![]() |
شعر مترجم |
زكية عَلال - الجزائر
زوجة .. في عصمة حلم عابر.. !! إنها الليلة العاشرة بعد ألف غياب وغياب .. الساعة الواحدة بعد منتصف ليل حالك يلفني وغزة .. لم أجد ما أهرب به من وحدتي المكشوفة سوى أن أسلم جسدي المنهك إلى وحدة مُستترة باتت تلازمني منذ أن فرّقوا بيني وبين زوجي .. هو .. أدخلوه في عصمة المفاوضات والمؤامرات .. عفوا .. أقصد ، والمؤتمرات . وأنا .. تركوني في عصمة الأرض مقابل السلام .. فأخذوا الأرض والسلام وكثيرا من ماء الحياة .. اللحظة .. أُُسْلِمُ انكساري إلى فراش بارد، وأُغْمِضُ عيني على قطع من الليل تتوالى على غزة منذ أزيد من شهر .. لكن صوت المطر الذي كان ينقر على أوتاد خيمتي أحسسته يدك الحانية تهدهد على فزعي وتشعرني بكثير من الدفء ... فغلبني النعاس .. ونمت ......... لست أدري كم امتدت ساعات نومي على راحة يدك الدافئة ، عندما هزّ غفوتي نور قوي .. أفقت على ضياء يملأ فضاء الخيمة .. إلْتَفَتُّ .... فرأيتك تجلس إلى جانبي وكأنك تَحْرُسُ سكوني .. نعم .. هو أنت .. عبد الله العائد من مدن المفاوضات .. صدمني وجودك .. ارتبكت .. أحسست بعضي ينفصل عن بعضي . فصدمة اللقاء تبعثر السكينة كما صدمة الفراق !! لا أدري كم مضى من الوقت وأنا متعلقة بحضورك الطاغي !! ولا أدري كم ورقة هوت من دفتر العمر الهارب وأنت تحدق في ملامحي الطاعنة في اليُتْم.. لا أذكر أيّنا بدأ بالكلام .. ولا من أين بدأناه .. كنا كمن يكمل حديث الليلة السابقة .. حدثتني كثيرا عن تعبك في الوصول إلى مرافئ عيني .. وحدثتك عن الحصار الذي حولنا إلى شعب متآكل ، ومخيمات آيلة للسقوط .. حدثتني عن ذلك السائق المصري الطيب الذي عبر بك كل الممرات وقفز على نقاط التفتيش.. وحدثتك عن دمي الذي توزع بين حقد الأعداء وحمق الإخوة ... حدثتني عن خوفك والسائق يوقف سيارته عند نقطة تفتيش ، وعن استرخاء ذاك الخوف والشرطي يعيد إليك بطاقة هويتك بابتسامة عريضة ولهجة مصرية حبيبة إلى القلب: "حمد لله ع السلامة يا عبد الله .. إزّايك يا بطل..!! وحدثتك عن غريب تملّك أمري وقريب تجهمني ، فأصبحت ريشة في مهب رياح الغدر والخيانة .. تشعب بنا الحديث عن النار والحصار والأرصفة الباردة .. ونسيتَ أن تكشف لي عن لهفتك لرؤيتي .. ونسيتُ أن أعُبِّر لك عن حبي الجارح .. الشامخ .. قلت لي وأنت تمسك باضطرابي : ـ هل تصدقين يا فاطمة .. عندما وصلت إلى بوابة صلاح الدين وغاصت قدمي في التراب الممزوج بعطر المطر .. أحسست برجفة وفوضى في مشاعري وحواسي .. لستُ أدري لمن كانت رجفة اللقاء الأول .. لك أم لغزة ؟!! وابتسمت بمكر أنثى وأنا أجيبك: ـ وعندما رأيتك لم أميز أينا العروس، ومن المرافقة التي توصلها إلى عريسها الغائب منذ عشرين سنة .. أحسست أن غزة هي العروس البهية وأني الرفيقة التي تصحبها إلى باب مخدعها ... رأيت غزة تسبقني إليك بجرحها ودمها المباح !! واقتربنا أكثر يا عبد الله .. رأيتك قريبا جدا مني ومن ملامح غزة، وكأنك لم تغادرني ولم تفاوض على شرفها يوما .. لمست وفاءك لي وللمآذن العتيقة ، فسكنت إلى عودتك بكل الآه التي تملأني و........ وأفقت على دوي هزّ هدوء خيمتي المتهاوية، فإذا هو صاروخ يسقط على المخيم وعلى حلمي الذي تراءى لي واقعا جميلا .. وعندما تنَفَّسَ الصُّبْحُ، عرفت أن الصاروخ أباد عائلة الشيخ ياسر وهي نائمة، ولم يترك فيهم من يرث حزنه عليهم ...
|
|
|
![]() |
![]() |
|