ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

الكراسي الفارغة...!!!

مراد بوكرزازا - الجزائر

 

أيتها الكراسي الفارغة... معذرة إن جرحت صمت القاعة فيك... أعرف أنهم يحبونك... بصخبهم، بفوضاهم، ينتظرون، يهللون، يصفقون، وكثيرا ما يرقصون... ثم ينصرفون...

 

أجيء أنا... الليلة من ضجيج الداخل ووجع الذي يحدث... لا أحتاج ضوءا أو ديكورا... لا أريد لونا أو موسيقى...

أجيء كما أنا... بكل التعب الممكن... بملابسي القديمة... وهذي الغصة التي تكبر الركح بقليل... أقول كلاما... أو لغوا... أتفجر في حضرتك دفعة واحدة قبل أن أقول للموت:

- بإمكانك أن تدخل...؟!

 

أيتها الكراسي... الفارغة... لا تتعجلي... الأمر لا يتعلق بدور درامي... "ببروفة"... لا... أقسم لك بيأسي الجبار وكل الذل والضعف الذي أشعر به اللحظة...!

إنسان أنا... لا أشبه كل الناس...

حلمت منذ الطفولة الباكرة بحبة حلوى وبذلة تليق بالجسد الصغير... حلمت بعصفور يغرد من أجلي...

حلمت ببيت فيه أم وفيه أب...

لكني كبرت بعدها بألف دمعة... كل حلم كنتُ أدفنه في صمت...

لهذا كبرت هكذا... عامرا بالعقد... بالخوف... والبرد...

 

أيتها الكراسي الفارغة... ربما كانت هذه فرصتي الأخيرة... كي أقول، من يدري...؟!

مر التاريخ... على جثتي... ظلت الأماني تودعني واحدة بعد أخرى حتى ألتقيها... غفوت في عينيها عمرا... ثم تخلت عني حشرة صغيرة عافني رمشها...

لم أستوعب الحكاية...

كانت الأسئلة...

كانت المرارة...

ثم كان البكاء...

عند البدء... كتبتها حرقة مكابرة لكنها انتشرت في دمي... تكاثرت... صارت الليل...المدن التي أزور والتي لم أر...!

صارت المطر... الطريق... كل الدروب...!

والغاية التي....... لن ... أدرك...!!

بعدها أخذت شكلا مميتا مغايرا...

صارت الكأس... الغياب الذي يحيل لحضور قاتل...

وصارت الذي صارت...!!

 

أيتها الكراسي الفارغة... لم أكن يوما مولعا بالعشق... وقصص الوجد...لكني أقول... الذي أشعر به...!

آلاف تعاقبوا على الركح...

قالوا... الفرح... الحزن... الموت... الحياة...!!

لي الحق في أن أصرخ الآن بكل الألم فيّ: آ.......ه...!!

 

أيتها الكراسي الفارغة... هذه ليلتي من يدري، قد أموت بعدها... لأن الشارع في مدينتي أمسى لأخبار الدم والخراب:

"مئة قتيل... في مجزرة وحشية...

عشرات الأطفال يذبحون...

انفجار أكثر من عشر قنابل...عدد الضحايا في تزايد مستمر...!!

لا يمكن أن أطيل السهر خارج البيت... لا يمكن أن أثق في أقرب الأصدقاء... لا يمكن...!

 

أيتها الكراسي الفارغة... أصر على أني لا أتحدث عن فيلم خيالي أو نص يكسر روتين النصوص المتداولة... لكني أنقل لك وشوشة الرصيف... سر انحناء الأشجار... وإضراب العصافير عن الغناء أو بناء الأعشاش...

 

أيتها الكراسي الفارغة... يوم غادرت الجامعة... كنت عامرا بالحلم... والحياة... قلت... سأصير محاميا أدافع عن المظلومين والمقهورين... سأحارب الظلم... الرشوة... والقهر... لكني انتهيت إلى الصحافة... فتحت قلبي وصفحاتي لأنات الناس... كنت محاميا على طريقتي... لكنهم كسروا الناي...

قطعوا جناح البلبل الذي كنت أخبئ للشتاء الأخير...

وأحرقوا رسائل الأطفال وصورهم...

عندها... حملت دمعة أمي وبعض الصور القديمة وغادرت...!!

رفضتني كل المطارات... كل المحطات...!!

أرصفة بلاد الآخرين صرخت في وجهي:

- ليس من عادة تربتنا أن تحتضن نبتة للجراح والعويل...!!

فعدت...!

عدت سنبلة مقهورة... لا تجرؤ على أن تحيِّي النسيم...!!

أ رأيت –أيتها الكراسي الفارغة- كم أنا مهزوم... مكسور... ووحيد...!!

 

أيتها الكراسي الفارغة... احتمليني هذه الليلة... ولك أن تختفي... أن تنهاري... أن يغرقك الطوفان...!!

أن تندثري... فذاك القرار السليم...!

لن تندمي...!!

غدا... ربما جاءك المصفقون... كي يحرقوا حطبك بالدجل والهراء...!!

حطبك... يكون قد أحضره حطاب فقير...!

حطبك... يكون قد صنعه نجار وحيد...!

 

أيتها الكراسي الفارغة...

بعد الذي حدث... وجدتني بقلب ليل... فيه صوت صفارة إنذار... صوت صرصور... وصوت موت... عادة ما يجيء صامتا...!

 

أصدقائي... ودعتهم... في العتمة الماطرة والمقمرة –على حد سواء-

بعضهم عاد بجنون...!

بعضهم عاد بعاهة مستديمة...!

والبعض الآخر... عاد... لا... لم يعد...!

 

أيتها الكراسي الفارغة...!

صدقيني... أنا لا أبالغ... لا أغالي...

الأمر... هنا... لا يحتاج للغة... لأسلوب... لتسلسل...

الأمر... هنا... يتعلق... بالحقيقة...!

 

بعد الليل العصيب... وجدتني بالجريدة من جديد... الجريدة القديمة التي قد تغلق أبوابها...! مازال الظالمون والرديئون سادة الوقت والمكان...!

في بيتي البسيط الزهيد –الذي لا يزيد عن غرفة ضيقة واحدة...

ثمة قطعة من روحي... يأكلها مرض خبيث: السرطان...!

كل لحظة... كل ليلة قبل أن أنام... أودّعها استعدادا للرحيل الكبير...!

 

عاد السفر من جديد يملأ حقائبي بالشوق الباكر... وصباحات المدن التي لا أعرف...

يجب أن أغادر هذا الخواء المهول... هذا الفراغ المتوحش...!

أموت جدا... إن مكثت بعض الوقت هنا...!

ليس من حقي أن أحب –من جديد-!

ليس من حقي أن أتزوج...!

الأشجار في حيِّنا عارية تماما... أخاف على عشي من الاندثار...

إن كنت تقدّرين موقفي –أيتها الكراسي الفارغة- فامنحيني تذكرة للغياب الجليل... وابكي يوما إن عادت جثتي ملفوفة في غصتها...

 

أيتها الكراسي الفارغة...!

سأنصرف الآن...

لا أحتاج لضوء... لستار...

لا أحتاج تصفيقا...

سأخرج في صمت... تماما كما دخلت...!

وإن منحوك الفرصة... قولي لهم...

"الكراسي الفارغة كانت النص الوحيد الذي استوعب خيبة الدنيا... خراب المعاني...  وفوضى المواقيت...؟!!"

 

أيتها الكراسي الفارغة...!!

..........................

..........................

..........................!!!

09-09 -1997               

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا