ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

فيلم "أفاتار" إبهار كولونيالي

رامي أبو شهاب - فلسطين

 

يعرض حاليا على شاشات السينما في أنحاء العالم الفيلم الأميركي( أفاتار AVATAR   ) المصنف في دائرة أفلام الخيال العلمي، و هو من بطولة (سام ورثنغتون) و (زو سلدانا) و (سغورني ويفر) ،  والإخراج للأميركي (جيمس كاميرون) و الذي سبق له أن  أخرج  فيلميين شهيرين هما: تيتانيك و المدمر.

السمة المشتركة لأفلام جيمس كاميرون قدرتها على أن تكون مميزة على مستوى الإبهار البصري، و حاجتها دوما لميزانيات ضخمة كما في فيلم (أفاتار) الذي تكلف أكثر من 300 مليون دولار. و فيه يعمل كاميرون على تقديم وجبة سينمائية للمشاهد الذي يتناسى حاضره عبر الانتقال إلى العالم المتخيل الذي يلامسه عبر تقنية المشاهدة، التي تعتمد على تقنية السينما ثلاثية الأبعاد (Dimensions 3 ).

قصة الفيلم تقوم على عالم متخيل، عبارة عن كوكب يدعى (باندورا)، يحتوي غابة تعيش فيها كائنات حية: حيوانات، و نباتات، و قبائل يصل طول الفرد فيها إلى ثلاثة أمتار، هذه البقعة لا يمكن أن يتواجد فيها بني البشر- أي الأرضيين -  دون أقنعة تسمح لهم بالتنفس. هذا التقديم على صعيد المكان يتقاطع مع حملة عسكرية و علمية، يقودها الجيش و الحكومة الأميركية لاكتشاف هذا المكان ... مع الإشارة إلى ان الحملة تتكون من مرتزقة الجيش، و عدد من العلماء.

 

 

 بطل الفيلم عبارة عن مقاتل سابق في الجيش، و هو  مقعد يتنقل على كرسي متحرك، يأتي بديلا عن أخيه المتوفى، والذي كان يمتلك خبرات و دورات علمية تؤهله للتعاطي مع هذا المكان الجديد، يُقابل حضور هذا المُقعد بالاستهزاء من قبل الجنود و العاملين هناك، و لكنه سرعان مع يلفت الانتباه حين يتمكن من الولوج إلى عالم القبائل التي تعيش في هذا المكان، و كسب ثقتهم و تعلم طرق حياتهم، و رؤيتهم للأشياء كل ذلك بمساعدة ابنة قائد القبيلة، يتحقق هذا التواصل عبر تقنية خلق جسد مشابه لأجساد هذه القبيلة حيث يتم ربط عقل الإنسان الأرضي بجسد مختلق و مُصنّع شبيه بأجساد السكان الأصليين. يتمكن هذا البطل من التدرج في اكتساب ثقة قبيلة (النافي)، إذ يعمل هذا الجندي ضمن مستويين: المستوى العلمي حيث ينقل معلومات علمية حول المكان والثقافة التي تميز هؤلاء القوم، ولكن على المستوى الآخر، فإن هذا البطل يقوم بنقل معلومات للقائد العسكري المسؤول عن الحملة، و الذي يهدف للحصول على مصدر للطاقة أو معدن ثمين، يتمركز تحت الشجرة الضخمة التي تسكنها هذه القبائل، و ضمن هذين المستويين، نشهد صراعا داخليا في الواقع الداخلي للبطل، يتمثل بين الانتماء الحقيقي للمكان الجديد و تمثله عبر ذاته الجديدة، لاسيما في الجسد القادر على حمله، فهو في الجسد الجديد يتميز بقدرات هذه الأجساد عوضا كونه غير مقعد، مما يولد له انشطارا و  تذبذبا و توترا بين جسدين و عقل واحد، مما يصعد حالة التفسخ العقلي والأخلاقي، حيث تبدو الشخصية غير قادرة على تحديد ذاتيتها بين واقعين؛ واقع الغازي (المرتزق والواشي والمقعد)، و واقع الشخص الآخر، المنتمي إلى قبيلة( النافي) بجسد مكتمل وبرؤية جديدة للكون والحياة والأشياء، وبين هذين المستويين، يتفاقم الصراع، لينتصر في النهاية عنصر الخير المتمثل بالانتماء لهذه القبلية المسالمة، و الانخراط في القتل والدفاع عن وجودها و ثقافتها، لاسيما عندما تقوم القوات الغازية بحملة لطرد سكان القبيلة من شجرتهم العملاقة، بغية الحصول على المصدر الكامن، أو المعدن الثمين تحت الشجرة .

الفيلم على المستوى التقني السينمائي، حقق توظيف تقنيات عالية جدا بين المزج بين صورتين متناقضتين لعالمين مختلفين، و هذا ما نراه على صعيد التقنية المستخدمة في الإخراج، و التي تتكئ على تقنيات الإبهار العالي الجودة، خاصة الحركة المتقنة للكاميرا المتنقلة بين عوالم متخيلة بدقة، تم ابتكارها لتكون محاكاة أو تجسيدا لهذا العالم المتخيل مما  يعد تحولا ثوريا في تاريخ السينما، فكاميرون عمل على استخدام تقنية الواقع ( ثلاثي الأبعاد)، ولاهي عبارة عن كاميرتين عاليتي التفاوت على غلاف واحد، تتيح للمشاهد التمتع بالإحساس بعمق الواقع، و قد استغرق إنتاج هذا الفيلم أربع سنوات، في حين استفاد المخرج من  جهود واضع الموسيقى " جيمس هورنر " المتخصص في تأليف موسيقى الشعوب، التي نتذوقها كخلفية ملازمة لحركة و طقوس شعوب (النافي)، مما أضفى على الفيلم حالة من التماهي بين العالم المتخيل و المشاهد .

    المخرج استطاع تحقيق هذه الدهشة عبر الحيوانات و النباتات و الكائنات التي ضمنها في المشاهد، بغية إقناع المشاهد بواقعية العمل، و توفر هذا المكان حقيقة، و الذي يبدو أنه عالق بين كواكب أخرى، فالمخرج ركز كثيرا على سمة العلو المكاني، فمعظم مشاهد تنحو منحى يقوم على اتخاذا الكاميرا موقعا مرتفعا، لتحقيق وظائف كثيرة منها، وظيفة الإبهار البصري، و قد حقق ذلك بامتياز عالٍ، بالإضافة إلى وظيفة دلالية، تهدف إلى تقديم الارتقاء الثقافي لهذه القبائل، و التي تتخذ رؤية جديدة للأشياء المحيطة بها، لاسيما الخليط المكون من الطبيعة والحيوان والنبات والإنسان أو المخلوق، إذ تتعاطى مع بعضها البعض ضمن حساسية عالية، و طقس كوني جميل، كما نرى مثلا في مشهد قتل الحيوان، حيث تتم القراءة عليه قبل القتل بعبارات بلغة قبيلة (النافي)، أو كما نرى في معتقدهم الديني المتمثل بالشجرة التي تحتوي على أرواح من مات، أو عبر الإشارات المتأتية منها، أو حتى عبر التواصل مع الطيور و الدواب، التي يتم امتطاؤها، حيث تتواصل مع ممتطيها عن طريق خصل الشعر، و هو ما يحقق انسجاما بين الكائنين، و هارموني شامل بين العوالم و الكائنات المختلفة، التي تتقاسم هذا الكوكب، و تحافظ على توزانه بطريقة مثلى .

مما لاشك فيه أن ضمن هذا الإبهار السينمائي الفخم و المتخم، ثمة قراءة ثقافية و إنسانية يريد الكاتب أن يضمنها في الفيلم، هذه ميزة جيمس كاميرون، الذي يجعل لغة الإبهار خلفية لرسالة الفيلم، كما شاهدنا سابقا في فيلم (تيتانيك)، وهنا تبدو رسالة (أفاتار) شديدة الوضوح، فالفيلم يعكس واقعا استعماريا (كولونياليا) مسيطرا على صانعي الأفلام في هوليود، فصناعة السينما الأميركية منشغلة في مفهوم الآخر والغريب و غير المتوقع، كما نلحظ في إنتاج أفلام نعجز عن حصرها و تقوم على فكرة محورية واحدة، هي أن هنالك ثمة آخرون على هذا الكون، وهؤلاء الآخرون، غالبا ما يتم تناولهم من منظورين: المنظور الأول يتمثل بالتهديد الذي يمثلونه على وجودنا وحضارتنا و حريتنا أي (نحن)، وهذا ما نقع عليه في قائمة طويلة من الأفلام، التي تصور غزوا خارجيا من الفضاء  لكوكب الأرض، بينما المنظور الثاني يتمثل بالانشغال بالآخر، و الرغبة في اكتشافه، و دراسته، و ترويضه، و السيطرة، و الهيمنة عليه.

المدهش في هذا الفيلم قدرته على أن يكون مندرجا ضمن الخطاب الكولونيالي، بكل أبعاده ، فالفيلم يقوم أولا على أدبيات راسخة في الثقافة الغربية، تقوم على محاولة غزو الآخر و اكتشافه، هذا الغزو يتم عبر وسيلتين هما، تضافر عاملي القوة والمعرفة ، و هذا ما  نقع عليه في فيلم كاميرون، فنحن نرى الجندي و سلاحه، و العالم و مختبره، كلاهما في حيز واحد، فهما يعملان جنبا إلى جنب في معرفة و دراسة هذه الرقعة الجغرافية، بكل ما تحتويه من مخلوقات، إلى حد القيام بخلق أجساد شبيهة بأجساد سكان الكوكب للتمكن من الولوج إلى عالمهم، إلى حد تعلم لغتهم. هذا هو تحديدا ما نعثر عليه فعليا في الخطاب الكولونيالي القائم على اتحاد المعرفة و القوة، و هما متلازمتان في الإستراتيجية الكولونيالية. فمعرفة الآخر دوما تهدف إلى أن تخدم القوة، و التي ترتبط بدورها ترتبط بالرؤية الاقتصادية و النفعية و العقائدية ، فنرى العلماء يعملون، و يتعلمون لغة الآخر، و يبحثون عميقا في رؤيتهم للكون و فلسفتهم الخاصة، كل هذا عبر رحلات يومية يقومون بها، و من ثم تأتي القوة العسكرية مستفيدة من جهود المعرفة، للتعاطي مع العدو الجديد، من مبدأ اعرف عدوك، و كم يبدو هذا شبيها بجهود العلماء والمستشرقين، الذي قادوا رحلات شبيهة لاكتشاف الآخر و دراسته لتسهيل احتلاه و السيطرة عليه لاحقا.

        في قراءتنا لواقع الفيلم نرى أن بطل الفيلم المقعد يتحول إلى فرد من القبيلة حين يتمكن من ترويض وركوب أكبر طائر جارح في تلك البقعة الجغرافية، حيث لم يتمكن أحد من فعل ذلك إلا بطل و قائد من السكان الأصليين في الزمن البعيد، و حين يتمكن هذا البطل الأميركي من ترويض هذا الطائر، يصبح قائدا لهذه الشعوب والقبائل، و  في هذا الإطار نرى الإصرار على وضع الأمريكي حتى في تحوله إلى رفض السيطرة و الهيمنة على الآخر و تقويض ثقافته، يتخذ دورا مميزا، فهذا الأمريكي المرتد على فكرة استعمار الآخر، يتحول إلى المدافع عن الشعوب الضعيفة عبر قدرته على أن يكون شجاعا و منظما، فهو يقود الحرب ضد الغزاة عبر استدعاء باقي القبائل، و وضع خطة للدفاع عن الشعوب الأصلية أو المحليين كما يرد في الفيلم، و كأن هذه الشعوب عاجزة على أن تجد من يدافع عنها. هذا الإصرار على خلق صورة البطل، هي حقيقة آفة السينما الأميركية، التي تبقى دوما ضمن المنظور الكولونيالي، فهؤلاء الأصليون صوروا  في بداية الفيلم على أنهم متوحشون وبدائيون، لا يمتلكون حضارة حقيقة من منظور الغزاة، كما ورد على لسان قائد الحملة.  و لكن هذا يتم تفنيده عبر البطل المنخرط في ثقافتهم (أي الأصليين )  حين يقول صراحة أن هذه الشعوب لا تطمع في شيء من حضارتنا، فهم لا يسعون إلى ارتداء الجينز و تناول الكوكا كولا، و هي رموز الحضارة الغربية، و بالتالي فإن التفاوض معهم لن يحقق شيئا، و لكن هذه الرسالة التي جاءت على لسان البطل لن تبرئ صانعي الفيلم من النظرة الفوقية، حيث يقود البدائيين أو الأصليين للدفاع عن حضارتهم أميركي مقعد، ولعل هنا مفارقة متحققة، هي في الحقيقة ساخرة، فالمقعد الأمريكي الذي يحل في الجسد المبتكر يخوض حرب تحرير ضد الغزاة، مما يعتبر من وجهة نظر الغزاة على أنه خيانة، في هذا الإطار نقرأ خطابين متناقضين، الأول يقوم على أن الآخر لديه حضارة و  من الواجب احترامها، و عدم إفنائها، و  هذا ما نراه في تردد بعض قادة الحملة في شن حرب الإبادة على شعب (النافي)، أو محاولتهم التفاوض معهم، بينما في الجانب الآخر، نرى أن الإصرار دوما على وضع الآخر في صورة محددة و نمطية،  هي ديدن الثقافة الغربية، فهي ربما تحترم حضارة و ثقافة الآخر  و ربما تدافع عنها، و لكن في النهاية، فإن الآخر لم و لن يكون يوما محورا ومركزا، فالفيلم في النهاية يشاهد عبر بؤرة البطل المقعد، الذي يقوم بسرد الحكاية، و هو بؤرة الحدث فنحن نطلع على ثقافة شعب (النافي) عبر عيونه و منظوره الخاص، و نتحسس جمالية عوالمهم ما ينقله لنا، وهو في النهاية البطل القادر على الدفاع، و اجتراح المعجزات، أنه النبي الجديد لشعوب (النافي) . فكم يبدو هذا البطل الفيلم قريب الصلة في التكوين والرؤية بلورنس العرب الذي قاد العرب من عمق الصحراء  إلى الخلاص والحرية، و الانعتاق من نير الحكم العثماني، و كم تبدو حملة (أفاتار) شبيهة بحملة نابليون على الشرق. إنها مركزية مسيطرة على التكوين الثقافي الغربي في قراءة الأنا والآخر، و يبدو أنها ما زالت تتناسخ وتتكاثر ، و لو سينمائيا.

 و مع ذلك يبقى فيلم (أفاتار) تحولا سينمائيا عميقا، و لعله أصبح تأريخا جديدا في سجل السينما، التي تشهد تحولا حقيقا على صعيد الإخراج و التقديم، و الاستفادة من التقنية إلى أقصى طاقاتها على يد كاميرون الذي بات أيقونة سينمائية مميزة، أدهشت العالم بروائعه المتخمة بالإبهار والفن.

 

rami-shehab@hotmail.com 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا