ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

البرق الحجازي في بيروت محتويًا أربعين قصيدة

ناصر الدين الأسد: البرقُ الحجازي ديوانٌ سهلٌ لا تكلُّف فيه

على العبَّادي: باشراحيل يجدِّد في أوزان الشِّعر وهو مرآةٌ لنفسه

 

ندوة - هونج كونج - 18 يوليو 2008

      

"البرق الحجازي".. أحدث مجموعة شعرية صدرت للشاعر الدكتور عبد الله باشراحيل عن "دار العلم للملايين" في بيروت. المجموعة تضمُّ أربعين قصيدةً من الشِّعر العمودي، مسبوقةً بـ "تحية تقدير لشاعرٍ نبيلٍ" كتبها الدكتور ناصر الدين الأسد، والتي رأى فيها أن "عبد الله باشراحيل شاعر يعطي شعره بسخاءٍ من ذَوْب عاطفته ومن ذات فكره وخياله، فيبادله شعره عطاءً بعطاءٍ وسخاءً بسخاءٍ، فينساب بين جنباتِ هذا الديوان سهلاً لا تكلُّف فيه، تقرأ القصائد فتحسُّ بما تمتلئ به نَفْسُ الشَّاعر من صفاءٍ".

 

كما أن المجموعة الشعرية الجديدة لعبد الله باشراحيل مسبوقة أيضًا بتقديم للعَّلامة السعودي على بن حسن العبَّادي يرى فيه أن عبد الله باشراحيل شاعرٌ مبدعٌ "قادرٌ على تصوير ما يشعر به من ألمٍ، يقضُّ مضجعه إذا ما أصابت حوادث الزمان أهله وأصدقاءه وأصحابه".

 

ولفت العبادي الانتباه إلى استخدام باشراحيل شواذ البحر البسيط الذي سمَّاه – كما يقول – أبو العلاء المعري "الرجَز"، يقول العبادي "وقد استدعت هذه القصيدة اهتمامي، لوزنها الذي لم يتطرَّق إليه شاعرٌ قط من شعراء العصر الحديث:

قل للدموع قفي       فالصَّبرُ خير وَفِي

إلفَـان ضمَّهما       نبضٌ من الشَّغفِ

"ويخالف العروضيون أبا العلاء المعري، في هذا الوزن، إذ يسمّيه بعضهم: (البسيط المنهوك) ويسميه آخرون (السَّريع) أو (مجزوء السريع)، ويهجره الشعراء، حتى يأتي الشاعر المبدع عبد الله باشراحيل فيكتب قصيدته الرثائية، ويختار لها هذا الوزن المهجور، ويأتي بها في حلَّةٍ قشيبةٍ، أَرْبت أبياتها على عشرين بيتًا. مُزِيدًا "فالشاعر الأصيل عبد الله باشراحيل، يؤلِّف النغم بحسٍّ وإداركٍ، فيأتي وقعه في السَّمع جميلاً بديعًا، ويحمل الجرس الموسيقي".

 

وفي تقديمه أكد العلامة علي العبَّادي أنَّ في شعر عبد الله باشراحيل فيضًا روحانيًا يتجلَّى لنا والشواهد الروحانية في شعر باشراحيل كثيرة لا يحدها حصر، فهي متفرقة في دواوينه التي بلغت (اثنين وعشرين) ديوانًا، منذ بدأ هذا الشَّاعر المكي الكندي يتنفس الشعر؛ ليعبر عما يدور في خاطره، فيصوِّر لنا بشعره، ما يقع تحت حسه، وخلجات نفسه، فيأتي لنا بالسحر الحلال.. والشاعر عبد الله باشراحيل هو مرآة نفسه، ومنارة عصره، وشعره هو الشعر بجماله وخياله، ومجمع الوزن والموسيقى".

 

والمجموعة الشعرية الجديدة التي حملت اسم "البرقُ الحجازيُّ" - وهو عنوان إحدى قصائد الكتاب - تحفل بشعر الحكمة الذي يجيده باشراحيل استمرارًا للدرب القديم الذي اختطه المتنبي وأبو تمَّام وسواهما، ومن النادر ألا نجد في قصائد الديوان أبياتًا يمكن أن تكون "بيتَ القصيد" أو أبيات القصيد، تصير مثلاً سائرًا، أو حكمةً تَبْقَى تشير إلى ثقافة الشاعر، وخبرته، وحنكته، وممارسته الشعرية، ومعرفته العميقة بتراثه الشعري القديم:

"وأنَّ الصَّمـتَ عذرٌ للرَّزايا        متى اعتادت على الجورِ الأنامُ

وما خوفُ الأنيسِ من المنايا        وحتـف العالمين هـو الحِمام"

 

وهذا الاشتغال على الحكمةِ كبنيةٍ ومفهومٍ وهدفٍ في شعر عبد الله باشراحيل نراه في قصيدة "الحظ"، والتي هي من أبرز قصائد المجموعة (تسعة أبيات فقط)، لما اتسمت به من بساطةٍ عميقةٍ، واختيارٍ للبحرِ، يتناسبُ مع حالة الشاعر النفسية، وكذا القافية:

"إنْ ضاقتِ الأرضُ منا بالذي وَسِعَتْ       فما يضيقُ كريمٌ طَبْعُهُ الرَّفْدُ

وقـد يُؤَخِّرُ حـظُّ المَرْءِ فـي غدِهِ        حتَّى يَظُنَّ بِأَنْ قد فَاتَهُ الوَعْدُ".

 

وفى المجموعة الشعرية "البرق الحجازي" لعبد الله باشراحيل قصيدتان هما "الغِلُّ" و"حاملو الأسفار" تُعدَّان "بيانًا" للشَّاعر حول شعره، وتجربته الشعرية، وسيرته ومسيرته، وكيف يفهم الشعر نظرًا وتطبيقًا، مُقْتَدِيًا فيهما بشعراء العربية القدامى في التعبير عن رؤاهم للشعر ومفاهيمهم عن الكتابة:

"أزودُ بالشِّعْرِ عن قومي وعن وطني".

 

وربما تكون هذه المجموعةُ من أكثر مجموعات باشراحيل الشعرية تناولاً للإسلام والعروبة، ومفاهيم القومية والوطنية.

 

إن قارئَ هذه المجموعة – وكل شعر عبد الله باشراحيل – يلحظ مدى الصلةِ العميقةِ والمتينةِ بين الشَّاعر وإرثه الشعري العربي على مدى عصور الشعر العربي منذ الجاهلية، وهذا وَاضِحٌ في لُغَتِهِ وأخيلته، وتراكيبه وأوزانِهِ، وبنائِهِ لجملتِهِ الشعريةِ التي تتحرَّر من الجمود والتكرار.

 

وفي هذه المجموعة لا يستدعي أجداده صراحةً، إلاَّ مرَّةً واحدةً عندما يذهبُ إلى الشاعر دعبل الخزاعي إِذْ يُضَمِّن قصيدته "القَرم" بيتين من شعره وهما:

"فلـو أنـي بُليت بهاشميٍّ          خـؤولتُهُ بَنُو عبد المـدانِ

صبرتُ على عداوتِهِ ولكنْ          تعالي فانظري بمن ابتلاني"

 

والحكمة في شعر باشراحيل فنيةٌ جماليةٌ وليست نصحيةً إرشاديةً أو وعظيةً، إذْ هي آتيةٌ من أو صادرةٌ عن ذاتٍ شعريةٍ مُجَرِّبةٍ، متأمِّلةٍ بصيرةٍ بالعالم، وكثير من شعر الحكمة لدى باشراحيل سيبقى طويلاً، وأقترح أن يجمع شِعْرَ الحكمة في كتابٍ خاص مُخْتَارٍ من نصوصه الشعرية، حيث تَفَرَّقت أبياتُ شعر الحكمةِ – وهي كثيرةٌ – في كتبهِ الشعريةِ، إذْ يبرعُ في شعر الحكمةِ والأمثالِ وكثير من أبيات شعره تسير مسرى المثل، يمكن الاستشهادُ بها والتدليلُ، وقد جاءت من خلال مهارةِ الشَّاعرِ مُعَبِّرةً عن آلامِ وآمالِ وطموحاتِ وأحلامِ ومشاغلِ ومشاعرِ وأوجاعِ البَشَرِ:

"فصوت الخوف يقرعُ كُلَّ قلبٍ     ولـو أنَّا كثيـرٌ كالجــرادِ

ونـؤخَذُ غيلةً ونمـوتُ قهرًا ونار الغدر من تحت الرمادِ"

 

ونقرأ أيضًا في قصيدة "يا ليل":

ويا "ليلُ" مـا كلُّ القلوب أمينةٌ      كقلبِ محبٍّ يجمـعُ النُّبـلَ والرِّفقا

ويا "ليلُ" ما الدنيا إذا لم يكن بها    وفـاءُ خـليلٍ للنوائــبِ يُسْتَبْقَى؟

ويا "ليلُ" قد يهوى الفؤادُ بملحةٍ     وقد يُرزقُ السَّاهي وما قصد الرِّزقَا

لعلَّ بلـوغَ المرء للسَّعد والهنا      يكونُ إذا ما أحسن القـول والنُّطْقَا"

 

وباشراحيل يعرفُ أن هناك ثلاث أمم اشتهرت بالحكمة وهم: العرب والهنود واليونان، ولذا تجد الحكمة في شعره متنوعةً ومختلفةً، وإن كان القرآنُ الكريمُ يأتي كمصدرٍ أساسيٍّ، وكذا السنّة النبوية، ثم الشِّعر العربي خصوصًا العصر العباسي الذى اشتهر شعراؤه بالحكمة، إذ كانت أكثر شيوعًا وانتشارًا من أيّ عصرٍ آخر وامتازت بفنيّةٍ عالية.

 

فالقصيدة العمودية أو الكلاسيكية في رأي الشاعر عبد الله باشراحيل هي قصيدة الحكمة التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: "إن لمن الشعر لحكمه وإن من البيان لسحرا"، فباشراحيل يعي تمامًا أن شعر الحكمة غرض من أغراض الشعر الجاهلي وكانت الحكمةُ ظاهرةً عند الأعشى وزهير بن أبي سلمى. ولعلَّ الموتَ والاعتبارَ والعِشْقَ أيضًا قد زاد من قدر الحكمة في شعر باشراحيل، إذْ جاءت الحكمة بشكلٍ عفويٍّ فطريٍّ دون تَكَلُّفٍ أو تَصَنُّعٍ، تدلُّ على أن باشراحيل على علمٍ واسعٍ بِحِكَمِ العربِ وأمثالهم.

 

يقول الشاعر في قصيدته "السوسنة" من مجموعته "البرق الحجازي":

"حَذارِ من العِشْقِ إن الجوى         لَهُ سطوةُ الموجِ إذْ يعتلي

وما الغيدُ إلا نسـيمُ الصِّـبَا        لرجعِ ربيعِ الصِّبا الأوَّلِ

فمـا حيلتـي والهوى قاتلي        وكيف النجاةُ من المقتل؟"

 

ويقول فى قصيدته (عمري):

"وحبُّ الغيدِ ميراثٌ قديمٌ     وقلبٌ لا يحبُّ شبيه صَخْرِ

حياةٌ كُلُّ ما فيها ارتقابٌ     وخيل الدَّهرِ فـي كرٍّ وفرِّ"

 

ومن قصيدته "خَمْرَهْ وجمرهْ" نقرأُ:

"والغـدرُ يأنفـهُ            مـن نفسـهُ حُرَّة

والطُّهـر يألُفُـهُ            الأحـرارُ بالفِطرهْ

لا يُرْتَجَى قَـدْرٌ             مـن فاقِـدِ القُدْرهْ

مـن يدّعي علمًا            فَلْيَلْتَمِـسْ نَشْـرَه

فالزّيفُ ميـلادٌ             للسُّـوءِ والعـبْرهْ

فالعصرُ ذو سَفَهٍ            والنَّاسُ فـي غمرهْ

إنَّ الخَنَى دومـًا            يَسْقِي الأَسَى وِزْرهْ".

 

ويمكن أن يُقال عن بعضِ قصائد "البرق الحجازي" إنَّها قصائد ذات الأمثال لكثرةِ ما فيها من حكم وأمثال تفكِّر بروائع شعرِ الحكمةِ في تراثنا الشعري العربي. وحتى قصائد الهجاءِ والرثاءِ لدى باشراحيل لا تخلو أيضًا من شعر الحكمة. إذْ تفيضُ الحكمة في أكثر شعره.

 

فهو ينطلق في الحكمة بمثل قوله:

"فلا عجــبٌ لمغرورٍ تجنَّى وباع النُّبلَ في سوق السِّفاح

وما الديم السِّحاحُ بغير سُحْبٍ وما لقحُ السَّحابِ بلا ريـاحِ

ولا مـن قال قولا قال شعرًا       وما عِرْصُ القريضِ بِمُسْتَبَاحِ

ولكـنَّ الغـباءَ عمـاءُ عَقْلٍ       يُضِلُّ جــويهلاً عِنْدَ الجَماح

يَظُنُّ الغرّ أن الشِّعْرَ ســهلٌ وأن الخمــرَ كالماءِ القُرَاحِ

ومن عَدِمَ المواهب ما ارتقاها       ولا طيرٌ يطــيرُ بلا جَنَاحِ

وصوتُ البوم والغربان يُضْني      وما مِثْلُ البلابلِ في الصداحِ

ونـارُ اللهِ للكـفَّار عـــدلٌ      سيصلاها المجانبُ للصَّلاحِ".

 

كأن عبد الله باشراحيل وهو يكتب شعر الحكمة، يسرتجع الآية القرآنية الكريمة "يؤتي الحكمة من يَشَاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا" (سورة البقرة 269). ومعنى الحكمة شعرًا ونثرًا الإصابة في القول والفعل، والحكمة لدى باشراحيل خلاصةُ تجربةٍ ومعاناةٍ ونظرةٍ إلى الكونِ والعالمِ، وقدرةٌ نافذةٌ لبصيرته، والشاعرُ الحكيمُ مُلَهْمٌ وَرَاءٍ وفاتحٌ لأبوابٍ. وكاهنُ القبيلةِ وعَرّافُها، وَتُتَوِّجُ الحكمةَ شِعْرَهُ.

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا