ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

أحمد عبد المعطي حجازي - مصرالحوار سوف يطول‏!‏
أحمد عبدالمعطي حجازي - مصر

 

ستهل الاستاذ محمود امين العالم‏,‏ رسالته التي تكرم فكتبها يعارض فيها موقفي من قصيده النثر‏,‏ ويوضح موقفه منها يستهلها بدعوتي الي الاجتهاد في تفهم هذه الظاهره الشعريه الجديده واستيعابها‏,‏ كما يفعل نقاد اخرون سماهم‏,‏ يرون كما يري هو‏,‏ ان قصيده النثر قد استقر لها اليوم حق المواطنه في الشعر الانساني المعاصر‏,‏ وفي شعرنا العربي كذلك‏,‏ باعتبارها امتدادا واضافه ابداعيه الي التراث الشعري عامه‏,‏ فاذا لم تكن هذه المقالات التي كتبتها حول قصيده النثر اجتهادا في فهمها‏,‏ فماذا يكون الاجتهاد في نظر الناقد الكبير؟
ان كان يقصد القراءه المخلصه المتعاطفه للنصوص الجديره بالقراءه كشفا لاسرارها‏,‏ وتحديدا لقيمتها ومزاياها‏,‏ فهذا ما حاولته علي قدر ما استطيع‏,‏ اما اذا كان الفهم في نظره مقصورا علي قبول ما لا استطيع اساغته‏,‏ وعلي الاعتراف به‏,‏ وتسميته اسماء تخفي شخصيته‏,‏ وتزيف حقيقته‏,‏ فهذا ما ارجو الاستاذ العالم ان يعفيني منه‏.‏

ياصديقي العزيز‏..‏ انك تعلم اكثر من غيرك اي نكبات الحقها بنا تزييف الاسماء في السياسه‏,‏ والمجتمع‏,‏ والادب‏,‏ والفن‏,‏ فهل نواصل ما نحن فيه‏,‏ ام ينبغي علينا تصحيح الخطا وتسديد الخطي؟
واذا كان الاستاذ العالم‏,‏ يري اني لم اجتهد كما يجب في تفهم قصيده النثر‏,‏ فقد ان الاوان لاطالبه هو والساده النقاد‏,‏ الذين سماهم ببذل جهود لم تبذل حتي الان‏,‏ في تفهم قصيده الوزن‏,‏ من حيث هي لغه موسيقيه‏,‏ اي في تفهم الدور الذي يلعبه الوزن فيها‏.‏

ولا احد يستطيع ان ينكر علي هولاء النقاد اجتهاداتهم الجاده ومواقفهم المتحرره‏,‏ او يتجاهل عطاء العالم بالذات ودفاعه عن الحركات الطليعيهفي الادب العربي المعاصر‏,‏ ومنها حركه التجديد الشعريه في الخمسينيات‏,‏ واحتضان روادها‏,‏ ومقارعه خصومها‏,‏ ولقد كان موقف العالم من هذه الحركات الطليعيه امتدادا منطقيا لموقفه الثوري في الحياه والفن‏,‏ وربما ادي به هذا الموقف الي الاهتمام بالمضمون علي حساب الشكل‏,‏ وبما تقوله القصيده لا بطريقتها في صياغه ما نقول‏,‏ ومن هنا تحدث العالم عن الصوره الشعريه اكثر مما تحدث عن اي اداه اخري‏,‏ واذا كان قد التفت الي معجم القصيده الجديده وعلاقتها بالواقع‏,‏ فهو لم يلتفت بالقدر ذاته للدور الذي يلعبه الوزن فيها‏,‏ ولم يكشف في نقده التطبيقي للشعر عن العلاقات القائمه بين المعاني والاصوات‏,‏ او في تفسير هذه العلاقات وتحديد اثرها في بلوره الرموز وتشكيل المجازات وبناء القصيده‏.‏
ومنذ كف طه حسين عن كتابه متابعاته النقديه‏,‏ ورحل محمد مندور مبكرا‏,‏ لم نعد نقرا لناقد مصري محترف عن دور الوزن في الشعر‏,‏ الا كلاما عاما واشارات خاطفه‏,‏ وان ظل بعض اساتذه الجامعه‏,‏ خاصه في دار العلوم‏,‏ يواصلون الجهود التي بداها ابراهيم انيس في دراسه الاوزان والقوافي‏,‏ ومن هولاء احمد كشك‏,‏ وحماسه عبداللطيف‏.‏

اريد ان اقول ان نقاد الشعر المعاصرين‏,‏ الذين قراوا القصيده الموزونه‏,‏ كما لو كانت نثرا شعريا‏,‏ وفسروها ببعض ادواتها لا بادواتها كلها‏,‏ وبمعانيها الظاهره لا بمعانيها الباطنه‏,‏ لانهم اعتقدوا ان الموقف الذي عبر عنه الشاعر مقدم علي الشكل الذي ابدعه‏,‏ وان الفكره اشرف من الحرفه‏,‏ ومن هنا اسقطوا الاوزان من حسابهم‏,‏ او اعتبروها اضافه شكليه‏,‏ هولاء النقاد الذين لم يجتهد معظمهم في تدريب اذنه علي تذوق الاوزان والتمييز بين تشكيلاتها المختلفه‏,‏ وامكاناتها التي لا تستنفد مسئولون الي حد كبير عن اهمال القاريء والشاعر للوزن‏,‏ وتجاهلهما للقيمه الصوتيه في اللغه‏,‏ واعتبار النص الادبي مجرد رموز مكتوبه تشير الي المعاني‏,‏ وهكذا تراجع دور الوزن‏,‏ واختزل الشعر في مجرد الاستعاره او الصوره الشعريه‏,‏ وهذا ما حاولت ان اناقشه في مقالاتي الاخيره‏,‏ التي اشرت في نهايتها الي راي للاستاذ العالم‏,‏ يربط فيه بين ايقاع الشعر العربي وطريقه الحياه في الباديه العربيه‏,‏ فراي الاستاذ العالم في هذه الاشاره‏,‏ ما يحتاج الي توضيح من جانبه‏,‏ عبر عنه في رسالته التي يتساءل في بدايتها عن المصدر الذي اوحي لي في مقالي الاخير بانه يقول ان الايقاع قيمه بدويه‏,‏ وجوابي علي تساوله‏,‏ ان المصدر هو مجله الاهرام العربي التي نشرت في عددها الصادر في الثالث والعشرين من يونيو الماضي‏,‏ تحقيقا حول مقالاتي عن قصيده النثر‏,‏ جعلتني فيه عقادا جديدا وقد قلت مرارا ان هذا شرف لا ادعيه ووضعت عنوانه الارهابي علي غلافها‏,‏ وهو الشعراء والنقاد يردون الرصاص علي حجازي‏,‏ ومن هولاء النقاد الذين ردوا الرصاص علي الاستاذ العالم‏,‏ الذي قال للمجله انه يعتقد اعتقادا راسخا ان النقله الحقيقيه في الشعر العربي الحديث لا تتمثل في الانتقال من الاوزان الخليليه التقليديه الي التفعيله‏,‏ بل في استخدام الصوره استخداما جديدا بنائيا‏,‏ ثم بدات تجربه التطور في الايقاع والنغم مع تطور ايقاع الحياه ذاتها‏,‏ فلسنا في زمن البداوه والصحراء‏,‏ حتي نستوحي ايقاعاتنا من الوقع الرتيب لخف الجمل علي الرمال‏.‏

هذه هي العبارات التي قلت في مقالتي المنشوره يوم الاربعاء الاسبق‏,‏ ان فيها ما يوحي بان الايقاع قيمه بدويه لا مكان لها في الحضاره الحديثه‏,‏ لكن الاستاذ العالم انكر في رسالته هذا المعني‏,‏ وقال انه كلام لايقال‏,‏ بل خلط وتخليط‏,‏ اما قولي اي قول العالم الذي اقتنع به واوكده‏,‏ فهو ان الايقاع ليس قيمه ثابته مطلقه‏,‏ وانما هو نسق يختلف باختلاف الاوضاع الاجتماعيه والثقافيه والحضاريه العامه‏,‏ لكنه يستطرد بعد ذلك فيقول‏:‏ ولعلي ذكرت‏,‏ وكان حديثي تليفونيا مع احد الزملاء الصحفيين‏,‏ ان ايقاع الشعر العربي في بدايته الذي يغلب عليه الاطراد وتكرار الوحدات المتماثله‏,‏ هو انعكاس ادبي او استلهام فني لايقاع حركه الابل في الصحراء‏,‏ وهو في الحقيقه ليس رايي وحدي‏,‏ بل راي العديد من النقاد القدامي والمعاصرين‏.‏
ولست اظن اني ابتعدت كثيرا عن الحقيقه‏,‏ حين قلت ان العالم يربط بين ايقاع الشعر العربي‏,‏ وايقاع البداوه وحركه سير الابل علي رمال الصحراء‏,‏ وان هذا الربط يوحي بان الايقاع في الشعر العربي طبعا قيمه بدويه‏,‏ اما نفي العالم للثبات والاطلاق عن الايقاع‏,‏ وتاكيده انه نسق يتغير ويتطور‏,‏ فهو لا يضيف فيه جديدا‏,‏ ولا يصحح لي خطا وقعت فيه‏,‏ لاني لم اقل قط ان الايقاع قيمه ثابته مطلقه‏,‏ وليس مسموحا لي انا بالذات بالوقوع في مثل هذا الخطا‏,‏ بعد ان شاركت في الثوره التي غيرت ايقاع الشعر العربي‏,‏ لقد قلت ان الايقاع مثبدت في العالم كله‏,‏ ولكل شيء ايقاعه‏,‏ والايقاع في الشعر شرط جوهري فيه الي جانب شروط اخري بالطبع‏,‏ ومن البديهي ان يتحقق هذا الشرط في صور كثيره كما قال الاستاذ العالم‏,‏ بل باختلاف الشعراء‏,‏ وحتي باختلاف القصائد التي يكتبها الشاعر الواحد‏,‏ لكن الايقاع يتغير ويتطور ويظل مع ذلك محافظا علي بنيته او طبيعه تركيبه‏.‏

ما هو الايقاع اذن؟
لقد تحدثنا كثيرا عن الايقاع‏,‏ فقلنا انه شرط جوهري في الشعر‏,‏ ونفينا عنه الثبات والاطلاق‏,‏ وقلنا انه يتغير ويتطور‏,‏ لكننا لم نقل ما هو‏,‏ ولم نحدد الشروط التي يجب ان تتحقق فيه هو حتي يكون ايقاعا‏.‏
ونحن لانجد في المعاجم العربيه تعريفا دقيقا للايقاع‏,‏ الذي كان العرب يسمونه باسمه المجازي‏,‏ سواء في الشعر او في الموسيقي‏,‏ فيقولون الوزن‏,‏ او الموازين‏,‏ تشبيها للاصوات اللغويه والموسيقيه المتساويه بالمقادير‏,‏ او الوزنات المتساويه‏,‏ ومن هنا يقول المنجد في تعريف الايقاع‏:‏ انه اتفاق الاصوات وتوقيعها‏,‏ اما عند الاوروبيين فالايقاع يسمي باسمه اليوناني القديم
‏RYTHMOS
ومعناها الحر في الحركه الموزونه‏,‏ او انتظام الحركه وتواليها‏,‏ ويتميز بتعاقب المقاطع او الضربات القويه والضعيفه‏,‏ وفي معجم الموسيقي الصادر بالفرنسيه عن دار وست فرانس لجيرار بيرنو‏:‏ ان العالم عامه وعلم الاحياء بالذات‏,‏ يوضح لنا اهميه الايقاع بالنسبه لاي كائن مهما كان صغيرا بسيطا‏.‏

هذا هو الايقاع كما افهمه‏,‏ وعلي اساسه اختلف مع العالم حول قصيده النثر‏,‏ انا اقول انها خاليه من الايقاع‏,‏ واستطيع ان اثبت ذلك‏,‏ لاني استطيع ان اختبر مقاطعها الصوتيه‏,‏ فلا اجد فيها تكرارا ولا انتظاما‏.‏
والعالم يقول ان قصيده النثر فيها ايقاع‏,‏ ويوافقني علي ان الانتظام شرط اساسي لوجود الايقاع‏,‏ لكنه لا يستطيع للاسف ان يبرهن علي مايقول‏,‏ وبدلا من ان يفضي به عدم قدرته علي البرهنه الي مراجعه افكاره‏,‏ والاعتراف بان قصيده النثر نثر بكل بساطه‏,‏ او نثر غنائي كما يسميه يوسف الشاروني‏,‏ او يقول اذا اراد ان الايقاع الذي يتحدث عنه ليس قيمه صوتيه ذات وجود موضوعي يمكن تحليله وحسابه بطريقه رياضيه‏,‏ وانما هو حاله نفسيه‏,‏ او ذوقيه‏,‏ تثيرها اللغه الشعريه في النفس‏,‏ فيكون الايقاع المقصود في هذه الحاله في قاريء النص لا في النص نفسه بدلا من ان ينتهي الناقد الكبير الي حل من هذين الحلين يلوح لي سامحه الله بتلك التهم الجاهزه للاستخدام مثل تجميد الايقاع‏,‏ وقتل الابداع‏,‏ والغاء التجديد‏,‏ والمصادره علي المستقبل الذي يفاجئنا باحلامه واشواقه وابتكاراته‏,‏ واذن فمن الخير لي ان اراجع انا موقفي من قصيده النثر‏,‏ التي يري الاستاذ العالم انها قد استقر لها اليوم حق المواطنه في الشعر الانساني والعربي‏,‏ باعتبارها امتدادا واضافه ابداعيه‏,‏ فاذا لم تكن مستوياتها ومعاييرها قد استقرت في مصر‏,‏ فيجب ان نسهم في تنميتها كفصل جديد في ديوان شعرنا العربي‏.‏

وفي اعتقادي ان المبررات التي ساقها الاستاذ العالم لا تستطيع وحدها ان تمنح قصيده النثر حق المواطنه في ادبنا‏,‏ قصيده النثر او غيرها من الاشكال الادبيه الجديده‏,‏ هي التي يجب ان تنتزع لنفسها حق المواطنه في ادبنا‏,‏ حين تنجح كنص في اثبات نسبها للشعر العربي وجدواها كعضو عامل في عائله الادب العربي‏,‏ اما ان يكون المبرر هو وجودها في اداب الامم الاخري‏,‏ فهو ليس مبررا كافيا‏,‏ لان الادوات الشعريه في كل لغه تنبع منها وتتصل بتاريخها‏,‏ والوزن في بعض اللغات ومنها العربيه واليونانيه القديمه‏,‏ وزن كمي‏,‏ في حين انه في معظم اللغات الاوروبيه الحديثه كيفي او نبري‏,‏ والقافيه في القصيده العربيه الكلاسيكيه واحده‏,‏ اما في الاداب الاخري فهي متعدده‏,‏ ولكل وزن في الشعر الاوروبي استخدامات خاصه واغراض متعارف عليها‏,‏ فالبحر السكندري مثلا للاغراض البطوليه الجليله‏,‏ والايامب للهجاء‏,‏ والاغراض الاجتماعيه اليوميه‏,‏ اما في الشعر العربي فالقصيده الموزونه من بحر واحد قد تتضمن اغراضا مختلفه‏,‏ والبحر الواحد يستخدم في المدح والهجاء والحماسه والغزل والبكاء علي الاطلال‏,‏ وهذا هو المعني الذي قصدته من كلامي عن خصوصيه الايقاع في الشعر العربي‏.‏

اما ان يكون مبرر المطالبه لقصيده النثر بحق المواطنه‏,‏ هو حداثتها الزمنيه‏,‏ فهذا ليس ايضا مبررا كافيا‏,‏ لان التطور الادبي لا يسير دائما في خط مستقيم متقدم كما يحدث في العلم مثلا او في التكنولوجيا‏.‏
من الموكد ان الاجيال الجديده من السيارات‏,‏ والطيارات‏,‏ والصواريخ‏,‏ والاقمار الصناعيه افضل من الاجيال القديمه‏,‏ لكن ليس موكدا ان اغاني هذه الايام وقصائدها وقصصها ومسرحياتها وافلامها وفكرها ونقدها افضل مما كان في الاجيال السابقه‏.‏

ومن الموكد ان الصنعه الفنيه تتطور مع الزمن‏,‏ لكنها لا تنتج دائما انتاجا افضل‏,‏ والاداب والفنون تزدهر في عصور النهضه الروحيه‏,‏ لكن هذا الازدهار ليس مطردا‏,‏ شعر صدر الاسلام ليس افضل من الشعر الجاهلي‏,‏ والعصور المسيحيه لم تحقق في خمسه عشر قرنا ما حققه اليونان قبلها في بضعه قرون‏.‏
وربما ادت الحميه الدينيه او السياسيه الي الازدراء بالروائع القديمه او تدميرها وتفضيل الانتاج المعاصر‏,‏ الذي لا يتميز الا بولاء اصحابه للسلطه الجديده وشعاراتها‏,‏ كما فعل الشيوعيون المتحمسون في اعقاب الثوره الروسيه‏,‏ وكما يفعل الطالبان في افغانستان الان‏.‏

وبعد‏,‏ فقد طرح الاستاذ العالم في رسالته اسئله جوهريه لا استطيع ان اتجاهل ايا منها‏,‏ ولاشك في ان الحوار حولها سيطول‏.‏

 

 

نقلاً عن جريدة الأهرام

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا