ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

محمود درويش - فلسطينأثر الفراشة ، كتاب جديد لمحمود درويش

 

ندوة - هونج كونج

 

يسميه الشاعر (يوميات) ويذكر انها كتبت بين (صيف 2006 وصيف 2007). ولا شك ان هذا تواضع، اذ بمقدوره ان يضع كتابه هذا في خزانة الشعر. لأنه ينطوي علي شعر، بالمعني التجنيسي للكلمة. فهناك قصائد قصيرة كاملة الأوصاف. قصائد قصيرة، ذكية، محكمة، تراقب، بتأمل، عالم الذات وعالم الواقع، وتحمل بصمة الرقة والسهولة والتدفق التي يعرفها شعر درويش بصرف النظر عن (الموضوع) الذي يتصدي له. كما كان بامكان الشاعر ان يسمي كتابه (تأملات) بدلاً من (يوميات) التي تحيل الي نوع محدد من الكتابة يعمد اليها المرتحل او الكاتب لتدوين ما رآه او مرَّ به من وقائع وما سمعه من اخبار.
هناك حيرة، لا شك، حول (جنس) هذه الكتابة دفعت درويش الي اختيار (تبويب) لا ينطبق كثيراً علي مادة كتابه. والحيرة من فضائل محمود درويش، مثلها مثل القلق الوجودي والابداعي الذي يعبر عنه نتاجه في العقدين الأخيرين. ليس علينا ان نلتزم بما يسمي به محمود درويش كتابه. لأن الكتاب يعطينا الحق في اختيار تسميات اخري، كما ان القراءة تمنحها حق موضعة النصوص في التصنيف الذي نرغبه. يمكنني ان اسمي شعره شعراً ونثره قصائد نثر، لا يوميات. وفي ظني ان درويش اقترب، في (يومياته) هذه اكثر من اي مرة اخري من قصيدة النثر بالمعني الغربي للكلمة. اي القصيدة ذات الكتلة النثرية العريضة، التي لا تأنف من الوصف والاخبار والتأمل والتداعي، مستخدمة النثر، بوصفه وسيطاً يومياً ونبيلاً، علي حد تعبير صبحي حديدي.
هناك في (اثر الفراشة) قصائد نثر حقيقية ترتدي قناع (اليوميات) المراوغ، وقد سمحت لنا هذه القصائد (او هذا النثر) ان نعرف درويش اكثر، ان نعرف افكاره اكثر، ان تتسلل آراء وتصورات وشظايا سيرة شخصية وأحلام وكوابيس لم تكن تتراءي لنا من قبل.
هنا نصوص من (اثر الفراشة) التي خصتنا بها دار رياض الريس للنشر قبل صدور الكتاب المتوقع في 31كانون الأول (ديسمبر) المقبل ليواكب معرض الكتاب في بيروت.
 

المحرر الثقافي
 

البنتُ / الصرخة

علي شاطيء البحر بنتٌ. وللبنت أَهلٌ
وللأهل بيتٌ. وللبيت نافذتان وبابْ...
وفي البحر بارِجَـةٌ تتسَلَّي
بصَـيْــدِ الـمُشَاة علي شاطيء البحر:
أَربعَةٌ، خَمْسَةٌ، سَبْــعَةٌ
يسقطون علي الرمل، والبنتُ تنجو قليلاً
لأنَّ يداً من ضبابْ
يداً ما إلهيَّـةً أَسْعَفَتْها، فنادتْ: أَبي
يا أَبي! قُمْ لنرجع، فالبحر ليس لأمثالنا!
لم يُجِبْــها أبوها الـمُسَجَّي علي ظلِّهِ
في مهبِّ الغيابْ
دَمٌ في النخيل، دَمٌ في السحابْ

يطير بها الصوتُ أَعلي وأَبعدَ مِنْ
شاطيء البحر. تصرخ في ليل بَرّية،
لا صدي للصدي.
فتصير هي الصرخةَ الأبديَّـةَ في خَبَرٍ
عاجلٍ، لم يعد خبراً عاجلاً
عندما
عادت الطائرات لتقصف بيتاً بنافذتين وبابْ!

ذباب أَخضر

اَلمشهد هُوَ هُوَ. صيفٌ وعَرَقٌ، وخيال
يعجز عن رؤية ما وراء الأفق. واليوم
أفضلُ من الغد. لكنَّ القتلي هم الذين
يتجدّدون. يُولَدُون كُلَّ يوم. وحين يحاولون
النوم يأخذهم القتلُ من نعاسهم إلي نومٍ
بلا أحلام. لا قيمة للعدد. ولا أَحد
يطلب عوناً من أحد. أصوات تبحث عن
كلمات في البرية، فيعود الصدي واضحاً
جارحاً: لا أَحد. لكن ثمَّـةَ من يقول:
من حق القاتل أن يدافع عن غريزة
القتل . أمَّا القتلي فيقولون متأخرين:
من حق الضحية أن تدافع عن حَـقِّها في
الصراخ . يعلو الأذان صاعداً من وقت
الصلاة إلي جنازات متشابهة: توابيتُ
مرفوعةٌ علي عجل، تدفن علي عجل... إذ لا
وقت لإكمال الطقوس، فإنَّ قتلي آخرين
قادمون، مسرعين، من غاراتٍ أخري. قادمون
فُرَادي أو جماعات... أو عائلةً واحدةً لا
تترك وراءها أيتاماً وثكالي. السماء رماديَّةٌ
رصاصية، والبحر رماديٌّ أزرق. أَمَّا لون
الدم فقد حَجَبَتْهُ عن الكاميرا أَسرابٌ من
ذباب أَخضر!

كقصيدةٍ نثريّة

صيفٌ خريفيٌّ علي التلال كقصيدةٍ نثرية. النسيم
إيقاعٌ خفيف أحسُّ به ولا أَسمعه في تواضُع
الشجيرات. والعشب المائل إلي الاصفرار صُوَرٌ
تتقشَّفُ، وتُغري البلاغة بالتشَبُّه بأَفعالها
الماكرة. لا احتفاء علي هذه الشِعاب إلَّا
بالـمُتاح من نشاط الدُوريّ، نشاطٍ يراوح
بين معنيً وعَبَث. والطبيعة جسدٌ يتخفَّف
من البهرجة والزينة، ريثما ينضج التين والعنب
والرُمَّان ونسيانُ شهواتٍ يوقظها المطر. لولا
حاجتي الغامضة إلي الشعر لَـمَا كنت في حاجة
إلي شيء ـ يقول الشاعر الذي خَفَّتْ حماسته
فقلَّت أخطاؤه. ويمشي لأن الأطباء نصحوه
بالمشي بلا هدف، لتمرين القلب علي لامبالاةٍ ما
ضروريةٍ للعافية. وإذا هجس، فليس
بأكثر من خاطرة مجانيّة. الصيف لا يصلح
للإنشاد إلّا في ما ندر. الصيف قصيدةٌ
نثريَّةٌ لا تكترث بالنسور المحلِّقة في الأعالي.

ليتني حجر

لا أَحنُّ إلي أيِّ شيءٍ
فلا أَمسِ يمضي، ولا الغَدُ يأتي
ولا حاضري يتقدَّمُ أَو يتراجَعُ
لا شيء يحدث لي!
ليتني حَجَرٌ ـ قُلْتُ ـ يا ليتني
حَجَرٌ ما ليصقُلَني الماءُ
أَخضرُّ، أَصفَرُّ ... أُوضَعُ في حُجْرَ ةٍ
مثلَ مَنْحُوتةٍ، أَو تماريـنَ في النحت...
أو مادَّةً لانبثاق الضروريِّ
من عبث اللاضروريّ ...
يا ليتني حجرٌ
كي أَحنَّ إلي أيِّ شيء!

أَبعد من التماهي

أَجلسُ أمام التلفزيون، إذ ليس في وسعي
أن أفعل شيئاً آخر. هناك، أمام التلفزيون،
أَعثُرُ علي عواطفي، وأَري ما يحدث بي ولي.
الدخان
يتصاعد مني. وأَمدُّ يدي المقطوعةَ
لأمسك بأعضائي المبعثرة من جسومٍ عديدة،
فلا أَجدها ولا أهرب منها من فرط جاذبيّة
الألم. أَنا المحاصَرُ من البرِّ والجوِّ والبحر
واللغة. أقلعتْ آخرُ طائرةٍ من مطار بيروت
ووضعتني أمام التلفزيون، لأشاهد بقيَّة موتي
مع ملايين المشاهدين، لا شيء يثبت أني
موجود حين أفكِّر مع ديكارت، بل حين ينهض
مني القربان، الآن، في لبنان. أَدخُلُ في
التلفزيون، أنا والوحش. أَعلم أنَّ الوحش
أقوي مني في صراع الطائرة مع الطائر. ولكني
أَدمنت، ربما أكثر مما ينبغي، بُطُولَةَ المجاز:
التهمني الوحشُ ولم يهضمني. وخرجتُ سالماً
أكثر من مرة. كانت روحي التي طارت شَعَاعاً
مني ومن بطن الوحش تسكن جسداً آخر
أَخفَّ وأَقوي، لكني لا أعرف أين أنا
الآن: أمام التلفزيون، أم في التلفزيون.
أما القلب فإني أراه يتدحرج، ككوز صنوبر،
من جبل لبناني إلي رَفَح!

العدوّ

كنتُ هناك قبل شهر. كنتُ هناك قبل
سنة. وكنت هناك دائماً كأني لم أَكن
إلَّا هناك. وفي عام 82 من القرن الماضي
حدث لنا شيء مما يحدث لنا الآن. حُوصرنا
وقُتِلْنا وقاومنا ما يُعْرَضُ علينا من جهنم.
القتلي / الشهداء لا يتشابهون. لكلِّ واحد منهم
قوامٌ خاصْ، وملامح خاصة، وعينان واسمٌ
وعمر مختلف. لكن القتلة هم الذين يتشابهون.
فَهُم واحدٌ مُوزَّعٌ علي أَجهزة معدنية. يضغط
علي أزرار إلكترونية. يقتل ويختفي. يرانا ولا
نراه، لا لأنه شبح، بل لأنه قناع فولاذيّ
لفكرة ... لا ملامح له ولا عينان ولا عمر ولا
اسم. هو ... هو الذي اختار أن يكون له
اسم وحيد: العَدُوّ!

نيرون

ماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرّج علي
حريق لبنان؟ عيناه زائغتان من النشوة،
ويمشي كالراقص في حفلة عُرْسٍ: هذا الجنون،
جنوني، سيِّدُ الحكمة. فلتُشْعلوا النار في
كل شيء خارج طاعتي. وعلي الأطفال أَن
يتأدَّبوا ويتهذَّبوا ويكُفُّوا عن الصراخ بحضرة
أنغامي!
وماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرَّج علي
حريق العراق؟ يُسْعِدُهُ أن يُوقِظَ في تاريخ
الغابات ذاكرة تحفظ اسمه عَدُوّاً لحمورابي
وجلجامش وأَبي نواس: شريعتي هي أُمُّ
الشرائع. وعشبة الخلود تنبت في مزرعتي.
والشعر؟.. ما معني هذه الكلمة؟

وماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرَّج علي
حريق فلسطين؟ يُبهجة أن يدرج اسمه في قائمة
الأنبياء نبيّاً لم يؤمن به أَحد من قبل ... نبيّاً
للقتل كلَّفه الله بتصحيح الأخطاء التي لا حصر
لها في الكتب السماوية: أنا أَيضاً كليمُ الله!
وماذا يدور في بال نيرون وهو يتفرَّج علي
حريق العالم؟ أنا صاحب القيامة . ثم يطلب
من الكاميرا وقف التصوير، لأنه لا يريد
لأحد أن يري النار المشتعلة في أَصابعه،
عند نهاية هذا الفيلم الأميركي الطويل!

الغابة

لا أسمعُ صوتي في الغابة، حتي لو
خَلَتِ الغابةُ من جوع الوحشِ ...
وعاد الجيشُ المهزومُ أو الظافرُ ، لا فرق،
علي أشلاء الموتي المجهولين إلي الثكَنات
أو العرشِ/
ولا أسمع صوتي في الغابة، حتي لو
حملته الريحُ إليَّ، وقال لي:
هذا صوتُكَ ... لا أَسمعُـهُ

لا أسمع صوتي في الغابة، حتي لو
وقف الذئب علي قدمين وصفَّق لي:
إني أسمع صوتك، فلتَأْمُرْني! /
فأقول: الغابةُ ليست في الغابة
يا أَبتي الذئبَ ويا ابني! /

لا أَسمع صوتي إلّا إنْ
خَلَتِ الغابةُ مني
وخلوتُ أنا من صمت الغابة!

حَمَام

رفٌّ من الحمام ينقشع فجأة من خلل الدخان.
يلمع كبارقة سِلْمٍ سماوية. يحلِّق بين الرماديّ
وفُتات الأزرق علي مدينة من ركام. ويذكِّرنا
بأن الجمال ما زال موجوداً، وبأن اللا موجود
لا يعبث بنا تماماً إذ يَعِدُنا، أو نظنُّ أنه
يعدنا بتجلِّي اختلافه عن العدم. في الحرب
لا يشعر أَحد منا بأنه مات إذا أَحسَّ
بالألـم. الـموت يسبق الألـم. والألـم هـو
النعمة الوحيدة في الحرب. ينتقل من حيّ إلي
حيّ مع وقف التنفيذ. وإذا حالف الحظّ أحداً
نسيَ مشاريعه البعيدة، وانتظر اللا موجود
وقد وُجِدَ مُـحَلِّقاً في رفِّ حمام. أري في سماء
لبنان كثيراً من الحمام العابث بدخان يتصاعد
من جهة العدم!

البيتُ قتيلاً

بدقيقة واحدة، تنتهي حياةُ بيتٍ كاملة. البيتُ
قتيلاً هو أيضاً قَتْلٌ جماعيّ حتي لو خلا من
سُكَّانه. مقبرة جماعية للموادّ الأولية الـمُعَدَّةِ
لبناء مبني للمعني، أو قصيدةٍ غير ذات
شأن في زمن الحرب. البيت قتيلاً هو
بَتْرُ الأشياء عن علاقاتها وعن أسماء
المشاعر. وحاجةُ التراجيديا إلي تصويب
البلاغة نحو التَّبَصُّر في حياة الشيء. في
كل شيء كائنٌ يتوجَّع... ذكري أَصابع
وذكري رائحة وذكري صورة. والبيوت تُقْتَلُ
كما يُقْتَلُ سكانها. وتُقْتَلُ ذاكرةُ الأشياء:
الحجر والخشب والزجاج والحديد والإسمنتُ
تتناثر أشلاء كالكائنات. والقطن والحرير
والكتّان والدفاتر والكتب تتمزّق كالكلمات التي
لم يتسَنَّ لأصحابها أن يقولوها. وتتكسَّر
الصحون والملاعق والألعاب والأسطوانات والحنفيّات
والأنابيب ومقابض الأبواب والثلَّاجة والغسَّالة
والمزهريات ومرطبانات الزيتون والمخللات والمعلبات
كما انكسر أصحابها. ويُسحق الأبْيَضَان الملح
والسُّكَّر، والبهارات وعلب الكبريت وأقراص الدواء
وحبوب منع الحمل والعقاقير الـمُنَشطة وجدائل
الثوم والبصل والبندورة والبامية الـمُجَفَّفة والأرُزُّ
والعدس، كما يحدث لأصحابها. وتتمزَّق عقود
الإيجار ووثيقة الزواج وشهادة الميلاد وفاتورة
الماء والكهرباء وبطاقات الهوية وجوازات السفر
والرسائل الغرامية، كما تتمزّق قلوب أَصحابها.
وتتطاير الصُّوَر وفُرَشُ الأسنان وأمشاط
الشَّعْر وأدوات الزينة والأحذية والثياب
الداخلية والشراشف والمناشف كأسرار عائلية
تُنْشَرُ علي الملأ والخراب. كل هذه الأشياء
ذاكرةُ الناس التي أُفْرِغَتْ من الأشياء، وذاكرة
الأشياء التي أُفْرِغَتْ من الناس... تنتهي
بدقيقة واحدة. أشياؤنا تموت مثلنا. لكنها
لا تُدْفَنْ معنا!

مَكْرُ المجاز

مجازاً أقول: انتصرتُ
مجازاً أقول: خسرتُ ...
ويمتدُّ وادٍ سحيقٌ أمامي
وأَمتدُّ في ما تبقَّي من السنديانْ ...
وثَمَّة زيتونتان
تَلُـمَّانني من جهاتٍ ثلاثٍ
ويحملني طائرانْ
إلي الجهة الخاليةْ
من الأَوْج والهاويةْ
لئلَّا أقول: انتصرتُ
لئلَّا أقول: خسرتُ الرهانْ!

البعوضة

اَلبعوضةُ، ولا أَعرف اسم مُذَكَّرها، أشَدُّ
فَتْكاً من النميمة. لا تكتفي بمصّ الدم، بل
تزجّ بك في معركة عَبَثيّة. ولا تزور إلّا في
الظلام كَحُمَّي المتنبي. تَطِنُّ وَتَزُنُّ كطائرةٍ
حربية لا تسمعها إلّا بعد إصابة الهدف.
دَمُكَ هو الهدف. تُشْعل الضوء لتراها
فتختفي في رُكْنٍ ما من الغرفة والوساوس، ثم
تقف علي الحائط ... آمنةً مسالمةً كالمستسلمة.
تحاول أن تقتلها بفردة حذائك، فتراوغك
وتفلت وتعاود الظهور الشامت. تشتمها
بصوت عال فلا تكترث. تفاوضها علي هدنة
بصوت وُدِّي: نامي لأنام! تظنُّ أَنك
أَقْنَعْتَها فتطفيء النور وتنام. لكنها وقد
امتصت المزيد من دمك تعاود الطنين إنذاراً
بغارة جديدة. وتدفعك إلي معركة جانبيّة
مع الأَرَق. تشعل الضوء ثانية وتقاومهما،
هي والأرق، بالقراءة. لكن البعوضة تحطُّ
علي الصفحة التي تقرؤها، فتفرح قائلاً في
سرّك: لقد وَقَعَتْ في الفخّ. وتطوي
الكتاب عليها بقُوَّة: قَتَلْتُها... قتلتُها! وحين
تفتح الكتاب لتزهو بانتصارك، لا تجد
البعوضة ولا الكلمات. كتابك أَبيض!. البعوضة،
ولا أعرف اسم مُذَكَّرها، ليست استعارة ولا
كنايةً ولا تورية. إنها حشرة تحبُّ دمك
وتَشُمُّه عن بُعْد عشرين ميلاً. ولا سبيل
لك لمساومتها علي هدنة غير وسيلة واحدة:
أن تغيِّر فصيلةَ دمك!

نسر علي ارتفاع منخفض

قال المسافرُ في القصيدة
للمسافر في القصيدة:
كم تبقَّي من طريقكَ؟
ـ كُلُّهُ
ـ فاذهبْ إذاً، واذهبْ
كأنَّكَ قد وصلتَ ... ولم تصلْ
ـ لولا الجهات، لكان قلبي هُدْهُداً
ـ لو كان قلبُــكَ هدهداً لتبعتُهُ
ـ مَنْ أَنتَ؟ ما اسمُكَ؟
ـ لا اسمَ لي في رحلتي
ـ أأراك ثانيةً؟
ـ نعم. في قِمَّتَيْ جَبَــلَيْن بينهما
صديً عالٍ وهاويةٌ ... أراكَ
ـ وكيف نقفز فوق هاويةٍ
ولسنا طائِرَ يْنِ؟
ـ إذنْ، نغنِّي:
مَنْ يرانا لا نراهُ
ومَنْ نراهُ لا يرانا
ـ ثم ماذا؟
ـ لا نغنِّي
ـ ثم ماذا؟
ـ ثم تسألني وأسألُ:
كم تبقَّي من طريقكَ؟
ـ كُلُّهُ
ـ هل كُلُّهُ يكفي لكي يَصِلَ الـمُسَافِرُ؟
ـ لا. ولكني أري نسراً خرافيّاً
يحلِّقُ فوقنا... وعلي ارتفاعٍ منخفضْ!

واجب شخصي

هتفوا له: يا بطل! واستعرضوهُ في
الساحات. نَطَّتْ عليه قلوب الفتيات
الواقفات علي الشرفات، ورششنه بالأَرُزِّ
والزنبق. وخاطبه الشعراء المتمردون علي
القافية بقافية ضروريّة لتهييج اللغة:
يا بَطَلْ! أنتَ الأَمَلْ . وهو، هو
المرفوع علي الأكتاف رايةً منتصرة، كاد
أن يفقد اسمه في سيل الأوصاف.
خجول كعروس في حفلة زفافها. لم أفعل
شيئاً. قمت بواجبي الشخصي . في صباح
اليوم التالي، وجد نفسه وحيداً يستذكر
ماضياً بعيداً يلوِّح له بيد مبتورة الأصابع
يا بطل! أنت الأمل . يتطلع حوله
فلا يري أحداً من المحتفلين به البارحة.
يجلس في جُحرْ العزلة. ينقِّبُ في
جسده عن آثار البطولة. ينتزع الشظايا
ويجمعها في صحنِ تَنَك، ولا يتألم...
ليس الوجع هنا. الوجع في موضع آخر.
لكن من يستمع الآن إلي استغاثة القلب ؟
أحسَّ بالجوع. تفقَّد معلبات السردين والفول
فوجدها منتهية الصلاحية. ابتسم وغمغم:
للبطولة أيضاً تاريخ انتهاء صلاحية .
وأدرك أنه قام بواجبه الوطنيّ!

عَدُوّ مشترك

تمضي الحرب إلي جهة القيلولة. ويمضي
المحاربون إلي صديقاتهم متعبين وخائفين علي
كلامهم من سوء التفسير: انتصرنا لأننا
لم نمت. وانتصر الأعداء لأنهم لم يموتوا.
أمَّا الهزيمة فإنها لفظة يتيمة. لكنَّ المحارب
الفرد ليس جندياً بحضرة من يُحبُّ: لولا
عيناك الـمُصَوَّبتان إلي قلبي لاخترقتْ رصاصةٌ
قلبي! أو: لولا حرصي علي ألَّا أُقْتَلَ
لما قتلتُ أحداً! أو: خفت عليك من
موتي، فنجوت لأطمئنك عليَّ. أو: البطولة
كلمة لا نستخدمها إلّا علي المقابر. أو:
في المعركة لم أفكِّر بالنصر، بل فكرت بالسلامة
وبالنمش علي ظهرك. أو: ما أَضيق الفرق
بين السلامة والسلام وغرفة نومك. أو:
حين عطشتُ طلبتُ الماء من عدوي ولم
يسمعني، فنطقت باسمك وارتويت...
المحاربون من الجانبين يقولون كلاماً متشابهاً
بحضرة من يُحِبُّون. أمَّا القتلي من الجانبين،
فلا يدركون إلّا متأخرين، أن لهم عدواً
مشتركاً هو: الموت. فما معني

(عن القدس العربي)

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

1-

عبدالحميد

abdsalam

Wed, 19 Mar 2008 07:40:57

لا تعتذر اذن عما فعلت ..
امك من ربتك .. والرياح قد ربتك وارضعتك

2-

سوسنة

SWSANA_A@HOTMAIL.COM

Sun, 13 Apr 2008 06:29:58

اريد ان اشكر الشاعر على هذه الاشعار التي اقرب ما تكون يوميات
 نثرية

ضع إعلانك هنا