ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

مسرحية " بني قردون" : بين التصور البريختي والخلل السينوغرافي

د. جميل حمداوي - المغرب


تمهيـــد:

قدمت فرقة كومدراما للمسرح والثقافة بوجدة مسرحية للمؤلف المسرحي المعروف الدكتور مصطفى رمضاني تحت عنوان " بني قردون" بالمركب الثقافي بالناظور يوم الثلاثاء13 ماي 2008م بمناسبة اليوم الوطني للمسرح، وبتعاون مع مندوبية وزارة الثقافة بالناظور وبدعم من وزارة الثقافة المغربية. وقد أعد سينوغرافيا المسرحية محمد بنقدور، بينما تكلف مصطفى بلعيد بالإضاءة، في حين قام المسرحي الشاب مصطفى برنوصي بإخراج العمل وتجسيده ركحيا. أما الممثلون فهم حجرية أعمارة، وعبد المجيد زياني، وعبد الحق لفطس، ومحمد حميمصة، ومحمد علال، ومحمد حسناوي، ومحمد بناي.

ومن المعلوم أن هذه المسرحية التي تنتقد أوضاع المجتمع العربي السلبية بشكل مأساوي كوميدي كتبها مصطفى رمضاني بواسطة رؤية إخراجية ممتعة في تفاصيلها المشهدية ، وغنية من حيث الملحقات الدرامية والتوجيهات الركحية والإشارات الإخراجية التي تسعف الممثل والمخرج والقارئ والسينوغرافي على تمثل تقنيات التشخيص وطرائق التأثيث واستعمال صيغ التجسيد الملائمة لترجمة الموضوع فوق الخشبة فنيا وجماليا.

  1. السينوغرافيا المشهدية:

تضم الخشبة الركحية على مستوى التأثيث الأفقي الأرضي مجموعة من البراميل المتنوعة الأحجام التي لونت باللون الأسود للإحالة على البترول والثراء العربي والتبرجز الفاحش. ولم تبق هذه البراميل صامتة، بل وظفت بشكل درامي لتجسيد المفارقة والسخرية والباروديا والأسلبة الفضائية في علاقة مع باقي المكونات السينوغرافية الأخرى، فكان الممثلون يستعملونها لإلقاء الخطب السياسية المباشرة وتقديم الخطابات المنودرامية الموجهة للجمهور من أجل توعية الراصدين وتنوير المشاهدين قصد التعرف على مواقفهم تجاه القضية المعروضة عليهم، والتي تتعلق بالفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي طال المجتمع العربي بصفة عامة والمجتمع المغربي بصفة خاصة. ومن هنا، نرى أن سينوغرافيا البراميل هي البطلة الحقيقية من الناحية الركحية ، فهي التي تؤجج الأحداث وتؤزم المتتاليات الدرامية، وتقدم مجموعة من الإحالات السيميائية الوظيفية التي تساهم في تشكيل صورة الإنسان العربي المثخن بجراحات الهزائم وسلبيات التخلف والانهيار وانحطاطه الحيواني بواسطة الامتساخ والتحول إلى حيوان گروتيسكيGrotesque بذيء بفعل تناقضات مواقفه وانحطاط قيمه المهترئة واستسلامه للترف والليالي الملاح والسعي وراء الفساد بكل تجلياته. وفي نفس الوقت، نستحضر عبر السياق المرجعي وعبر مفهوم المخالفة العدو الغاشم الذي يتحين الفرص للإيقاع بالإنسان العربي الخامل المترف من خلال إظهار قوته الجبارة التي يستخدمها ضد الإنسان العربي للضغط عليه سياسيا وابتزازه ماليا واقتصاديا والسعي الحثيث لاستغلال ثرواته وخيراته ، بل وتهديده عسكريا عن طريق إغراقه في عدة نكبات ونكسات وهزائم متكررة.

ومن هنا، تبين لنا هذه المسرحية الكوميدية الصادمة تراجيديا السقوط والهزيمة بفعل الخمول واللهو والترف الفاحش وانتشار الأمية والجهل والفساد المقنع في المجتمع العربي. كما تعكس لنا المسرحية بكل وضوح وجلاء الفوارق الطبقية والاجتماعية والتطاحنات السياسية داخل المجتمع العربي، وانبطاح الإنسان العربي الفقير واستسلامه للهموم والأحزان، وتآكله وجوديا بفعل الانتظار والشكوى والتذمر والبكاء المرير الذي لاينتهي إيقاعه صباحا ومساء، وليلا ونهارا.

هذا، وتجسد لنا مكونات السينوغرافيا بكل تقاسيمها الدالة وملامحها المعبرة مجموعة من التناقضات المفارقة و الثنائيات المتضادة كثنائية القوة(السوپرمان) والضعف (الإنسان العربي الخانع)، وثنائية الانتصار والانكسار، وثنائية الوجود والاضمحلال، وثنائية الظفر والهزيمة، فجميع القيم الإيجابية لصالح السوپرمان الغربي، في حين يحظى الإنسان العربي بكل العلامات السلبية المشينة التي تهدد وجوده وكيانه وكينونته.

أضف إلى ذلك أن المخرج قسم الخشبة إلى قسمين: خشبة أمامية واقعية واضحة ومرئية بشكل مباشر، وخشبة خلفية وراء ستار خيال الظل تكشف لنا الشخصيات عن طريق انعكاس الظلال المرصودة. ويعني هذا أن هناك عالمين متقابلين: عالم الظهور وعالم الخفاء. وتذكرنا المسرحية من خلال هذين العالمين المتعاكسين بمسرحية پيراندللو " ست شخصيات تبحث عن مؤلف" والتي تستند بدورها إلى المقابلة بين مستوى الواقع ومستوى الفن. ويعني هذا أن المخرج استعمل دراماتورجيا إخراجية ذات المستويات المتعددة وذات الرؤى الدرامية النسبية القائمة على الپوليفونية الفضائية والشخوصية وتنويع المنظورات على غرار التصور التكعيبي لتأثيث الخشبة.

زد على ذلك أن العرض المسرحي يستعين بسينوغرافيا تراثية تتمثل في استخدام خيال الظل الذي اقترن في الذاكرة المسرحية بابن دنيال. وهذه الطريقة معروفة عند عبد الكريم برشيد في مسرحيته"ابن الرومي في مدن الصفيح". ومن ثم، نلاحظ تأرجحا بين الفضاء التراثي (خيال الظل/ الحلقة) والفضاء الواقعي(استخدام براميل البترول). ونلاحظ كذلك انشطار الخشبة إلى قسمين متوازيين مفصولين بستار مكشوف يذكرنا بستار خيال الظل ويضع حدا بين الداخل والخارج ، وبين الواقع والفن، وبين الحقيقة والزيف.

وتتخذ الخشبة فضائيا طابعا هندسيا على غرار العلبة الإيطالية، وفي نفس الوقت، يستعمل المخرج فضاء دائريا عن طريق تشغيل فضاء الحلقة. كما استغل المخرج المثلث الدرامي ووسط الركح لتقديم فرجته الدرامية المحورية، كما وظف الحواشي الجانبية للجدارين المتقابلين الأول والثالث لتقديم الحوارات المضادة للحوار الرئيس. بينما خصص الجدار الخلفي للكواليس وتقديم الفرجات الخلفية التي يعكسها ستار خيال الظل.

وتتسم الأزياء بالتلون والتنوع حسب المشاهد والمناظر والسياقات الدرامية، فمرة نرى أزياء معاصرة أنيقة لنواب الشعب في مقابل أزياء بالية مهلهلة وأسمال رثة لمجموعة من المنبوذين والفقراء المضطهدين. وفي مشهد آخر، نرى ثيابا مرجعية باروكية ذات طابع احتفالي وتراثي تتناسب مع الخليفة ووزرائه وأعوانه وجواريه. ومن هنا ، تتسم الأزياء بثنائية الأصالة والمعاصرة ، والجمع بين ماهو مرجعي تراثي وماهو معاصر وحديث. لذا، تذكرنا المسرحية بأجواء المسرح الاحتفالي وطقوسه التراثية المرجعية وأنفاسه الشعبية التي يستحضر فيها الماضي في مقابل الحاضر كما لدى عبد الكريم برشيد.

أما الجانب الموسيقي فقد كان حضوره باهتا و ومملا ورتيبا بسبب عدم كفاءة الممثلين على مستوى الأداء الغنائي والموسيقي، ومما زاد الطين بلة الاستعانة بالصوت الصدى في تنغيم العرض المسرحي وتحريك إيقاعه الصامت . ويشكل هذا الجانب في الحقيقة نقطة ضعف في هذه المسرحية المعروضة التي كانت حوارية أكثر من اللازم على حساب الكوليغرافيا التي غيبت بشكل مطلق. والمقصود بكلامي هذا أن العرض يغلب عليه الجانب اللفظي التعليمي الممل المقرون بالخطاب السياسي التقريري المباشر ، ولم يكن عرضا مسرحيا شاملا فيه رقص مثير وحركات تعبيرية دالة وكوليغرافيا مناسبة وموسيقا مثيرة ممتعة وإضاءة إيقاعية وظيفية. وعليه، فالعرض لم يشغل الموسيقا ولا الإضاءة بشكل جيد يخدم الموضوع والقضية المطروحة، بل بقيت المسرحية في خدمة الرسالة والمقصدية على حساب المتعة الجمالية والفنية . ومن ثم، فقد كان المخرج مجرد منفذ يحاول تفسير النص الدرامي الذي كتبه المؤلف الدكتور مصطفى رمضاني دون أن يخلخل تضاريسه الإبداعية والدرامية من خلال رؤية إخراجية جديدة فيها نوع من الاجتهاد والأصالة على المستوى التقني والجمالي والسينوغرافي. وبالتالي، لم يرق هذا العرض المسرحي إلى مستوى نص الكاتب بسبب الثغرات التشخيصية و السينوغرافية .

  1. التمثيل والإخراج:

يعتمد المخرج في تقديم فرجته الدرامية على تصورات بريخت الملحمية والجدلية كما يبدو ذلك واضحا في تكسير الجدار الرابع، واستعمال تقنية التغريب واللااندماج التمثيلي، والحديث مع الجمهور لمعرفة موقفه من الحدث بواسطة طرح مجموعة من الأحكام الإيديولوجية المباشرة قصد سبر آرائه عبر تقديم مجموعة من الخطابات السجالية المباشرة الموجهة للراصدين الحاضرين قصد استنطاقهم قصد تغيير مواقفهم السلبية واستبدالها بمواقف أكثر إيجابية. لكن الجمهور الحاضر لم يكن له أية ردود فاعلة وإجابات عن الأسئلة المطروحة، بل كان يكتفي بالضحك والتصفيق والتعليق العشوائي الساخر. ومن جهة أخرى، نلفي ممثلا مدسوسا بين المشاهدين يفاجئ جمهور الصالة بعربيته الفصيحة عارضا خطابه الحواري منيبا عن الحاضرين في ذلك ، منتقدا تبجح السوپرمان الغربي الذي اعتلى صهوة البرميل معلنا قوته وجبروته وسيطرته على العالم. وهذه الطريقة البريختية استعملت بشكل مجاني في كثير من العروض المسرحية وفقدت بريقها الجمالي والتداولي، مادامت تبقى صيغة آلية مفتعلة لاتعبر عن وعي الجمهور الحاضر بكل صدق وحقيقة.

هذا، وقد كانت المسرحية تنتقل من الظلمة إلى النور بشكل تناوبي، وهذا يتناقض مع تصورات بريخت النظرية والتطبيقية التي تدعو إلى تنوير الصالة والخشبة بالإضاءة العاكسة لكي لايخضع الجمهور للاستلاب والتخدير السلبي والتطهير الأرسطي الزائف . بينما مخرجنا مصطفى برنوصي كان يشغل الظلمة الصامتة كثيرا على حساب الإضاءة وتنوير الصالة. إذاً، يتعامل المخرج في عرضه هذا مع بريخت من منظور انتقائي جزئي ليس إلا. ويلاحظ أيضا أن المخرج استعمل تقنية التوثيق الإعلامي عبر استخدام الشاشة الصغيرة التي كانت تنعكس ظلالها على ستار خيال الظل الشفاف على غرار المخرج الألماني پيسكاتور ورواد المسرح الوثائقي التسجيلي ( پبيتر ﭭايس، وبرتولد بريخت، وهاينر مولير...) الذين كانوا يستعينون بالسينما في تقديم فرجاتهم المسرحية.

علاوة على هذا، كان المخرج ينطلق في تشييد عرضه المسرحي من تصورات مسرح" النفي والشهادة " أو مسرح" النقد والشهادة" للمسرحي المغربي محمد مسكين الذي تأثر كثيرا بالمخرج الألماني بريخت. ويرى محمد مسكين في بياناته وتنظيراته الورقية أن المسرح تعرية للواقع وشهادة على تناقضاته الجدلية، ونقد للوعي الكائن قصد استشراف الوعي الممكن عن طريق الصراع الملحمي والجدلي ، وتغيير الواقع على جميع المستويات من أجل السمو به نحو آفاق ممكنة إيجابية. ومن هنا، يتحول عرض مخرجنا الذي تبنى تصورات المرحوم محمد مسكين إلى درس تعليمي جدلي يقوم على توعية الجمهور الحاضر عبر تقديم مجموعة من الخطابات السياسية والمرافعات النقدية لتشخيص عيوب الواقع وإيجاد الحلول المناسبة لإخراجه من التعفن نحو الممكن الأفضل والحل السعيد. كما استعان المخرج بتصورات الكوميديا السوداء كما عند مصطفى رمضاني ولحسن قناني، وشغل أيضا تقنيات المسرح التراثي كتوظيف قالب الحلقة على غرار الطيب الصديقي في مسرحيته المشهورة " ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب"، وامتح كذلك من تصورات الاحتفالية وطرائق المسرح الاحتفالي ( أعمال عبد الكريم برشيد النظرية والتطبيقية)، بالإضافة إلى استفادته من الميتامسرح أو الميتادراما (المسرح داخل المسرح) على غرار الكاتب الإيطالي لويجي پيراندللو والكاتب الإنجليزي شكسپير.

ومن حيث التشخيص، فالممثلون لم يكونوا يصدرون عن نظرية المعايشة الصادقة لستانسلافسكي،بل كانوا يتأرجحون بين تصور بريخت التغريبي القائم على اللااندماج وتصور مدرسة التشخيص والتمثيل الخارجي لمدرسة كوكلان الفرنسية القائم على محاكاة المواقف و تشخصيها خارجيا دون استبطان الذات والإيغال بها في أعماق النفس عبر الذاكرة الانفعالية وفعل المشابهة واستخدام تقنية " لو وإذا" المجازيتين. لذا، كان تشخيص الممثلين عاديا في نطق حواراتهم وأداء أدوارهم الخارجية، ونستثني منهم الممثلين المتميزين: محمد حسناوي وعبد الحق لفطس. ونشير إلى أن الممثلين في حاجة ماسة إلى تكوين مستمر في مجال الحركات الكوليغرافية و الأداء الصوتي، والتأني في قراءة المسرحية أثناء تدريب الطاولة لفهم مغزاها جيدا ليعايش الممثل دوره معايشة حقيقية مقنعة ، والتدريب عليه بشكل تجسيدي حي وصادق أثناء تداريب الميزانسين في تناسق وظيفي مع إيقاعات المؤثرات الصوتية والضوئية حتى ولو كنا ننطلق من توجهات بريخت التعليمية.

خاتمــــة:

يتبين لنا من خلال هذه القراءة المقتضبة أن مسرحية " بني قردون" عبارة عن عرض دراماتورجي تعليمي جدلي وملحمي ، كما أنه عمل درامي يقف عند حدود الإفادة والتلقين وتنوير الجمهور إيديولوجيا، دون أن يخلق المتعة الجمالية عبر تشغيل الموسيقا والإضاءة والكوليغرافيا تشغيلا جيدا ووظيفيا. ويعني الأمر أن هذا العرض الذي كان يتمثل تصورات مسرح" النفي والشهادة" لمحمد مسكين مازال في حاجة إلى الصقل والتعديل والتصويب وتحويله إلى عرض تنطبق عليه مواصفات المسرح الشامل حسب تصورات پيتر پروك وگوردون گريگ وأنطونان أرطو . كما يلاحظ أن مهمة المخرج كانت تقتصر على تنفيذ نص المؤلف ومحاولة تفسيره ركحيا دون قراءة النص قراءة إبداعية دراماتورجية تريح الراصد وجدانيا وحركيا وتمتعه فنيا وتفيده ذهنيا. ومن هنا، كان العرض الركحي دون مستوى النص الدرامي الذي هو في حاجة إلى قراءات ميزانسينية أخرى.

وعلى الرغم من هذه الملاحظات الوجيهة التي لا تروم الانتقاص من هذا العرض الجيد والمجهود الجبار الذي بذل من أجل إخراج العمل إلى عامة الناس وتقديمه في أحسن حلة إبداعية ، فإننا شكر المخرج الشباب مصطفى برنوصي على محاولاته الجادة واجتهاداته المتكررة سواء على صعيد مسرح الشباب أم على صعيد المسرح الاحترافي ، ونشيد بمثابرته المسرحية في مدينة وجدة ، وتفانيه الصادق في حب المسرح وممارسته عن عشق وإخلاص السريرة. ونتمنى له مستقبلا كبيرا في مجال الدراما المسرحية في المغرب بصفة عامة والمغرب الشرقي بصفة خاصة. بيد أننا ننصحه بقراءة كتب التمثيل وإدارة الممثل ، والاطلاع على الدراسات التي تنصب على الديكور والسينوغرافيا، والإلمام بتقنيات الموسيقا والإضاءة والكوليغرافيا ومبادئ الرقص التعبيري، مع الاطلاع الإجباري على الكتب المتعلقة بالإخراج وتصوراته النظرية وتقنياته التطبيقية من أجل تقديم فرجة مسرحية مفيدة وممتعة ، وفي نفس الوقت ننصحه بالبحث عن طرائق مسرحية ذاتية جديدة وأصيلة.

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا