ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

أحمد عبد المعطي حجازي - مصر

التنس الحر‏،‏ والتنس الموزون‏!
أحمد عبدالمعطي حجازي - مصر

 

المشكله في الحوار حول الشعر انه ان بدا لا يكاد ينتهي‏,‏ لان الشعر كغيره من الفنون ليس مجرد ماده للمعرفه الموضوعيه التي يمكن الاتفاق حولها‏,‏ ولكنه فن لا نستطيع ان نقف منه موقفا محايدا كما نفعل ازاء المواد التي نحللها في المعمل‏,‏ وانما نعرف الشعر ونحن نتذوقه ونتاثر به وننفعل ونعطيه من انفسنا كما اعطانا من نفسه‏.‏
والشعر بالذات يولف بين مادتين لكل منهما طبيعه خاصه ووظائف مختلفه‏,‏ وهما اللغه والموسيقي‏..‏ اللغه وسيله للتفاهم فهي تجسد افكارنا‏..‏ وتوضحها وتنقلها للاخرين‏,‏ والموسيقي تجسد انفعالاتنا واشواقنا الجسديه والروحيه وترد لنا الشعور بوحده كياننا‏,‏ وبقدر ما نطلب في اللغه ان تكون واضحه دقيقه نافعه مشتركه‏,‏ نطلب في الموسيقي ان تكون مطربه فاتنه مثيره‏.‏

والشعر يجمع بين خصائص المادتين فجسده من اللغه‏,‏ وروحه من الموسيقي‏,‏ وبقدر ما هو فن شائع لانه فن لغوي‏,‏ فهو فن ذاتي غامض لانه فن موسيقي‏,‏ من هنا يبدا الحوار حوله ولا يكاد ينتهي‏.‏

قصيده النثر بين الشطح الصوفي ولعبه التنس
عزيزي الشاعر الكبير احمد عبدالمعطي حجازي
اطيب تحيه وبعد‏,‏
شكرا لما اتحته من فكر وجهد ومساحه مكانيه وزمنيه في ركنك الاسبوعي الثقافي لمناقشه قصيده النثر‏,‏ ولما اتحته لي من مساحه في هذا الركن لاعرض ما اختلف فيه معك حول هذه القضيه‏,‏ كما اشكرك واحييك علي روح الموده والدماثه التي اتسمت بها معالجتك لما بيننا من اختلاف في الراي والرويه‏,‏ ولعلي اري انك في مقالاتك الاربع الاخيره قد استكملت رويتك لهذه القضيه‏,‏ بل ازعم انك قمت بتطوير هذه الرويه او علي الاقل اضفت اليها وضوحا وعمقا بما يكاد ان يقيم بيننا جزئيا ارضا مشتركه لتقويم هذه الظاهره الشعريه‏.‏ علي اني اري ان مزيدا من الوضوح النظري لاوجه الاختلاف بيننا ما يزال واجبا اخلاقيا ومعرفيا ضروريا ازاء الادباء والقراء عامه المهتمين بهذه القضيه‏,‏ وساقصر كلمتي الاخيره هذه علي تحديد مفهوم الايقاع الذي هو جوهر الخلاف والاختلاف الباقي بين رويتينا‏,‏ فما هو مفهومك للايقاع والانتظام عامه والشعري خاصه‏,‏ كما جاء في مقالاتك الاربع الاخيره؟ انك تعرف الايقاع في مقالتك الاولي بانه تتابع المقاطع الصوتيه علي نحو معين‏,‏ وانه الحركه الموزونه بالذات‏,‏ وهو انتظام الزمن وتواليه‏,‏ وفي مقالك الاخير توكد ان الشرط الجوهري الذي يتميز به ايقاع الشعر وهو انتظام الزمن وتواليه‏,‏ وان الانتظام هو العنصر الذي نستطيع ان نقيسه ونحسبه اساسا في ايقاع الشعر وان الايقاع في الشعر علي حد قول كوهين في كتابه المشهور يعتمد علي الترجيع لانه حركه منتظمه متواليه كما تقول انت نفسك ان الاقاع في كل فن توازن وحركه وتردد وانسجام واعود الي مقدمه كتابك الصغير الجميل عن الشعر في مملكه الشعر فاقرا قولك ولاشك عندي في ان الوزن هو العمود الفقري للايقاع والذي يقول ان الشعر يمكن ان يعتمد علي المجاز وحده لا يختلف عمن يقول ان الشعر هو الكلام الموزون المقفي ص‏16‏ مكتبه الاسره وتاسيسا علي هذا تنكر يا استاذ حجازي علي قصيده النثر شعريتها وتحرمها حق المواطنه في الشعر وتعتبر رايك هذا اجتهادا من جانبك في فهمها‏!‏ وتاكيدا علي هذا تقول موجها الحديث الي‏:‏ان هناك شيئا لا يستطيع العالم‏!‏ ان يثبته هو وجود الايقاع في قصيده النثر لان قصيده النثر نثر لا يوجد فيه ايقاع‏.‏

هذا هو تعريفك يا استاذ حجازي للايقاع والانتظام عامه والشعري خاصه‏,‏ وهو تعريف جامع مانع علي حد قول المناطقه اختلفت فيه معك واري انك اخذت تختلف معه كذلك في مقالتيك الاخيرتين وتتمسك به في الوقت نفسه‏!‏ والحقيقه البسيطه للغايه التي حاولت ان اوضحها لك في مقالي السابق ان هناك فرقا بين الوزن مع تنوع بحوره ووحداته المتكرره واختلافها‏,‏ وبين الايقاع والانتظام نعم يا استاذ حجازي‏,‏ كما سبق ان اكدت لك‏,‏ ان الوزن المحدد زمنيا وحسابيا بوحداته المتواليه هو ايقاع وانتظام‏,‏ ولكن هناك من الايقاعات والانتظامات ما يخرج عن هذا التحديد والقياس الزمني الحسابي وليس في هذا القول كما تنسب الي ما يتضمن او يعني الحكم بالعيب او السلبيه او الجمود او الاليه علي تاريخ الشعر العربي كله لانه التزم بالايقاعات والانتظامات الوزنيه المحدده‏!.‏
فلقد تنوع وتجدد وتطور وابدع الشعر العربي طوال تاريخه المجيد في اطار هذا الايقاع نفسه طوال المراحل المختلفه للتاريخ السياسي والاجتماعي العربي منذ العصر الجاهلي والي اليوم‏..‏ وانت نفسك يا استاذ حجازي خرجت علي هذا الايقاع علي نحو ارحب واغني واكثر طواعيه علي التشكل الحر كما تقول في مقالك الاخير بحق‏,‏ ولكن كما تقول كذلك مع احترامك للشرط الجوهري الذي يتميز به ايقاع الشعر وهو انتظام الزمن وتواليه؟‏!‏ وذلك لانك في اطار مدرسه الشعر الحديثه لم نلتزم بالبحور التقليديه وقوافيها وانما اتخذت من التفعيله الواحده اي وحده من وحدات هذه البحور قاعده ايقاعيه سميت هذه المدرسه الشعريه الجديده باسمها‏..‏ وهكذا لم تخرج هذه المدرسه الحديثه عن مفهومك للايقاع الشعري عامه‏,‏ باعتباره الانتظام المشروط بالقابليه للقياس والحساب القائم علي التماثل والتوازي والتكرار لوحداته المختلفه‏,‏ وما اري انني اسئ الظن بك يا عزيزي حجازي عندما اقول انك تدافع عن هذا المفهوم للايقاع الشعري‏,‏ فالقضيه هنا لا تتعلق بحكم قيمه بل بحكم واقع‏,‏ ولا تتضمن‏,‏ كما توحي بعض كلماتك حكما بافضليه الشعر الخالي من الايقاع الوزني والشعر الحديث عامه علي التراث
الشعري القديم‏,‏ او الدعوه كما تقول الي القطيعه مع الروائع القديمه وتدميرها كما فعل الشيوعيون المتحمسون في اعقاب الثوره الروسيه‏!‏ وكما يفعل الطالبان في افغانستان الان‏,‏ فهذا مره اخري خلط وتخليط‏,‏ ان القضيه في جوهرها يا استاذ حجازي هي ان الايقاع والانتظام في الشعر لم يعد يقتصر علي الايقاعات الوزنيه التقليديه او علي احاديه التفعيله مع كل الاحترام والتقدير للابداع في اطارهما والاستمتاع به‏,‏ انما هو اعمق من ذلك‏,‏ وفي تقديري انك انت نفسك يا استاذ حجازي قد تجاوزت هذه الحدود الوزنيه في مقالك‏,‏ الثاني المعنون الايقاع هو الشاعر تجاوزا جزئيا كما اشرت في بدايه مقالتي هذه وذلك بقولك‏:‏ان الايقاع لا يمكن ان يكون وحده والا علي شيء وانما يكون نشيطا وخاملا‏,‏ بطيئا وسريعا‏,‏ جامدا او طيعا‏,‏ متجددا متنوعا او رتيبا مكرورا بما تدل عليه الكلمات التي تتجسد فيها فبهذا اخرجت الايقاع من مجرد وزنيته الخالصه باضافه دلاله الكلمات اليه بل وطريقه قراءه الشعر نفسها التي لصديقنا الدكتور مصطفي ناصف اهتمام خاص بها‏,‏ بل اري كذلك انك تجاوزت كذلك مفهومك العام للايقاع تجاوزا اكثر عمقا بقولك في مقالك الاخير ان الايقاع موجود في النثر وموجود في الفنون التشكيليه‏,‏ ولكنه ايقاع يختلف عن الايقاع الموجود في الشعر لان عناصره ليست متماثله وغير منتظمه‏,‏ معني هذا ان هناك ايقاعات غير تماثليه وغير منتظمه في الفنون التشكيليه بل في الموسيقي الحديثه‏,‏ كذلك علي حد تعبير الاستاذه الدكتوره سمحه الخولي في حديثها معي عن دعوه سترافنسكي الي موسيقي ذات ايقاعات هادره غير منتظمه‏!.‏

واذا صح هذا في مجال الفنون التشكيليه والموسيقيه وغيرها‏,‏ فلماذا لا يصح كذلك في الشعر وبخاصه انه اصبح ظاهره قائمه منتشره بالفعل؟‏!.‏
لهذا احرص علي تذكيرك يا استاذ حجازي في تراثنا الفكري والنقدي القديم من تفتح منهجي ومعرفي في تقييم الشعر‏.‏ دعك من رفض الشاعر ابي العتاهيه للعروض وان كان لموقفه هذا دلاله في عصره‏..‏ واكتفي ببعض الامثله لضيق مجال الكتابه في ركنك الثقافي هذا‏,‏ فالفارابي يقول ان جوهر الشعر وجوهره عند القدماء هو ان يكون مولفا مما يحاكي الامر‏,‏ وان يكون مقسوما باجزاء في ازمنه متساويه ثم يقول‏:‏وهي ليس بالضروره قوام الشعر وجوهره وانما هي اشياء يكون بها الشعر افضل‏.‏ ويقول الفارابي كذلك ان الجمهور وكثيرا من الشعراء يرون ان القول اذا كان مولفا مما يحاكي الشعر ولم يكن موزونا بايقاع فليس يعد شعرا‏,‏ ولكن يقال هو قول شعري فاذا وزن مع ذلك وقسم اجزاء صار شعرا علي اننا مع حازم القرطاجني من نقاد القرن السابع الهجري ومحمد قاسم السجلماسي من نقاد القرن الثامن الهجري نجد رويه اعمق للشعر‏,‏ فعمود الشعر عندهما هو التخييل‏,‏ والتخييل هو المحاكاه والتمثيل بدون حكم بالصدق او الكذب‏,‏ والتخييل عندهما‏,‏ هو السمه الجوهريه التي تكسب القول صفه الشعر ويليها الوزن والقافيه في الاهميه‏,‏ ولهذا يشتركان في تعريف الشعر بانه التخييل والاستفزاز اي التاثير وال
فاعليه‏,‏ في المتلقي‏,‏ هذا ما كان من بعض اجتهادات نقديه في مفهوم الشعر منذ قرون بعيده في تاريخنا الادبي‏,‏ فاين منها هذا الموقف القاطع الرافض ان يمنح قصيده النثر او القول الشعري ربما علي حد تعبير الفارابي حق المواطنه الشعريه في عصرنا برغم انها اصبحت في قلب الواقع الشعري العالمي والعربي اردنا ام لم نرد؟‏!.‏
لقد ارتضيت يا استاذ حجازي ان تسمي قصيده النثر بالنثر الغنائي كما اقترح الصديق الاديب يوسف الشاروني‏..‏ واحسب ان العزيز يوسف كان يشير بهذه التسميه الي ديوانه المساء الاخير الذي استمتعنا بالاستماع اليه منه منذ نصف قرن‏,‏ وكان ارهاصا في تقديري بقصيده النثر‏,‏ ولعله كان يشير ضمنا كذلك الي التجربه الرائده الشعريه للصديق الاديب بدر الديب المسماه حرف الح التي اعدها تجسيدا رائدا رفيع المستوي لقصيده النثر هذه الظاهره الشعريه التي لا تعني القطيعه مع تراثنا الشعري ذي الايقاع الوزني في الماضي او الحاضر او المستقبل‏,‏ وانما هي كما ذكرت في مقالي السابق فصل جديد في ديوان الشعر العربي يحتاج الي مزيد من الاستيعاب النقدي والتنميه الابداعيه‏.‏ ولهذا تصورت يا عزيزي حجازي انك اخذت تقترب من التقييم الايجابي لهذه الظاهره الشعريه وخاصه انك في مقالتيك الاخيرتين لم تعد تقصر الايقاع علي مفهومه الوزني الحسابي القياسي‏,‏ اللهم الا في الشعر‏,‏ ولكنك رايت ان هناك نثرا شعريا‏,‏ علاوه علي تحريرك للايقاع والانتظام من حدود التماثل والتكرار والقياس الزمني رغم تنوع اشكاله واختلافها

وتمييزك الواضح بين الانتظام التماثلي والانتظام غير التماثلي كما في فنون النثر والفن التشكيلي مثلا‏,‏ ولهذا لم يعد مفهوم الايقاع عندك هو في كل فن توازن وحركه وتردد وانسجام الي غير ذلك‏.‏ وبرغم هذا اراك يا استاذ حجازي في نهايه مقالك الاخير تنتقل‏,‏ لا ادري هل من باب السخريه او من باب الجد الذي يختفي وراء السخريه التي لا مجال لها تنتقل من الحوار الموضوعي حول مفهوم الايقاع في التعبير الشعري الي تبرير اعتبار بعض الادباء المصريين ان ايقاع الشعر ترجمه لايقاع الكون وحركه الافلاك وربط هذا بالتجربه الصوفيه والرقص الصوفي الذي يتيح لارواح الراقصين الطيران تحقيقا للشوق للاتحاد بالعالم‏!‏
حقا‏,‏ يا عزيزي حجازي ان العالم الاكبر كما يقول الشاعر ينطوي فينا نحن الجرم الاصغر‏..‏ ومع ذلك يختلف ايقاع حركه التصوف الاسلامي ليس فقط بينها وايقاع حركه الكواكب والنجوم كما تقول‏,‏ بل بين الاتجاهات والتعابير الصوفيه المختلفه‏,‏ ولولا ضيق المجال في ركنك الثقافي‏,‏ ولولا ان هموم الشطح السياسي السلبي في امتنا العربيه هذه الايام تشغلني عن هذا الشطح الصوفي الابداعي لبينت لك اختلاف ايقاع الشطح الصوفي بين احاديه وحلوليه الحلاج ووحدويه العالم عند ابن عربي وجساره المفارقات الحاده في الخبره الصوفيه الغنيه عند النفري فاسمح لي يا عزيزي حجازي ان اجتزئ الكثير مما احب اضافته لاعود الي همنا الايقاعي لاقول لك‏:‏ ان هذه الظاهره الشعريه قصيده النثر هي جزء من ظاهره ثقافيه اكبر في عصرنا الراهن‏,‏ فلقد اصبح الايقاع في مختلف اشكال التعبير الادبي والفني والعلمي اكبر من مجرد تكرار مطرد لوحدات قياسيه متساويه حسابيا وزمنيا‏,‏ ولقد تمرد فن التصوير علي قاعده وزنيه هي قاعده المثلث الذهبي‏,‏ فقامت التاثيريه والتعبيريه والتكعيبيه والسيرياليه‏,‏ والكولاج الي غير ذلك

وخرجت العماره الجديده من التجانس والتوافق والسيمتريه الي عماره ما يسمي بها بعد الحداثه‏,‏ وتنوعت ابنيه الابداع الروائي السينمائي والمسرحي وخرجت عن حدود التنميه الطوليه المنتظمه لاحداثها وشخصياتها‏,‏ واصبح حساب الاحتمالات ومبدا عدم اليقين وقانون الفوضي والخيوط الوتريه من الابنيه التكوينيه للنظريه العلميه اليوم في مجالي الفيزياء والرياضيات دون ان تخرج عن حدودها العلميه الموضوعيه‏.‏ وكذلك قصيده النثر‏.‏ انها كما كررت فصل جديد في ديوان الشعر العربي علاوه علي العالمي يتطلع الي مزيد من القدره المعرفيه والتعبيريه والحريه والنقديه والابداع‏,‏ ولهذا اذا كان من حق الشاعر الامريكي روبرت فروست في زمانه‏,‏ ان يتمسك بان يلعب التنس عبر الشبكه كما تقول يا استاذ حجازي في مقالك قبل الاخير‏,‏ رافضا التنس الحر اقصد الشعر الحر‏,‏ ففي ايامنا هذه يمكنك يا عزيزي حجازي ويمكن لمن يشاء من الشعراء ان يلعبوا التنس عبر شبكه الاوزان‏,‏ ومن حقهم كذلك ان يلعبوا بدونها علي ان المهم يا استاذ حجازي الا يقف خبراء وكبراء لعبه التنس الوزني ضد لعبه التنس النثري ويدفعوها خارج الملعب الشعري‏!‏

مع عميق تقديري وخالص مودتي
محمود امين العالم

نقلاً عن جريدة الأهرام

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا