ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

فاروق شوشة - مصر

هل هي مؤامرة ثقافية ؟‏ 2
فاروق شوشة - مصر

 

عبر كل مقالاتي علي صفحات الاهرام‏,‏ لم يحدث مقال منها ما احدثه المقال الذي كتبته متسائلا‏:‏ هل هناك موامره ثقافيه؟ ويبدو ان حدس القاريء الفطري‏,‏ وصفاء توجهه‏,‏ قد جعلاه يفطن منذ السطور الاولي للمقال الي ان ثمه موقفا معلنا في مواجهه كثير من سلبيات حياتنا الثقافيه الراهنه‏.‏ في موجهه اختلال المعايير‏,‏ وفساد الذمم والاحكام‏,‏ وتخلي اصحاب المسئوليه عن مسئولياتهم‏,‏ وايثار بعضهم السلامه‏,‏ وبعضهم الاخر الغنيمه التي يضمنها السكوت او المسايره‏,‏ وخلط الصالح بالطالح‏,‏ والاصيل بالمدعي‏,‏ والجمع بينهما احيانا عن عمد او عن جهل في سله واحده‏,‏ مما انتج غيبه للنموذج الذي يبحث عنه الناس‏,‏ وافتقادا للقيم التي طالما سادت حياتنا الثقافيه والابداعيه‏,‏ جيلا بعد جيل‏.‏
لذا‏,‏ فاني لم ادهش لردود الفعل الواسعه لما اشرت اليه مجرد اشاره دون ان ادخل في جوهره وتفاصيله وحيثياته‏,‏ وتعريه رموزه وممثليه‏,‏ ردود فعل تتمثل في عشرات الرسائل وعشرات المكالمات‏,‏ ومن خلال اللقاءات المباشره‏,‏ وكانما قد وضعت يدي علي جرح نازف‏,‏ او دخلت منطقه محظوره يعشش فيها البوم والغربان‏,‏ تخيف من يقترب منها بالويل والثبور وعظائم الامور‏,‏ او كان المصالح المشتبكه لمن عنيتهم في مقالي المذكور قد صنعت سياجا محكما لا يمكن اختراقه‏,‏ او تعاقدا مقدسا لا فكاك منه‏,‏ علي الممارسه الخاطئه‏,‏ والفعل اللااخلاقي‏,‏ وترويع الناس بالباطل‏.‏
والمدهش لي حقا‏,‏ انه لم يغب عن كثير من المتابعين والمشاركين في جوهر حياتنا الثقافيه والادبيه‏,‏ اولئك الذين قصدتهم وعنيتهم بالكلام‏.‏ بل لقد بلغت الفطنه بالبعض الي حد تحديدهم باسمائهم وبنماذج ونقول من كتاباتهم وشواهد من مواقفهم المرتبكه‏.‏ وكنت اقول لهولاء ولا ازال انهم ليسوا مجرد ناقد واحد او مدع واحد او افاق واحد‏,‏ انها جوقه كامله‏,‏ تتساند ويتكيء بعضها علي بعض كالحائط المتداعي عندما يستند الي ما يجاوره وهو احوج الي ما يقيم طلبه‏,‏ وهم يشبهون معابد انس الوجود في قصيده شوقي الجميله عندما كان يتملها الذعر من الغرق في اليم ويقصد به النيل العظيم قبل ان يتم انقاذها بواسطه حمله اليونسكو ورفعها من مكانها الي اعلي الهضبه‏,‏ عندما قال‏:‏
قف بتلك القصور في اليم غرقي
ممسكا بعضها من الذعر بعضا
لكن هولاء الذين اشرت اليهم ليسوا قصورا ولا حتي اكواخا‏,‏ انهم اطلال متداعيه‏,‏ يمسك بعضهم بعضا من الذعر‏,‏ لانهم يعلمون علم اليقين ان ما يشيعونه من باطل هو الي نهايه محتومه‏,‏ وان ما يروجون له بدا الناس ينصرفون عنه ويتركونه خلف ظهورهم‏,‏ وان ذائقه المتلقي لم تعد تبالي بهذه الحيل والالاعيب التي مارسوها كالحواه لانها لا تنطلي عليه‏,‏ ولانهم بدلا من ان يقيموا جسورا بين القاريء والابداع‏,‏ قطعوا ما تبقي من جسور‏,‏ وجعلوا من اللغه وسيله انقطاع لا اتصال‏,‏ وتباهوا بان القاريء محتاج الي تدريب واعاده تثقيف وتنشئه‏,‏ ثم هم قد ادركوا ان ادعاء الحداثه وهي منهم براء لم يعد يفيد في بناء قبه من فوقهم‏,‏ فليس تحت القبه شيخ‏,‏ وانما خواء تعوي فيه الريح وتصفر‏,‏ وعناكب مهوسه لا تنسج الا خيوط الحقد والدس والتامر‏.‏
حقيقه الامر اذن اني كنت انتقد استخدام الخطاب الحداثي كمجرد قشره خارجيه وطلاء سطحي لاثبات ان المتشاعرين شعراء وان الصعاليك انبياء‏,‏ وان الافاقين من مرتزقه الحياه الادبيه هم اصحاب طريقه ومتصوفه‏,‏ بينما هم يعيشون بطريقه كل واشكر ولا يفهمون من الحداثه الا انها تلك اللغه غير المفهومه التي اذا اصطنعوها لانفسهم اصبحوا من نجوم العصر وفرسانه‏,‏ وحشروا في موائد الموتمرات والتجمعات والمهرجانات‏!‏
ولقد ظن البعض من اعداء الجده والحداثه والخروج علي المالوف ومغايره السائد الذي تاسن وتعفن‏,‏ اني بهذا الذي اقوله ضد مدعي الحداثه‏,‏ قد اصبحت معهم اقاتل في صفوفهم واحمل راياتهم وانتسب الي فكرهم وتصوراتهم‏.‏ وليس الامر كذلك‏,‏ فانا بريء من تزمتهم وسلفيتهم وتقوقعهم وجمودهم داخل مفاهيم ميته متحجره ولغه فارغه جوفاء ومزاعم باطله خلفها التطور وراءه منذ قرون‏.‏ ولست ممن يرضون لانفسهم بهذا التصنيف الذي يجعلني واحدا من المشدودين للوراء‏,‏ نموذجه ومثله الاعلي في الماضي‏,‏ ونظرته الي تراثه يقينيه تقديسيه‏,‏ وخروجه عليه او نقده او تاويله مروق وفسوق‏.‏
لنعد اذن الي الموضوع الاساسي وقضيتنا الاساسيه‏.‏ ولنمعن النظر فيما حولنا علي طريقه‏:‏ انظر حولك‏,‏ لعلك تري مثلي علي سبيل المثال ناقدا له حضوره علي الساحه وزحام مشاركاته وخصوبه انتاجه‏,‏ لا يانف من ان يحشر شاعرا ضئيل الحظ من الموهبه‏,‏ في سياق شعراء كبار متميزين يتحدث عنهم ويحلل تجليات ابداعهم‏,‏ هو لايدري انه بهذا الخلط قد اساء الي معياره في الاختيار‏,‏ وان جمعه بين الاصيل والزائف قد القي بالشك علي ذوقه وذائقته ووعيه ومسئوليته النقديه‏,‏ فان كان واعيا بما يفعل‏,‏ ويمارسه عن عمد متطلعا الي منفعه عاجله او اجله‏,‏ او بلغه الصحافه الان التلميع والمساحه الاوسع من الضوء وملاحقته علي مستوي الاخبار حتي لو كانت اجتماعيه لا علاقه لها بالثقافه او الادب والصور المنشوره والصفحات الموجهه‏,‏ مثل هذا الناقد لا ينتبه الي ان سقطه واحده يرتكبها حين يكتب او يتحدث عن احد الادعياء او الكذبه من محترفي فرض الذات او الملحين في مطارده النقاد فيكتبون عنهم في اخر الامر للتخلص من الحاحهم او لنفاد صبرهم هو لا يتنبه الي ان سقطه واحده تدين كل كتاباته السابقه عن اصحاب المواهب الحقيقيه‏,‏ وتدمغه بالانتهازيه وانعدام المستوي وسهوله التاتي وكذب الخطاب النقدي‏,‏ وهو مثال لعينه واحده من بعض نقاد هذا الزمان‏!‏
ثم لعلك تري مثلي علي سبيل المثال ايضا واحدا من هولاء المدعين المزيفين عديمي الموهبه‏,‏ موهبته الحقيقيه هي شبكه علاقاته العامه الواسعه‏,‏ عربيا ودوليا‏,‏ يخطط ليله ونهاره للمشاركه في ملتقيات ومهرجانات‏,‏ فان لم توجد خطط لكي يستضاف‏,‏ وهو مستعد للدفع الفوري والسداد قبل الاستضافه وبعدها‏,‏ الذين استضافوه سوف يصبحون نجوم صفحاته‏,‏ وصورهم ستصاحب اخبارهم المستمره والمكرره والمقرره‏,‏ وتبادل المنفعه بينه وبينهم هو اساس مثل هذه العلاقه المشبوهه الملتبسه بلغه الحداثيين وهو موجود ومتحقق عند هولاء الاخرين في خارج بلده بفعل الالحاح والتكرار باكثر مما هو موجود في وطنه‏,‏ ولايكاد يعرفه الا من معه في دائره علاقاته وتطلعاته‏,‏ والادهي انه يلبس مسوح المبشرين والمصلحين والشرفاء‏,‏ والشرف منه براء‏,‏ ويحاول ان يقنع بعض المهيئين للاقتناع به عطفا او شفقه او طمعا او مسايره‏,‏ لكي يبشروا بابداعه الذي لايسبق ولا يلحق‏,‏ وفتوحاته التي تفوق في روعتها الفتوحات المكيه ولغته الشعريه التي تنقل القاريء الي المواقف والحالات انتقالا من مقام الي مقام‏,‏ ومن مرتبه صوفيه الي اخري‏.‏ والامر كله لايعدو كونه اكذوبه كبري‏,‏ وحمله متقنه من التزوير والخداع والتضليل‏,‏ بالتواطو والافساد العمد‏,‏ فاذا نبهت بعض هولاء الي ما في كتابات هذا الدعي من لغه هشه مضطربه‏,‏ وايقاع مختل‏,‏ واخطاء لا يقع فيها المبتدئون‏,‏ هزوا رءوسهم اول الامر بالموافقه خجلا واعترافا ثم لم يلبثوا ان استدركوا بكلمه لكن التي تتحدث عن الكشوف والفتوح العرفانيه والمواجيد الصوفيه والاعماق الباطنيه‏,‏ وهو ايضا مثال واحد لبعض مدعي هذا الزمان‏!‏
فاذا ما وصلت الي قدس اقداس هولاء الانتهازيين من مدعي الحداثه‏,‏ لان الحداثه كما قال ادونيس هدم وبناء‏,‏ هدم للسائد والمالوف الاسن وبناء لروي جديده وابداعات جديده وتجاوز مستمر‏,‏ لان الحداثه شرطها الا تقف‏,‏ وان تتجاوز نفسها باستمرار‏,‏ اما هم فلا يجيدون الا الهدم واشاعه الفوضي‏,‏ فهم بدايه التاريخ‏,‏ وبدايه الابداع‏,‏ وبدايه الوعي‏,‏ وكل ما سبقهم موت وعدم يستحق التشييع والدفن‏,‏ اذا ما وصلت الي قدس اقداس هولاء المدعين وهي قصيده النثر‏,‏ التي لم تسلم تسميتها من الاعتراف بانها نثر فانت تهيج عليك عش الزنابير كما يقال‏,‏ وانت مصنف علي الفور في قائمه الرجعيين والسلفيين والتقليديين والخارجين عن وعي عصرهم وحساسيته وحداثته‏.‏ فاذا ما سالتهم عن القانون الذي يحكم شعريه هذه القصيده النثريه غمغموا بما لايفهم‏,‏ واجابوك بان قانونها في ذاتها‏,‏ فاذا ما سالتهم وكيف تقيمون هذا الكلام وتفرقون فيه بين ما هو اصيل وما هو زائف ابلسوا ولم يجيبوا‏.‏ فان قلت ان كل فن ادبي له مرجعيته النابعه منه وقانونه الذي بدونه ينفرط العقد ويصبح كلاما سائبا لا يحكمه نظام‏,‏ اي نظام‏.‏ يجيبون بان اللانظام هو النظام‏,‏ وان قصيده النثر ثوره علي مايسمي بالنظام‏,‏ وان النظام اطار رجعي وتصنيف سلفي تقليدي وخروج عن الحداثه التي تمثلها قصيدتهم‏.‏ فاذا ما شكا القاريء من انه لايفهم فذلك لقصور في ادراكه ووعيه وذائقته‏,‏ واذا ما افتقد الاحكام الفني‏,‏ والايقاع الداخلي‏,‏ والتوتر الشعري فلانه لم يعتد هذا المستوي الجديد من الكتابه‏,‏ لابد له من خبره وتدريب طويلين‏,‏ والغريب ان يكون بعض المشايعين لهذا الخلل نقادا يتمسحون بالحداثه وجوهرهم سلفي تقليدي نعرف نحن كيف تكون‏!‏
انا شخصيا من اشد المومنين بحريه الابداع وحريه التجريب‏,‏ وبانه لا وصايه علي الابداع مهما كانت الحجه او الاسباب‏.‏ وبان من حق اي مبدع ان يقول كلمته بالصوره التي يريدها ويتخيرها لنفسه‏,‏ بشرط ان يقنعنا ويدهشنا ويستثير فضولنا ومخزون خبراتنا وتجاربنا ويضعنا في حاله الفعل الشعوري الموازي لفعل الابداع وحميا النشوه التي يحدثها الفن الراقي الجميل‏.‏
ولقد شغل كثيرون بمحاوله استنبات قصيده النثر في ارض عربيه وتراث عربي ومن خلال كتابات ونماذج عربيه سابقه‏.‏ فاشاروا الي كتابات التوحيدي ومواقف النفري ومخاطباته وكتابات الرافعي وجبران وحسين عفيف وترجمات مطران وغيرها من الكتابات باعتبارها الاصول الاولي لقصيده النثر‏.‏ تماما كما شغلنا من قبل بان القصه القصيره في ادبنا الحديث اصلها المقامه وان الروايه اصلها الف ليله وليله وحديث عيسي بن هشام‏,‏ لكني اري ان قصيده النثر لا علاقه لها بهذا الموروث كله الذي اشرت اليه والذي لم اشر‏.‏ لنعترف بانها فن غربي وافد نستنبته بكل الحرص والجهد والنجاح مره والاخفاق مرات وانها ضرب من الكتابه الابداعيه يختلف تماما عن كل الكتابات القديمه المشابهه‏,‏ وان هناك بونا شاسعا بين كتابات محمد الماغوط وهو احد رواد قصيده النثر وعلاماتها البارزه وكتابات مصطفي صادق الرافعي او جبران‏.‏ بونا نوعيا ومساحه للمغايره‏,‏ لذا فنحن حين نطالع كتابات الماغوط يلفحنا وهج الشاعريه‏,‏ ونستشعر الحضور الحار للشعريه‏,‏ ونهتز للايقاع الداخلي‏,‏ ونري ان للكلام شكلا وصيغه وصوره‏,‏ وانه ليس مجرد كلام منثور كالعقد الذي انفرطت حباته‏,‏ وانما هو بناء محكم له اصوله وله قانونه الذي لابد لنقاد قصيده النثر ان يكشفوا عنه وان يفصلوا القول فيه ليدلوا الاخرين علي الطريق‏.‏
يقول الشاعر السوري محمد الماغوط‏:‏


تحت مطر الربيع الحار
انتقل من مدينه الي مدينه
وحقائبي مليئه بالجراح والهزائم

تحت مطر الربيع الحار
اسير يا حبيبتي
وصدرك الشبيه بشجره التفاح العاريه
يظللني كدخان القطارات
لقد ودعت الكثيرين
ودعت بلادي
وسهولها المحترقه في الليل
هجرت رفاقي
والدم ينزف من صدورهم وانوفهم
ولم اتنهد
كنت اغرد كاليمامه فوق الجبال
اتثاءب في ماتم الشهداء
واحدق في اثداء الامهات والثكالي
ايتها الطفله المدببه كالرمح
لن انسي ما حييت
وجهك المغطي بالدموع
يوم افترقنا علي ناصيه الشارع
واوراق الخريف تتساقط علي معطفك الصغير
ولم تنظري الي
كنت تلتفتين الي الوراء
عيناك مليئتان بالدموع
وشعرك مسترسل كشعر الفرسان المقهورين‏!‏

هكذا اودك ياحبيبتي
زهره‏,‏ او يمامه في عنق الريح
اتقهقر بلا رويه علي تلال الحبر
واهدابك الجميله
تنحني علي صفحتي كعبيد في المراكب
ولا كلمه للطفله الغريبه
للعيون المتدفقه كالريح
انني اري كل شيء‏:‏
الاشرعه والرعد
القمر والريح والدماء
ونوافذ الشجون المطفاه عند الغروب
اري كل شيء
الا جديلتيك الحبيبتين‏!‏

اود ان اهيم فوق جسدك الصغير
واسحقه كالورده
ان ارفعه بيدي كبندقيه صغيره فوق التلال
فاهدئي بجواري
ايتها الطفله الغائبه
الفراش بارد ومظلم
ونهداك عصفوران من الجمر‏!‏

لا امل الاستشهاد بهذا النموذج من شعر محمد الماغوط دلاله علي المستوي الرفيع لقصيده النثر‏,‏ هناك ايضا كتابات كثيره لادونيس وانسي الحاج وشوقي ابي شقرا وسيف الرحبي وسركون بولس وغيرهم‏,‏ اين منها كتابات الادعياء الذين لايعرفون قديما ولا جديدا‏,‏ ولا يبدعون قصيده شعر ولا قصيده نثر‏,‏ لكنهم والحق يقال يمتلكون الجراه علي مهاجمه الاخرين الذين يضعونهم في حجمهم الحقيقي ويكشفون لهم عن ضحالتهم وضالتهم‏,‏ والصفاقه التي تجعلهم يزاحمون بالمناكب الشعراء الحقيقيين‏,‏ حتي لو كان الامر بالارهاب‏,‏ وبعض منهم رفع شعار الحداثه المظلوم‏!‏ وكان الحداثه يمكن ان تعترف بهذا المسخ المشوه الذي يكتبونه ويسمونه قصيده نثر‏,‏ وفاتهم ان الحداثه الحقيقيه كشفتهم حين قدمت نماذجها الطليعيه الداله ومنجزاتها ذات الوهج الحقيقي والفعل المستمر قصيده النثر اذن في نماذجها الرفيعه وتجلياتها الكبري‏,‏ رافد من روافد حركه الشعر العربي المعاصر‏,‏ تثريها وتغذيها وتتحاور مع سائر الروافد والنماذج والصيغ والاشكال‏.‏ لكنها ليست بديلا للتيار الاساسي في هذا الشعر‏,‏ ليكن لها بهاوها وجدتها وتميزها وتجاوزها‏,‏ كل هذا مقبول ومفهوم‏,‏ اما ان يروج لها البعض بوصفها القصيده البديله فهذا امر مضحك لا تدلل عليه امكانياتها الراهنه ولا نماذجها القليله النادره في مقياس التجاوز والتفرد والنبوغ‏.‏ لسوف يظل الاحتياج الغريزي الفطري في الوجدان الانساني الي الايقاع والنغم الي الاهتزاز الموسيقي المصاحب للغناء احتياجا اساسيا لا يلغي ولا يستغني عنه‏,‏ بدء من هدهده الطفوله حتي وثبات الصبا والشباب وصولات الفتوه واكتمال النضج في الرجوله والانوثه‏,‏ يظل الايقاع في الدم والشرايين‏,‏ وفي التفاتات الجسد وانطلاقات الروح‏,‏ واهتزازات الصبوه وجيشان الرغبه وفوران الشهوات والتطلعات‏,‏ لذا‏,‏ فان ادونيس كان اسرع الي تدارك الامر حين اعلن جنايه قصيده النثر التي يكتبها امثال هولاء المدعين علي الشعر الحقيقي‏.‏ هل اغرت سهولتها الشكليه وتخففها من قيود الوزن العروضي كثيرا من عديمي الموهبه فاقتحموا المجال وافسدوا بعملتهم الرديئه سوق الشعر؟ وهل ساعد بعض مدعي النقد تماما كمدعي الشعر علي الترويج لهذه البضاعه الفاسده في نماذجها الهابطه والخاليه من ماء الشعر كما كان يقول طاهر ابوفاشا لعلهم يقنعون الناس بها بالكثره والتكرار والالحاح؟ وهل عدم معرفه هذا الصنف من النقاد باوزان الشعر واعاريضه هو الذي جعلهم يتبنون قصيده النثر لانها لا تتطلب وعيا بالموسيقي والاوزان‏,‏ وحتي لا يتكشف عجزهم عن قراءه قصيده حقيقيه‏!‏
وهل هو التمرد والغضب والاحباط وانهيار ما كان يسمي بالطبقه الوسطي‏,‏ طبقه الوعي والتنوير والحلم بالامل‏,‏ وسقوط المجتمع في قبضه طبقه تملك كل شيء وطبقه مطحونه لا تملك شيئا‏,‏ هو الذي حدا بهولاء الشباب الي الجناح الشعري والجنوح الي قصيده النثر والثوره علي ما الفه الناس؟
اننا في مجال الحديث عن موامره ثقافيه نملك دائما من الاسئله اكثر مما نملك من الاجابات‏!

نقلاً عن جريدة الأهرام

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا