعات الجامعية (الجزائر)، ط1 (1995)، ص6

(84) - أحمد اليبوري: دينامية النص الروائي، من منشورات اتحاد كتاب المغرب، ط 1 (1993)، ص: 6.

(85) - محمد مفتاح: (في سيمياء الشعر القديم: دراسة نظرية وتطبيقية)، دار الثقافة (البيضاء)، ط 1 (1982)، ص: 5.

(86)- محمد مفتاح: (المفاهيم معالم: نحو تأويل واقعي)، المركز الثقافي العربي (البيضاء)، ط1 (1999)، ص: 141.

(87) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص: 47.

(88) - نفسه، ص: 52.

(89) - نفسه، ص: 51

(90) - ولفغانغ إيزر: (فعل القراءة: نظرية جمالية التجاوب (في الأدب) )، تر: حميد لحميداني والجلالي الكدية، من منشورات مكتبة المناهل (فاس)، ط 1 (1995)، ص 29.

(91) - محمد مفتاح: في سيمياء الشعر القديم، ص 5.

(92) - دة. جميلة حيدة: النقد الأدبي المعاصر حول الشعر بالمغرب (1960-1990م)، رسالة جامعية لنيل د.د مرقونة مسجلة بخزانة كلية الآداب (وجدة) تحت رقم 118، ص: 321.

(93) - محمد مفتاح: التحليل السيميائي...، ص: 15.

(94) - نفسه.

(95) - محمد مفتاح: دينامية النص، ص: 103

(96) - أحمد بوحسن: المشروع النقدي لمحمد مفتاح، مجلة "فكر ونقد"، ع 20، س 2، يونيو 1999، ص 131.

(97) - ذ. لبوخ بوجملين: النص بين المفهوم والقراءة، مجلة "الأثر"، جامعة ورقلة (الجزائر)، ع 1، 2002، ص: 229.

مكتبة البحث

أولا: الكتب

أ - بالعربية: (+المترجَمة)

    1. أحمد اليبوري: دينامية النص الروائي، من منشورات اتحاد كتاب المغرب، ط 1 (1993).

    2. ابن منظور (ت 711هـ ): لسان العرب، دار المعارف، د.ت، الجزء الخامس.

    3. جميلة حيدة: النقد الأدبي المعاصر حول الشعر بالمغرب (1960-1990م )، أطروحة جامعية لنيل د.د مرقونة مسجلة بخزانة كلية الآداب (جامعة محمد الأول – وجدة ) تحت رقم 118. (نوقشت بتاريخ 14/1/2002 – إشراف: د. عبد الرحمن بوعلي)

    4. ولفغانغ إيزر: فعل القراءة: نظرية جمالية التجاوب (في الأدب)، تر: حميد لحميداني والجلالي الكدية، من منشورات مكتبة المناهل (فاس)، ط 1 (1995).

    5. محمد الدغمومي: نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصر، من منشورات كلية الآداب بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة (البيضاء)، ط1 (1999).

    6. محمد مفتاح: دينامية النص (تنظير وإنجاز)، المركز الثقافي العربي (بيروت)، ط 1 (1987).

    7.  " " : مجهول البيان، دار توبقال للنشر (البيضاء)، ط 1 (1990)

    8.  " " : المفاهيم معالم: نحو تأويل واقعي، المركز الثقافي العربي (البيضاء)، ط1 (1999)

    9.  " " : تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)، المركز الثقافي العربي، ط 1 (1985)

    10.  " " : في سيمياء الشعر القديم: دراسة نظرية وتطبيقية، دار الثقافة (البيضاء)، ط 1 (1982)

    11. محمد سويرتي: شعرية ما بعد حداثية، مطبعة الأمنية (الرباط)، ط1 (1999)

    12. سامي أدهم: (ما بعد الفلسفة: الكاوس، التشظي، الشيطان الأعظم)، دار كتابات (بيروت)، ط1 (1996)

    13. سيد قطب: النقد الأدبي: أصوله ومناهجه، دار الشروق (القاهرة)، ط 5 (1983)

    14. عبد الملك مرتاض: تحليل الخطاب السردي، ديوان المطبوعات الجامعية (الجزائر)، ط 1 (1995)

    15. علي جواد الطاهر: منهج البحث الأدبي، مكتبة النهضة (بغداد)، ط 2 (1972).

    16. صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر، افريقيا الشرق (البيضاء)، ط 1 (2002).

    17. روبرت س. هولاب: نظرية التلقي (مقدمة نظرية)، تر: خالد التوزاني والجلالي الكدية، من منشورات مجلة "علامات" المغربية، مطبعة المتقي برينتر (المحمدية)، ط 1 (1999).

    18. رشيد بن مالك: قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص، دار الحكمة (الجزائر)، ط 1 (2000)

19 – الشاهد البوشيخي: مصطلحات النقد العربي لدى الشعراء الجاهليين والإسلاميين (قضايا ونماذج)، دار القلم، ط1 (1993).

ب – بالفرنسية:

  1. A.J. Greimas et J. Courtés: Sémiotique, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Ed. Hachette, Paris, 1979.

  2. F. De Saussure: Cours de linguistique générale, éd Payot, Paris, 1972.

  3. G. Mounin: Introduction à la sémiologie, éd de Minuit, Paris, 1970.

  4. N. Cormeau: Physiologie du roman, Paris, 1966.

  5. N. Frye: Anatomie de la critique, Traduit de l’Anglais par GUY Durand, Ed Gallimard, Paris, 1969.

  6. V. Propp: Morphologie du conte, Collection « Poétique », Seuil, Paris, 1970.

ثانيا: المجلات

  1. الآداب، بيروت، ع 3/4، 1998

  2. آفاق، مجلة اتحاد كتاب المغرب، ع 2، 1998

  3. الأثر: مجلة جامعة ورقلة، الجزائر، ع 1، 2002

  4. دراسات سيميائية أدبية لسانية، فاس، ع 1، خريف 1987

  5. المجلة العربية، ع 311، س 27، مارس ‏2003‏‏.

  6. الموقف، ع1، مارس 1987.

  7. علامات في النقد، ع 28، مج 7، يونيو 1998

  8. فكر ونقد، ع 20، س 2، يونيو 1999.

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا