ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

أحمد عبد المعطي حجازي - مصر

في البدء كان الايقاع‏!‏
أحمد عبدالمعطي حجازي - مصر

 

يبدا الحديث الذي اجرته مجله اخبار الادب‏,‏ مع جابر عصفور حول قصيده النثر وما قلته فيها بدايه مستفزه‏,‏ فالعنوان المقتبس من اقواله يقول الذوق الادبي في مصر ضد التجديد‏!!,‏ وعلامات التعجب ليست من عندي‏,‏ اما مقدمه الحديث فيقول فيها المحرر‏:‏ ان الاشهر الاربعه التي قضاياها جابر عصفور استاذا في جامعه هارفارد كانت فرصه اتاحت له ان يتامل الحياه الثقافيه المصريه عن بعد‏,‏ ليعود بعدد من الانطباعات‏,‏ اهمها اننا لا نمضي علي سنه التطور‏,‏ وانما نستعيد معارك مضي اوانها وحسمت منذ زمن بعيد‏!‏
ومن الواضح انه يقصد بالعباره الاولي عامه‏,‏ المثقفين المصريين‏,‏ فيتهمهم بالجمود وعدم التطور‏,‏ علي حين يقصدني بالعباره الاخيره‏,‏ او يقصد ما قلته عن قصيده النثر التي يعتبرها مساله حسمت منذ زمن بعيد‏,‏ لكني عدت لاثارتها من جديد‏,‏ اما هو الذي اتيحت له الفرصه لكي يقضي اربعه اشهر في جامعه هارفارد‏,‏ فقد شفاه الله من هذه العله‏,‏ التي يشقي بها مواطنوه‏!‏

وفي اعتقادي ان جابر عصفور لم يكن في حاجه ماسه لعبور بحر الظلمات‏,‏ والتغرب اربعه اشهر في بلاد العم سام ليكتشف ان الذوق الادبي في مصر ضد التجديد‏,‏ وقد راينا من قبل انه ليس اول نطاسي يفتح الله عليه بهذا الكشف الخطير‏,‏ وانما سبقه للكلام عن تخلفنا وجمودنا اخرون‏,‏ ذكرت منهم امثله في مقالتي السابقتين‏,‏ اما عني انا بالذات‏,‏ فجابر عصفور يعلم ان رايي الاخير في قصيده النثر ليس جديدا‏,‏ وانما اعلنته مرات من قبل‏,‏ وشرحته في هذه الصحيفه قبل بضع سنوات‏,‏ وضمنته كتابا من كتبي هو احفاد شوقي‏,‏ واذن فالمقدمه التي سبقت الحديث لم تكن ضروريه‏,‏ وهي باختصار شديد اعلان عن ان جابر عصفور قضي اربعه اشهر استاذا في جامعه هارفارد‏,‏ او هي تحذير للقاريء الذي يمكن ان يختلف مع المتحدث‏,‏ او يخالجه الشك فيما يقول‏,‏ لان الذي يتاح له العمل في جامعه هارفارد اربعه اشهر كامله‏,‏ لا يقول الا حقا‏,‏ ومادام جابر عصفور يقول عني انني اناقش قضيه لم يعد هناك اي مبرر لمناقشتها‏,‏ لان قصيده النثر كانت موجوده منذ الاربعينيات‏,‏ وظهرت في نفس الوقت الذي ظهرت فيه قصيده التفعيله‏,‏ فهي بالفعل قضيه قديمه محسومه‏,‏ وانا اناقش ما لا يحتاج لمناقشه‏,‏ ومع ان قصيده النثر ظهرت منذ اكثر من نصف قرن‏,‏ فهي لم تزدهر في مصر الا في السنوات الاخيره‏,‏ ومع انها القصيده السائده في مصر الان حسب اعتقاده‏,‏ فالكثير باعترافه ليس شعرا حقيقيا‏,‏ و‏90%‏ منها ليس قصيده نثر‏!‏

تصوروا‏!‏ كل هذه المفارقات المدهشه‏,‏ ومع ذلك فالقضيه في نظر جابر عصفور لا تحتاج الي مناقشه‏,‏ لان قصيده النثر موجوده بالفعل‏,‏ كان وجود الشيء يمنع من مناقشته‏!‏ ولانها نوقشت من قبل‏,‏ فلا ينبغي ان نعيد سوالا سبق طرحه‏!‏
وانا اعرف ان القضايا الادبيه لا تسقط بالتقادم‏,‏ ولا يغلق فيها باب النقاش ابدا‏,‏ وهل هناك اقدم من قضيه الالياذه والاوديسه‏,‏ التي زعم بعض مورخي الادب ان بيزاستراتوس حاكم اثينا القرن السادس قبل الميلاد اضاف اليهما اناشيد لم تكن في النصوص الاصليه‏,‏ وهناك من انكر وجود هوميروس ونسب الملحمتين الي شعراء اخرين معروفين او مجهولين‏,‏ ولقد ظهرت هذه الشكوك اول ماظهرت في الاسكندريه البطلميه‏,‏ ثم نسي اليونانيون والعالم كله هوميروس وملاحمه طوال العصور الوسطي‏,‏ حتي اعيد اكتشافه في عصر النهضه‏,‏ فعادت الشكوك تخالج العلماء من جديد في الملحمتين وفي مولفهما الحقيقي‏,‏ ومع ان الاجماع يكاد ينعقد علي صحه نسبه الملحمتين الي هوميروس‏,‏ فلم يقل احد لاحد ان القضيه محسومه‏,‏ فلا مبرر لمناقشتها‏,‏ وكما فعل هيدلان‏,‏ وبيرو في قضيه الملاحم اليونانيه‏,‏ فعل طه حسين في الشعر الجاهلي‏,‏ فناقش مساله الانتحال‏,‏ وعبر عن شكه في الوجود التاريخي لاكثر الشعراء الجاهليين‏.‏

فاذا كان حسم الخلاف فيما يتصل بالوقائع والتواريخ صعبا‏,‏ فالحسم اصعب في مسائل الراي والذوق والتقويم‏,‏ وانا لم انكر علي المدافعين عن قصيده النثر دفاعهم عنها‏,‏ فكيف ينكر علي جابر عصفور دفاعي عن الشعر الموزون‏,‏ وهو اقل اثاره للدهشه واكثر مظنه للاتفاق؟ واذا كانت قصيده النثر قد ظهرت في الاربعينيات كما يقول والواقع انها ظهرت قبل ذلك فلماذا لم نحس بوجودها الا في السنوات العشر الاخيره؟ واذا كانت هي القصيده السائده الان كما يدعي‏,‏ فلماذا كان معظم ما ينشر منها لا علاقه له بالشعر؟
جابر عصفور لا يري المفارقه الموجوده هنا‏,‏ او يراها منطقيه‏,‏ فالذوق الادبي في مصر يرفض التجديد‏,‏ والطبيعه المصريه ساكنه ثابته‏,‏ ولهذا لم تزدهر قصيده النثر الا متاخره‏,‏ ولهذا ايضا لم يفلح معظم الذين كتبوها في كتابتها‏,‏ اما لان قصيده النثر صعبه وضوابطها داخليه‏,‏ واما لان المصريين بطبيعتهم ضد التجديد‏,‏ وقد سبق لهم ان رفضوا الشعر الحر او قصيده التفعيله كما يسميها جابر عصفور‏,‏ وقف العقاد ضد حريه الشاعر في ان يكسر اللغه ويخرج عليها‏!‏

ومن الموسف ان يتبني جابر عصفور هذا التفسير السلبي البعيد عن الصواب‏,‏ والتفسير الصحيح اقرب له واوفي‏,‏ فلماذا لا يكون العيب بكل بساطه في قصيده النثر وليس في الطبيعه المصريه؟ ولماذا لا تكون مقاومته لها طوال القرن الماضي دليلا علي حيويته وحصانته‏,‏ بدلا من ان تكون دليلا علي جموده وعداوته للتجديد؟ وبالتالي لماذا لا يكون ازدهار قصيده النثر الان‏,‏ والمقصود رواجها‏,‏ عرضا من اعراض المرض الذي هاجم البلاد فتحول بعضهم الي مطربين لا علاقه لهم بالطرب‏,‏ وبعضهم الي صحفيين لا علاقه لهم بالصحافه‏,‏ وبعضهم الي نواب في البرلمان‏,‏ وبعضهم الي اساتذه في الجامعه‏,‏ وبعضهم الي فقهاء وائمه‏!‏
وجابر عصفور يقع في التناقض دون ان يحس‏,‏ لانه وهو ياخذ علينا مناقشه مساله سبق طرحها‏,‏ يقول ان قصيده النثر ظهرت مع قصيده الشعر الحر فكانتا ثورتين متوازيتين‏,‏ لكنه وهو يفسر تعثر قصيده النثر وبطاها‏,‏ يقول ان الذوق المصري محافظ‏,‏ مع ان هذا الذوق الذي رفض قصيده النثر‏,‏ هو الذي قبل قصيده الشعر الحر‏,‏ التي فرضت وجودها علي الجميع منذ اواخر الخمسينيات‏,‏ وهذا هو السوال الذي لم يستطع جابر عصفور بتفسيره الجاهز ان يجيب عليه‏,‏ لماذا قبل المصريون قصيده الشعر الحر‏,‏ مع انها كانت ثوره جذريه علي التقاليد الشعريه الموروثه‏,‏ ورفضوا قصيده النثر؟‏!‏

نقول له انهم رفضوها لانهم لم يجدوا فيها من الشعر ما يبرر اعتبارها قصيده‏,‏ وانت تعترف انت نفسك بان اكثر ما يكتب فيها رديء‏,‏ فيقول لك من الطبيعي جدا ان يكون هناك الكثير من الرديء في قصيده النثر‏,‏ لان قصيده النثر ضوابطها داخليه‏!‏
وهذا كلام مغلق لا معني له‏,‏ فما هو المقصود بالضوابط الداخليه؟ الادوات عامه‏,‏ ام شروط النوع التي تجعل الشعر شعرا والنثر نثرا؟ سواء كانت الاولي او الاخري‏,‏ فكل الضوابط في الادب والفن داخليه‏,‏ لانها ابنيه وقوانين‏.‏

وربما اعتقد جابر عصفور ان الوزن الذي يتميز به الشعر عن النثر اضافه من الخارج‏,‏ او ثوب علي جسد القصيده العاري‏,‏ او زينه شكليه‏,‏ والحقيقه ليست كذلك علي الاطلاق‏,‏ فالوزن ماده بنائيه في الشعر‏,‏ وهو لون من الوان المجاز‏,‏ لان الكلام العادي له خاصيتان‏:‏ ان معانيه مباشره مطابقه‏,‏ كما تشير اليه‏,‏ وان اصواته حره غير مقيده باي نظام‏,‏ ومن هنا كان الكلام الشعري لغه تودي وظيفه جماليه مختلفه عن الوظيفه العمليه‏,‏ التي توديها اللغه العاديه‏,‏ وتتميز بميزات خاصه تغير طبيعتها‏,‏ فمعانيها مجازيه‏,‏ واصواتها موزونه‏.‏
ولقد ظننت ان جابر عصفور يقصد بالعباره السابقه شيئا لم يوضحه كما ينبغي‏,‏ لكني فوجئت في فقره تاليه بكلام له عن العروض‏,‏ يدل دلاله قاطعه علي ان معلوماته فيه لا تسمح له باي كلام واضح عنه‏.‏

يقول لا فض فوه‏!‏ وهو يتحدث عما يكتبه محمد الماغوط من قصائد النثر وهي موزونه علي مستوي الاسباب والاوتاد‏,‏ اذ ان تكرار اسباب واوتاد معينه يخلق نوعا من الايقاع الذي يمكن ان تلحظه العين لا شعوريا؟‏!‏
هل هناك خلط اشنع من هذا الخلط؟ قصيده النثر نثر‏,‏ اي غير موزونه‏,‏ لكنها موزونه في الوقت نفسه‏,‏ لان فيها اسبابا واوتادا تتكرر فتخلق نوعا لانعرفه من الايقاع‏,‏ والايقاع قيمه صوتيه‏,‏ لكن هذه القيمه الصوتيه تلحظها العين عملا بقول القائل العين تسمع والاذن تري‏!,‏ ومع ان العين عضو من اعضاء الجسد وحاسه من الحواس الخمس‏,‏ فهي تلحظ الايقاع لاشعوريا‏!‏ فبالله عليكم كيف يمكن لناقد مسئول ان يقول هذا الكلام‏,‏ وكيف يمكننا ان نفهمه؟

ان الاسباب والاوتاد والفواصل التي نسيها جابر عصفور هي المقاطع الصوتيه التي تتالف منها كلمات اللغه‏,‏ فالسبب حركه وسكون مثل في او حركتان مثل لم؟‏,‏ والوتد حركتان فسكون مثل علي‏,‏ او حركه فسكون فحركه مثل قال‏,‏ ثم تاتي الفاصله وهي ثلاث حركات وسكون‏,‏ او اربع حركات وسكون‏,‏ وتلك هي المقاطع الصوتيه التي يتالف منها الكلام العربي‏,‏ فانت اذا قلت لاحدهم مثلا كيف حالك؟ فقد استخدمت وتدا وسبيين‏.‏ او قلت له لا تهرق بما لا تعرف فقد استخدمت ثلاثه اسباب‏,‏ ووتدا‏,‏ وثلاثه اسباب اخري‏,‏ واي ثرثره في مقهي واي هذيان اسباب واوتاد‏,‏ وحتي النباح اسباب واوتاد‏,‏ لكن هذه الاسباب والاوتاد لا تشكل ايقاعا الا اذا تتابعت بنظام معين‏,‏ كما صنع العقاد في رثائه لكلب صديقه طاهر الجبلاوي حيث قال‏:‏

حزنا علي كلب طاهر ........................ فانه طاهر الكلاب
تشابها في خليقه ............................ واتفقا شيمه الصحاب
وربما عي طاهر ............................... وكلبه حاضر الجواب
عو عو عوووو بلا وني ..................... ولا انقطاع ولا اقتضاب

فانتم ترون ان نباح الكلاب ايضا ليس الا اسبابا مثل عو‏,‏ واوتادا مثل عوو‏,‏ لكن هذا النباح لا يشكل ايقاعا الا اذا نظمه شاعر كالعقاد‏,‏ فالايقاع هو تتابع المقاطع الصوتيه علي نحو معين‏,‏ كما تتابع الضربات القويه والضربات الضعيفه علي الطبل او الدف‏,‏ والايقاع في النهايه هو الحركه الموزونه بالذات‏,‏ او انتظام الزمن وتواليه‏.‏
وقد قرات للاستاذ محمود امين العالم كلاما يربط فيه بين الايقاع كما شرحته‏,‏ وايقاع البداوه وحركه سير الابل علي رمال الصحراء‏,‏ وهو ربط يوحي بان الايقاع قيمه بدويه لا مكان لها في الحضاره الحديثه‏,‏ وهذا ايضا كلام غريب‏,‏ لان الزمن موجود في كل مكان‏,‏ وحركته المنتظمه تتمثل في الطبيعه والحياه العصريه‏,‏ كما تتمثل في سير الابل‏,‏ توالي الليل والنهار‏,‏ وتعاقب الفصول الاربعه‏,‏ ونبضات القلب‏,‏ وايقاعات العمل والراحه‏,‏ وهل يعتقد الناقد الكبير ان ايقاع محركات الطائره مثلا اقل انتظاما من ايقاع خطي الابل في الصحراء؟ موكدا انه اسرع واشد توترا‏,‏ لكنه ليس اقل انتظاما‏,‏ والانتظام اذن شرط اساسي لوجود الايقاع‏,‏ والا فهو خبط عشوائي مضطرب لا يختلف عن النبض المضطرب الذي تصاب به بعض القصائد فتموت‏,‏ من هنا كان الموسيقي الالماني هانز فون بيلو يقول‏:‏ في البدء كان الايقاع مقتبسا ما جاء في العباره الاولي من سفر التكوين في البدء كان الكلمه‏,‏ والكلمه هي الروح‏,‏ فالروح هي اول الخلق‏,‏ والايقاع مثلها اول الابداع‏,‏ اول الشعر‏,‏ واول الموسيقي‏,‏ بل هو اول اي فن علي الاطلاق.

نقلاً عن جريدة الأهرام

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا