ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

خارج عن القانون لرشيد بوشارب

أيديولوجيا الشكل، وشكل الأيديولوجيا

رامي أبو شهاب - فلسطين

 

من الملاحظ أن المخرج الجزائري رشيد بوشارب، يرفض إلا أن يكون إشكاليا،هذا الشغب الثقافي السينمائي تجسد عبر فيلمه  الموسوم بـ خارج عن القانون "   " Outside the Law   ، والذي عُرض في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية،.  وكما يبدو فإن الفيلم يمتلك حسا تشاكسيا ابتداء من عتبته الأولى، ونعني عنوان الفيلم ، فهذا العنوان يحيل إلى دلالات متعددة ومتباينة ومنفتحة على قراءات تحمل كثيرا من التوجهات غير البريئة،وتحديدا على صعيد الخطاب الموجه، فالقانون الذي يفترض به أن يكون درع الحماية والملاذ والفيصل لمساندة الحق على الباطل، يبدو في هذا الفيلم في وضع تطرفي إشكالي ومتناقض، فالاستعمار الذي تمرس في المكان والفضاء الزمني لشعوب متعددة في العالم، جاء باسم القانون، وجاء ليحل قانونه الخاص المشوّه، وبات كل من يقاوم هذا التوجه خارجا عن القانون، وبهذا فإنه معرض للمحاكمة، وبناء على ذلك ينفتح الفيلم على مشهد يحمل من التكثيف الرمزي، والاختزالية العميقة لمقولة الفيلم الأيدلوجية منذ بدايته، ليبدأ فيما بعد تصاعد الأحداث على صعيد الحبكة، فالهدوء الذي تشي به الأرض والوادعة والسلام يتبددان عبر انعكاس واقع عائلة جزائرية تعمل في أرضها، كل ما سبق يتبدد بحضور القانون المُجسد بسلطة الحكم الاستعماري الفرنسي، الذي يصادر أرض هذه العائلة الجزائرية باسم القانون، وهكذا تتسع دائرة الأحداث متخذة من هذه  العائلة مركزا لها، حيث يقتل عدد من أفرداها في مذابح سنة 1945 م  لاسيما في مدينة اسطيف بعد أن انتقلت العائلة إليها بعد مصادرة الأرض . في هذه المرحلة من الفيلم نشاهد توظيفا لتقنية القفزات الزمنية والمكانية التي يستخدمها بوشارب، إذ يعمق المخرج رشيد بوشارب عمق الجريمة الاستعمارية، ومفردة العنف المهيمن في خطابه وممارسته على حد سواء، تمهيدا فيما بعد لتبرير الفعل الانتقامي لأفراد العائلة وهذا يبدو كردة فعل متحصل من جراء الأثر المتولد والعميق والعنيف لقسوة الاستعمار، حيث نرى صفوف الجثث الملقاة على الأرصفة، وفعل الإعدام والتنكيل، وكثافة الحضور الإجرامي لليد الاستعمارية، والتي نراها ماثلة بوضوح في هذا المذابح، التي صاغها بوشارب بأدوات إخراجية لا يعوزها الاحترافية العالية، وتفارق تماما التقديم الساذج الذي يميز السينما العربية لاسيما مفردة الإثارة، التي تعوز مشاهد المعارك والقتال التي تحفل بها الأفلام العربية ذات الترهل الواضح في هذا السياق، ولكن هذا القالب الذي ارتضاه بوشارب، دمغ فيلمه بقالب وبصمة أفلام الإثارة والحركة، لاسيما عبر شخصيات الفيلم وأفعالها، ونعني الأخوة الذكور الذين تبقوا من العائلة، بالإضافة إلى الأم، فبعد أن استشهد الأب والأخوات البنات في مذبحة اسطيف، تترسخ مشاهد القتل المشاهد في أذهان من تبقى من العائلة، للتمهيد لاحقا للفعل الانتقامي، ولتأكيد أيضا بيان مواقع الآثار المترتبة على الفعل الاستعماري، وانعكاساته على الإنسان، فالأخ الأكبر" مسعود"  يسافر إلى الهند الصينية محاربا في الجيش الفرنسي، بينما عبد القادر يسجن في فرنسا، و سعيد يسافر مع والدته إلى فرنسا الحاضرة الاستعمارية، ليقطن تحديدا في الضواحي، و في بيوت من الصفيح تشكل في بعدها الدلالي هامشا للمتروبوليتان الاستعماري الرأسمالي، ولعل قدرة بوشارب على التقاط مأسوية الواقع للمهاجرين الجزائريين من خلال استخدام الصورة القاتمة والرمادية والباردة وتوظيفها في سياق الفيلم يبدو ناجعا وموفقا جدا، فسعيد الأخ المنشق عن مثالية طوباوية ميزت الأخوين، يرفض الانسياق للعمل في مصنع " رينو " للسيارات كباقي العمال الجزائريين، وهنا نقرأ رفضا لواقع الاستغلال الإمبريالي الاستعماري المتجسد برمز المصنع، ولهذا فإن شخصية سعيد تجترح مفهومها الخاص القائم على القوة والبحث عن الثراء السريع، والاستفادة من مفردات الحياة الغربية، فيقود عمله الخاص القائم على القوادة والنوادي الليلية و المراهنة بمباريات الملاكمة ، في حين أن شخصية الأخ الثالث عبد القادر المسجون في فرنسا تضطلع بمهمة تجسيد أفكار المقاومة الصلبة، لاسيما بعد أن يتمرس وينمى ثقافيا في السجن، وفي مشهد مُحمل بالدلالات الهامة، نرى عبد القادر وقد شهد إعدام زميل له في السجن بالمقصلة، وباسم الجمهورية الفرنسية، ولعل البعد الرمزي لا يخفى على المشاهد في خلق مفارقة فكرية وتاريخية عبر هذا المشهد، ففرنسا الحرة التي قامت ثورتها الشهيرة ضد الطغيان والظلم، وحطمت سجن الباستيل، والتي استخدمت المقصلة للقصاص من أعداء الشعب، هي ذاتها من تقوم بإعدام الأحرار المناهضين بنفس الأداة، ولهذا نرى إصرار عبد القادر على نعت نفسه" بالمناضل " في مواجهة أزمة الضمير التي تنتج من الدموية التي يتسم بها في إدارة المعركة والمقاومة على الأراضي الفرنسية.

في المسار الأفقي لأحداث الفيلم  يجتمع الأخوة الثلاثة في فرنسا، حيث نرى توجهات وانشقاقا للمفاهيم بين الأخوة، عبد القادر يقوم بمهمة دعم الثورة ، أو جبهة التحرير ماديا ومعنويا وفكريا، و بإيمان عميق، ودون أي تنازع أو صراع أخلاقي لفعل القتل الذي يستوجبه النضال، في حين ينحاز له الأخ الأكبر مسعود، ولكن ضمن أزمة نفسية وصراع عميق للفعل الناتج عن القتل، في حين أن الأخ الثالث سعيد يرفض الانخراط بالفعل العملي للنضال، ولكن يقدم نصف أرباحه للجبهة والنضال، وفي أجواء كلاسيكية ثلاثينية مقتبسة من حياة رجال العصابات والمافيا، وبتأثر واضح بعدد من المخرجين لعل أبرزهم كوبولا في فيله الأشهر " الأب الروحي " أو العراب " بالإضافة إلى تأثره بأفلام هذه الفئة من السينما الأميركية، نشاهد فيلم إثارة أكشن يتخذ من الملابس والأكسسوارت والرؤية الإخراجية في تلك الأفلام شكلا جذابا للمشاهد، فمشاهد المعارك والصراع من قوى البوليس، والاستخبارات الفرنسية في باريس تبدو في أرقى درجات الاحترافية، التي تميز بها هذا العمل على يد الخرج بوشارب، و الذي تمكن من خلق معادلة تجمع بين نقيضين، ونعني الفعل الاحترافي القائم على الشكل الجذاب لأفعال القتل والإثارة والمغامرة لشخصيات مرتهنة لواقعها وقضيتها العادلة، فالشخصيات في "خارج عن القانون"  تحمل بداخلها غضبا وأيديولوجية صادقة تقوم على النضال والمقاومة للاستعمار، ولكن بمظهر رجال العصابات، إن كان على صعيد شكلي كالملابس كالبذلات والقبعات، والأسلحة، وأسلوب التدخين، أو حتى طريقة الحديث، والحركة، فهنالك مزيج غريب بين هذين المستويين، وكأن بوشارب يعمل على خلق مفردة سينمائية تعتمد التشويق والإثارة، ليكونا مجتمعين أداة مؤثرة في المتابعة والإعجاب والإبهار، ولكن دون التضحية بالرسالة الفكرية للفيلم، التي اتخذت قوتها من رؤية إخراجية ثورية، تقوم على المزج بين الحركة والقيم الإنسانية، مع التضحية كما يبدو بالتعمق في التشكيل الداخلي للشخصيات وفضائها، وحساسية الأداء للممثلين، باستثناء مسعود  في بعض المواقف، فالواضح كما يبدو أن التكنيك السردي للفيلم، يخلو من مسارات التحول القائمة على توترات الحدث، فالفيلم يبدو موجها عبر حركتين أساسيتين، هما الجريمة وفعل الانتقام .

          وضمن هذا المستوى الإجرائي المُهجن من رؤى سينمائية متعددة ، يمضي الفيلم في مقاربة توترات العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر على أكثر من صعيد، ومنه إبراز فعل بعض المواطنين الفرنسيين، وتعاطفهم مع الثورة الفرنسية، وحتى مشاركتهم عمليا، كما يبدو ذلك في شخصية "هيلين"  الفتاة الفرنسية الشقراء الجميلة، وبعض أصدقائها الذين يقومون بمساعدة عبد القادر ومسعود في تحويل الأموال أو الإتاوات التي يضطلعون بتحصيلها لصالح جبهة التحرير، بالإضافة إلى إبراز الصراع بين الجبهة و حركة التحرير في التوجه لإدارة النضال ضد المستعمر، ومن ثم بيان أهمية نقل المعركة ضد الاستعمار إلى قلب فرنسا  باريس تحديدا، وهذا كان توجها ظاهرا لدى المناضلين الجزائريين كما يبدو من الفيلم، ولعل حوارا شديد الأهمية بين عبد القادر والضابط الفرنسي حول تبرير المقاومة عبر دعوة عبد القادر الضابط الفرنسي إلى القيام بعملية استبدالية لمفردتي فرنسا والجزائر، بمفردتي ألمانيا وفرنسا، وهنا إشارة إلى الاحتلال الألماني لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، ومشروعية المقاومة للمحتل أينما كان، وفي أي زمن.

وفي نقد مستمر للواقع الاستعماري المتواري بذكاء خلف أفعال المشاهدة والمطاردة والإثارة، أي الشكل الغربي الجذاب، نشاهد مشاهد لزيارة شارل ديغول للجزائر وفي استقباله عدد من المسؤولين الجزائريين، حيث أن هذا الاهتمام يأتي على خلفية اكتشاف وجود بئر نفط في الجزائر، وهكذا يبقى الخبث الاستعماري قائما، والإدانة له واضحة من قبل رشيد بوشارب في قالب سينمائي خبيث ومخاتل كما هو الاستعمار ذاته.

 في النهاية فان هذا الفيلم، قد تسبب بموجة من الانتقادات من قبل اليمين الفرنسي المحافظ ، حيث تم الاعتراض على عرض الفيلم في عدد من المهرجانات، لاسيما مهرجان " كان " حيث اتهم بتحريف التاريخ، ونكئ جراح الحرب، وإثارة مشاعر الكراهية والانتقام، ومع ذلك يبقى الفيلم-  على الرغم من الأصداء والانتقادات التي تسبب بها-  علامة سينمائية تضاف إلى تاريخ المخرج رشيد بوشارب، الذي وظف عدد من التقنيات والمستويات المتباينة ، إذ اعتمد على الشكل الاحترافي لموجة سينمائية أو اتجاه سينمائي ساد في السينما العالمية، ونعني أفلام العصابات والمافيا، كما أسسه عدد من المخرجين العالميين، ولكن هذا الشكل الفني الجذاب كان يضطلع بمهمة أخرى تقوم على تعرية مفردات الخطاب الاستعماري، والكشف عن تناقضاته وتمظهراته، علاوة على وضع مفهوم النضال والحق بالمقاومة في موقعه الصحيح، على الرغم من كل المحاولات التي باتت تتخذ من مفاهيم الحوار والمهادنة إستراتيجية لاسترجاع الحق المستلب، ولهذا كان اسم الثائر الفيتنامي" هوشي منه" حاضرا في سيناريو الفيلم، دلالة على شرعية المقاومة لكل شعب محتل، فالنضال والمقاومة ليست فعلا خارجا عن القانون، والمناضل  ليس شخصا خارجا على القانون، لاسيما حين يكون القانون من منظور المستعمِر، وهذا يعني بالضرورة رفضا لتصورات ومقولات من يصوغ الآخر انطلاقا من تصوراته الخاصة، ولهذا تبدو كلمات "عبد القادر" وإصراره على أنه مناضل وليس مجرما، تتردد في أصداء القاعة المعتمة، بعد أن يسدل الستار على وقائع الفيلم، بمشهد "عبد القادر" وقد تحول إلى جثة هامدة ملطخة بالدماء، لا باعتباره خارجا عن القانون، إنما باعتباره بطلا منتصرا  كما جاء على لسان الضابط الفرنسي.

  rami-shehab@hotmail.com

    

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا