ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

بقـايـا عـمـر
أمان السيد - سورية

amounii@hotmail. com

 

جرجرت رجليها.. طريقها ثقيلة الخطا، وهي تسير تائهة بأفكارها وأحزانها..
ومضات في ذاكرتها تحولت إلى شبه مشاهد قصيرة وسريعة.. مرارة وحزن وترمل ويتم.. أطفال خمسة احتاجوا إلى بحار ومحيطات، وبإمكانات متواضعة، لم تطل النجوم يوماً ولا دانت خط الأفق أوصلتهم إلى بر الأمان، وبات لكل منهم مساره في الحياة..
ماذا أفعل إلى أين أسير؟ انهالت أسئلة، ورجلاها تقودانها إلى حديقة قديمة تشرف على شاطئ غص منذ القدم بأقدام وأسرار لبشر عديدين، إلى أن مسّد في محاولة لتقزيم ذاكرته.. وإلى ركن قصي انفلتت مخلفة وراءها بيتاً تواثبت فيه أصداء وأشباح، وعلى مقعده ارتمت..
شيء جديد كأنه من حلم انبثق فجأة.. لم يكن موجوداً بالأمس هذا الكشك، وهذا الرجل الذي في ملامحه انتصبت بقايا شيخوخة ترفض الرحيل.. اقتربت تتعثر بأشيائه المصفوفة هنا وهناك بانسجام، وخبرة عمر.. لوحات وتحف خشبية ومعدنية وكتب وجرائد قليلة.. أما إبريق القهوة فقد قبع في ركن مهمل يرصد الرائحين والعابرين المتنزهين..
بنظرات متأملة اقتربت من أغراضه البسيطة الملقاة معروضة للشارين... "لم تكن تلك الأغراض لتجلب لصاحبها ثروة.." بينها وبين نفسها أسرت، "لا بد أنه مثلي يخفف وحدته في عمل وهمي يملأ به فراغ عمر بعد أن وصل إلى سن التقاعد". ويبدو أنه في الوقت ذاته كان يرى أن فنجاناً من القهوة يقدمه لامرأة متعبة وحيدة تجرجر خطاها لا يضير في فتح حوار ربما يطوي دهراً، ومحطات قلما يحظى بها البشر..
حدثته عن حاضرها.. عن الأصداء والأشباح التي تلتف بذكرياتها في بيت كان يوماً كبيراً بُني بتآلف زوجين، ودمعتين، ونظرتي حب..
حدثته عن آمال وأمنيات دفنت في جدار قبر أحمق لم يعد يحمل إلاّ اسماً لزوج وبضع كلمات تقادمت فلم تعد تعني أحداً... عن أبناء أسعدوها، وببعدهم شقيت... عن مراكب خمسة أشرعت للريح أبوابها وعندما يناديها الحنين تعود للمرفأ الأم لترتاح أياماً ثم يطويها السفر.

حوار بسيط امتد دافئاً، وبصمت اللوحات والفناجين وأشياء أخرى أخذت تنصت، وتترقب، غفلا معاً عن عمر زمني.. عمّن ينتظر وراء أسوار الحديقة وأشرعة المراكب.. وحدها قوى خفية في تلك اللحظات كانت تتهاتف.. قوىً؛ الأرواح معها تحمل إلى ملكوت غريب.. تحولت قدماها إلى ريشتين، وقطرتي ندى تتواثبان عصر كل يوم إلى مقعد وإبريق يرقب صامتاً إلى حديث غرد نغمة حب في قلبين ينتميان إلى زمن يعتبر المسن كيساً بالياً لا يلبث أن يلقى به في حفرة ثم يهال عليه التراب..

صار العصر من كل يوم جميلاً محبباً لنهاياته مساءات أكثر أنساً.. لفنجان قهوة الغريب كان فعل السحر أشرق مؤنساً فإذا به وهماً تكفن في موت جاء يقترب متلصصاً..
حملت لهفتها إلى مقعد الحديقة، فوجدته حزيناً، وفنجان القهوة هناك رأته متروكاً.. في الجو رائحة لا تغيب عن البشر في أواخر العمر.. الخطوة غدت أثقل من قبل، وقيد ما أطبق على الصدر.. الكشك.. اللوحات.. كل ما في الصوب واجم، ومن ورائها أصوات بعض المتنزهين تصيح:
- "لقد مات .. مات أبو بكر"

في تلك اللحظات تراءت لعينيها صورة لكيس بال، وبقايا وهم، وراءهما تهال أكوام من التراب...
لملمت عباءتها الطويلة ومنديل رأسها، وفي بيتها المعانق للأصداء تلقفتها ينابيع دموع.

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

1-

صلاح حسن السيلاوي

alseelawi@yahoo.com

Sun, 2 Sep 2007 04:04:03

نص جميل ولغة شفيفة لك مودتي واتمنى لك سطوعا دائما

2-

Asma
asoomy_123@yahoo.com

Wed, 24 Oct 2007 08:13:21

 السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
اسمحي لي يا معلمتي الغالية بأن أبث لك اعجاني بهذه القصة ووفقك الله يا
 غالية.

ضع إعلانك هنا