ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

رواية" زفاف الجنازة " لحميد خيدوس بين الرومانسية

والقالب الكلاسيكي

د. جميل حمداوي - المغرب

 

تعرف الرواية المغربية في المنطقة الشرقية عدة اتجاهات فنية  وأنواع أدبية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى ثراء هذه الرواية وتنوعها وتباين اتجاهاتها والعشق الكبير الصادر من قبل أصحابها للكتابة الروائية والسرد القصصي والحكائي.

ومن هذه الاتجاهات الروائية نذكر الرواية الواقعية ( "الرقص على الماء" لحسين الطاهري،و" مدارج الهبوط " لجلول قاسمي...)، والرواية البيكارسكية ( "الخبز الحافي" و"الشطار" لمحمد شكري )، والرواية الأوطوبيوغرافية ( "حفريات في الذاكرة" لمحمد عابد الجابري)، والرواية العمالية (" يوم الاقتراع" لمحمد بنعلي، و " سيرة للعته والجنون" لجلول قاسمي)،والرواية الفانطاستيكية ( "الجرذان" ليحيى بزغود)، والرواية الأسطورية (" طوق السراب" ليحيى بزغود) ، والرواية السياسية ( "البرزخ" و"الطائر في العنق" و" رائحة الزمن الميت" لعمر والقاضي)، والرواية الشاعرية (" سوانح الصمت والسراب" لجلول قاسمي)، والرواية النسائية ( "أغنية لذاكرة متعبة" لحليمة الإسماعيلي) ،والرواية المناقبية ( "جنوب الروح" لمحمد الأشعري)، والرواية السينمائية (" صراع القبائل" لعبد الله عاصم) ، والرواية الرومانسية ( "جمال ملكة المتوسط" لمصطفى الحسني، و" زفاف الجنازة" لحميد خيدوس).

وسنقارب في هذه الدراسة رواية" زفاف الجنازة" لحميد خيدوس باعتبارها رواية رومانسية تتخذ قالبا كلاسيكيا لتبيان مقوماتها الدلالية والفنية والمناصية.

1- المستوى المناصي:

تعد رواية " زفاق الجنازة" الرواية الأولى لحميد خيدوس، وقد صدرت عن مؤسسة النخلة للكتاب سنة 2003م في واحد وثمانين صفحة من الحجم المتوسط . وتوحي اللوحة الخارجية ذات الأيقون التشكيلي بالموت والحزن الجنائزي؛ لأنها تعكس صورة امرأة لابسة فستان عرسها وهي تتأمل شمسا تحوّل نورها المشع إلى سواد قاتم. ويتسم العنوان الخارجي كذلك بطابع المفارقة الناجمة عن شاعرية اللغة ومجازية التعبير والتركيب الاستعاري والجمع بين مكونين متضادين وهما: الزفاف الدال على الحياة والخصوبة والانتشاء، والجنازة التي تؤشر على الموت والنهاية المحتومة.

أما المؤلف حميد خيدوس فهو كاتب روائي من مدينة العيون في المنطقة الشرقية من المغرب الأقصى.

وعلى الرغم من كون حميد خيدوس تاجرا حرا ، فإنه مغرم بالكتابة وعشق السرد والاطلاع على الرواية العربية الكلاسيكية بالخصوص، ويظهر ذلك جليا في روايته" زفاف الجنازة" التي تأثر فيها عن وعي أو غير وعي بروايات مصطفى لطفي المنفلوطي وروايات جبران خليل جبران وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وعبد الحليم عبد الله ورائعة محمد حسين هيكل " زينب". و بالتالي، يشكل الكاتب مع مصطفى الحسني من مدينة الناظور الاتجاه الروائي الرومانسي في المنطقة الشرقية من المغرب، و هما يمثلان بالضبط النمط المثالي من هذا الاتجاه العاطفي الوجداني.

2- المستوى الدلالــي:

يرصد الكاتب في هذه الرواية الرومانسية مجموعة من التجارب الغرامية التي عاشها سعيد مع مجموعة من المراهقات اللواتي أعجبن بوسامته ورجولته لتنتهي هذه التجارب العاطفية بالنكسات الوجدانية والنكبات الذاتية ليلقى سعيد مصيره الجنائزي بعد أن ماتت عشيقته سارة وفاء لعشيقها المحبوب.

وتذكرنا حبكة هذه الرواية بقصة روميو وجولييت وقصص الشعراء العذريين في تراثنا الشعري العربي القديم كقصة جميل وبثينة وقيس وليلى وقيس ولبنى وكثير عزة .... ففي هذه القصص يموت العشاق إما انتحارا وإما جنونا وإما عشقا وولهانا. ومن ثم، تنسج هذه القصص الغرامية المثالية المرجعية التناصية للرواية والمعرفة الخلفية للروائي حميد خيدوس.

وقد يستهجن بعض القراء هذه القصص الرومانسية الخيالية البعيدة عن الواقع، ويعتبرها مضيعة للوقت ومسكنا مخدرا للأعصاب المتشنجة بسبب رداءة الواقع ومأساويته، وقد يعتبر الآخرون موضوعها بسيطا ومتجاوزا ومستهلكا أكل عليه الدهر وشرب، كما يصرح الآخرون بأن الواقعية أفضل مسلك لمعالجة قضايا الإنسان وحل مشاكله التي تكاثرت في زمننا هذا.

وعلى الرغم من هذه الآراء التي قد تكون صائبة فإني أرى بعد فظاعة هذا الواقع وانحطاط الإنسان واغترابه وتحوله إلى أرقام وأشياء أننا في حاجة ماسة إلى الرومانسية وتهذيب العواطف والسمو بالحب والرفع من الإنسان بعد أن تهاوى إلى الحضيض وأصبح كائنا ممتسخا، وتحول الحب إلى شبقية جنسية وغواية إيروسية وفتنة شيطانية، فضاع الحب وضاعت الأنثى وضاعت- بالتالي- الحياة الحقيقية، وانتصرت بذلك الماديات على المثل العليا. فما أحوجنا إلى زمن العذريين والحب المثالي الأفلاطوني والعاطفة الأخلاقية المشوبة بالصدق والوفاء والإخلاص.

ونعود إلى الرواية لنثبت بأن كاتبها يستهل نصه الأدبي الخيالي بقصة رومانسية بين مراهقين في المرحلة الإعدادية تجمعهما الدراسة والمراجعة وتبادل الكتب، وسرعان ما ستصبح هذه العلاقة الوجدانية حميمية بين سعيد وحنان، وستتطور إلى حب مثالي يشوبه الوجد والعشق النبيل واللوعة الصادقة التي تنبض بالإحساس الرائع والشهد الجميل. وتنم هذه التجربة العاطفية عن صدق ووفاء وإخلاص حيث ينفطر فيها الحب براءة وشهدا وطفولة. بيد أن حنان سرعان ما سترحل بعيدا عن سعيد وستتركه يصارع قدره ومصيره.

وقد عرف سعيد إبان هذه التجربة المثالية حلاوة الحب ووجده المثمر وألمه المعسول، وانساق وراء الأحلام الوردية والرسائل العاطفية التي أغرقته في عالم من التيه والتأملات. وكم ستكون صدمته شديدة بعد وفاة أبيه! إذ سيرغمه الوضع المزري للتخلي عن الدراسة وتحمل مسؤولية الأسرة. لذلك ضحى بمستقبله من أجل أن يستكمل أخوه إبراهيم دراساته الجامعية، فنزل إلى عالم التجارة ليحل محل أبيه في الدكان بعيدا عن أجواء العلم والدراسة.

وبعد تجربته الرومانسية المتقدة بالعواطف البريئة مع حنان، سينتقل سعيد إلى تجربة أخرى مع زهراء التي قدمت مع أفراد أسرتها إلى المدينة التي يسكنها سعيد ، وكانت تقطن بجوار منزله وفي نفس الحي الذي يؤويه ويؤويها. وسيشتد حبهما في يوم ممطر عاصف، وستبدأ التجربة الغرامية في دكان سعيد بالقبل الحارة والاشتهاء الجنسي، وستنمو هذه العلاقة وتكبر مع استسلام زهراء لعواطفها وغرائزها الشبقية. ولكن هذه العلاقة سرعان ما تنتهي عندما يقدم خطيب غريب ليشارك سعيد في حبه ويخطف منه خليلته التي يكن لها الحب الكثير. وبعد كل صدمة يعجز سعيد عن التجلد والصبر فيلتجئ إلى المجون وارتشاف كؤوس الخمر وعبها بطريقة جنونية قصد النسيان، وهذا ينم عن الاستهتار والضياع والعبث والاغتراب واللامبالاة والتفريط في رأسمال تجارته؛ مما جعل أمه تنبهه إلى خطورة الوضع وتنقذه في كل لحظة وجدته ينساق فيها إلى الهاوية.

ولكن أهم تجربة غرامية سيعيشها سعيد هي التي كانت مع حبيبته سارة التي بدأت تواجهه بلغة الصد وخطاب الهجر و أسلوب الممناعة لتنتهي بالحب والوصال والاستعداد للزواج الأكيد . إلا أن هناك من سيعكر صفو سعادتهما ويحول هذه العلاقة الإنسانية الرائعة إلى جحيم وموت. وكان ذلك عندما أقبل شاب غني يسكن المدينة ليخطف سارة من سعيد ويقضي على حياتهما الوردية وحبهما الجميل. فتنصاع الأسرة بكل رضى وطواعية أمام واقع الأمر فتقبل بهذا الشاب زوجا لسارة دون أن تعود إلى البنت لاستشارتها في هذا الزواج بسبب غطرسة الأب وضعف الأم واستسلامها لجبروت زوجها القاسي. فأرغمت سارة على الزواج على الرغم من امتناعها وثورتها على الوضع ورفضها لمآلها التعيس.

وفي الأخير، استسلمت سارة للأمر المفروض عليها، بينما سعيد في ناحية أخرى يتعذب ألما وقرحة ولوعة ، خاصة بعد سماعه خبر الزواج ولم يجد من مؤنس سوى الخمر لينسى فيه همومه وعذابه الداخلي. بيد أن هذا الزواج سيعقبه وفاة سارة وسيتحول الزفاف إلى جنازة تعيسة ومأساة فادحة. وبعد ذلك سيتوجه سعيد إلى قبرها لمناجاتها وهو ثمل في هذيانه وهلوسته يتآكل ذاتيا ويذوب وجدانيا إلى أن سقط صريعا ميتا على قبرها. وبهذه النهاية التراجيدية تغلق الرواية ستارها الرومانسي الأحمر والتي تذكرنا بصفاء الحب ونبله وقداسته في قصص العصور الوسطى وحب النبلاء والعذرين.

3- المستوى الفــني:

يبدو أن حبكة الرواية بسيطة المعالجة وسطحية التمطيط تحتاج إلى تحليل واستقراء ورصد للجوانب النفسية وتأزيم للأحداث وتشويق للقارئ وذلك بمزج ما هو رومانسي بما هو واقعي. ويلاحظ كذلك أن الرواية في حاجة إلى تفصيل للأحداث وتشكيل للألواح الحكائية و التنسيق بين الفصول السردية وتعقيد للبرنامج السردي الذي يتحكم في توليد البنية العميقة وتمظهراتها السطحية. كما أن قالب الرواية كلاسيكي يذكرنا بالروايات التقليدية ذات البنية السردية المعروفة. ونستشف من خلال قراءتنا لهذا النص الممتع أن الرواية ذات نهاية تراجيدية كنهاية معظم القصص العاطفية الرومانسية المشهورة. وهذا يدل على مدى اطلاع الكاتب على الرواية الرومانسية الغربية والعربية على حد سواء.

وأطالب عزيزي حميد خيدوس بأن يقرأ بعض الروايات الرومانسية الرصينة التي تمتاز بالعمق والتحليل النفسي والاجتماعي كرواية "مدام بوفاري" لفلوبير و"آنا كرنينا " لتولوستوي ورواية " زينب" لحسين هيكل و" رد قلبي" ليوسف السباعي، و" رواية" لقيطة" لعبد الحليم عبد الله، ورواية "الفضيلة" لمصطفى لطفي المنفلوطي....

وتتسم الشخصيات المحورية بأنها شخصيات رومانسية تتقد بالعاطفة ولوعة الحب وتستسلم للهذيان وهلوسات الأحلام الشعورية واللاشعورية وتجنح في سماء الخيال والتأمل العاطفي. كما أن هذه الشخصيات ليست شخصيات نامية ومعقدة بدرجة كبيرة ، وذلك لخلو الرواية من التحليل العميق والاستقراء الحكائي النافذ في التأثير على المتلقي وجذبه نفسيا وذهنيا.

ويتحول الدكان في الرواية إلى قطب فضائي يمارس فيه الحب المثالي والشبقي، كما تحبك فيه العلاقات الغرامية، ويصبح فيه سعيد فارس الأحلام والفتى الدونجواني المدلل المعشوق من قبل المراهقات المغرمات. ويشبه سعيد هنا الشاعر العربي الأموي المشهور بالغزل الإباحي ألا وهو عمر بن أبي ربيعة الذي تعشقه النساء ويعجبن بوسامته ورقته الرومانسية وهو لايبالي بهن إلا استهتارا ومجونا وتعذيبا.

وتستند الرواية إلى الرؤية من الخلف لوجود ضمير الغائب والسارد المطلق العارف بكل شيء الذي يعرف ما بداخل الشخصيات ومناحيها الخارجية. ويقوم السارد في هذه الرواية بتقديم الحبكة وتبيان مأساة هذا الحب المثالي المشوب بالإيروسية الشبقية. كما يعمل السارد على دغدغة عواطف المتقبل وجذبه وإثارته ليعيش معه هذه التجارب عن طريق التصور والتخييل والمشاركة الوجدانية.

ويهيمن السرد على الرواية على غرار الرواية الكلاسيكية، وفي نفس الوقت يقل الحوار والمنولوج بسبب طغيان تدخلات الكاتب عن طريق التعليق والوصف والتقييم.

وتمتاز لغة الكاتب بالوضوح والبساطة والتشخيص الرومانسي وتتفرد بالوصف الرائع لسلوك المراهقات وتجسيد عواطفهن الجياشة من منظور مراهق شبقي. ويقل الوصف كثيرا في هذه الرواية وهذا راجع إلى غياب التحليل السيكولوجي والاجتماعي لهذه التجارب الرومانسية.

ويأخذ الزمن في الرواية إيقاعا تصاعديا من الحاضر نحو المستقبل على غرار الروايات الكلاسيكية التي يتسلسل فيها الإيقاع الزمني والمنطقي. كما أن الأحداث تخضع لسرعة الإيقاع حذفا وإيجازا ويتضاءل فيها البطء الناتج عن الوقفات الوصفية وكثرة المشاهد.

خلاصة:

نشكر حميد خيدوس على هذه التجربة الإبداعية الأولى والتي بدأها فيها رومانسيا، وقد تميز في كتابته الروائية عندما وظف لغة واضحة موحية جذابة تتغلغل في أعماق وجدان المتلقي وعاطفته المتقدة وتنفذ إلى شعوره فتسكره بحلاوة الموضوع وعطر التجربة الرومانسية التي نحن في حاجة ماسة إليها في عصرنا المادي هذا الذي مات فيه الحب والإنسان. ولكن لابد من التسلح بالعمق في التحليل والإسهاب الموضوعي في وصف المشاعر واستقصاء نفسيات الشخصيات في أبعادها الشعورية واللاشعورية، لأن موضوع الرواية تغلب عليه بساطة الطرح وسطحية المعالجة.

ويكفي حميد خيدوس فخرا أنه كاتب عصامي ومبدع مجتهد يمثل بنصه الممتع هذا الاتجاه الرومانسي في الرواية الشرقية بالمغرب الأقصى ، وأنه أعاد الاعتبار للعلاقات الإنسانية المثلى و أعطى قيمة كبرى للحب الصادق والوفاء بالعهد، واستدعى الغزل العذري من جديد في قالب رومانسي إنساني منسوج في ثوب خيالي واقعي يوحي بالروعة والإعجاب، وكأني بالكاتب يذكرني بقصة مشهورة في الجزائر وهي قصة "حيزية" الشابة الوفية التي ماتت بسبب حبها لعشيقها الشاعر الولهان بها جنونا وارتحالا بحثا عنها في متاهات الصحراء وواحاتها بعد أن فرقهما الأب ظلما وجورا .

ملاحظة:

جميل حمداوي،صندوق البريد 5021 أولاد ميمون الناظور

jamilhamdaoui@yahoo.fr

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا