ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

تيلا
ثامر مهدي -السعودية

 

ما هذا الإدراك الغبي للسنوات ؟!. بل ما يحملنا على الإذعان دوماً للإحساس بالزمنية ونحن نفكر بشيء ما؟ ما هذا التركيب المستقرّ للأذهان؟! راحت “تيلا” الوحيدة، تترنح فوق مقعدها الوثير واضعة الكتاب مفتوحاً على وجهها بعد أن أسندت نفسها للوراء قليلاً، كي تسترخي وتستعيد ذاكرتها الجميلة الناصعة. متعللة بما كتبه المثاليون عن الكليات واستقلالها المطلق عن الزمن، ولم تكن لتعي أن ما تستعيده من لذة هو موضوع بالنهاية ولا بد للسنوات السبعين المنصرمة إلا أن تحضر في صميم ذاتها. وبالمقابل عدم قدرتها على تدوير الزمن أو التملص من فعله، يجعلها وكحيلة مفروضة، تتحسس قلباً صلباً وروحاً حية على الدوام. والآن قررت من جديد أن تبدأ وكما تفعل كل ظهيرة بعد أن تعتني بالمزهربات وتتفقد قططها، وبعد أن تقرأ شيئاً من كتب الأدب أو الفلسفة، قررت وهي مغمضة عينيها أن تستعيد حياتها الماضية من حيث تشتهي. وبينما هي تفعل، غالباً ما كانت تستحضر المشاهد والشخوص مقرونة بانطباعاتها الحالية مما يسبب لها نوعاً من الانزعاج، لأنها وببساطة تكون قد خانت أحاسيسها في تلك اللحظات من تاريخ حياتها، وقد حاولت التخفيف من النوايا المعتمة وإزاحتها لتحل محلها أحاسيس وديعة وأمنيات لم تكن موجودة وشاغرة في النسخة الأصلية. ذلك شيء مرير بالفعل بالنسبة لعجوز بات جوهر شعورها هو الوحدة والأمرّ من ذلك أنها باتت المسؤولة عن هذا الشعور وهذا الواقع. وبلغة صريحة حاولت أن تكذب على نفسها في ذكرياتها، ولكنها للأسف لم تستطع. فهي منذ البداية كانت تشعر بأنها خلقت للفن والحياة المنعمة ولكن ذووها اختاروا لها مقعداً في معاهد الدراسات العلمية وكأن تلك الواقعة غدت واقعة الهلكوست الخاصة بها، ولا بد لأي شخص حين يتعرف عليها أن ينظر إليها كضحية وعليه أن يقدم لها مستحقات إنسانية خاصة دون حصر أو عدد ومن ضمن ذلك دماره وخرابه الوجودي لا مناص. لقد آمنت أيضاً عندما بلغت العشرين عاماً بقدرتها الفريدة على صناعة المسرح، وراحت لا تذخر جهداً في كتابة المسرحيات الخاصة، وأصبحت فيها جميعاً هي البكاّءة التي خذلها الأهل والأصدقاء والأحبة. ومع مضي السنوات شعرت بأن على هذا أن يتوقف، وعلى حياة جديدة أن تتفتح. وعندما عثرت على شخص ليس يحبها فقط، ولكنه استعد لأن ينكحها. صرخت في دهاليز أعماقها أنه مفتاح تلك الحياة الذهبي، حيث أنها تعيش في زمن (كلمة ممقوتة) وحيز قلما يزمع فيه أحد ويعزم النكاح. ولكن يا للأسى ويا للتعاسة فلقد خذلها أيضاً كما فعل الباقون، حسب ما تحاول استشعاره في الشريط بإصرار. ولقد آمنت بالشرّ أيضاً كقدر محتوم، واستعانت بالمشعوذات لكي تحصل على ما ترغب مبررة لنفسها، أن الضحية لا بد أن تستعين بأي شيء لكي تنقذ ذاتها. هنا يتضح شرخ كبير في حائط الذكريات، شرخ وهمي تحاول أن تتجاوزه بكل ما تستطيع وما تملك من ثقافة وما تلقته من كتب الباراسيكولوجي، حيث أنها مارست ما كانت تمارس تحت ظروف ما كان ليتحملها أي إنسان، وقد تكون صادقة. فـ "تيلا" لم يكن الضعف أبداً ليستولي عليها ويدفع بها لذلك المنحدر المهلك، وهذا ما أصرت عليه وهي تتذكر، وها هي تتجاوز هذه المرحلة معتدة بعدم توفر أدوات الفهم لديها لتعلل تلك المرحلة الحالكة من حياتها. وفجأة وكأنها مجرد أيام وإذا بها قد بلغت الأربعين عاماً، وتسائلت موجهة خطابها للربّ، أي ذنب للبشر لكي يغشهم الزمن هكذا، إن الندبة التي ظلت صلبة طوال عشرات السنوات، ها هي تتمدد لتبين وكأنها زقة عصفور رطبة خلال إسبوع فقط، كذلك اقترنت هذه الشكاية بذكرى صغيرة ربما تكون تافهة في عين القارئ لكنها جسيمة ومدمرة لدى "تيلا"، وخلاصتها، أنه في أحد الأيام كانت "تيلا" قد استعانت بجنائني شاب، حياها بفصاحة ومستقيماً كما يفعل البطل الغرنوق، وكان يقيم في المزرعة المجاورة ويظهر لها كثيراً من الاحترام الذي لا يعتقد بأنه نوع من الإشفاق. حين مرت "تيلا" أخذتها ملامح ذلك الشاب، لطفه، وكل شيء. وفي ذات اليوم وقبل أن تأوي إلى الفراش تعرّت أمام مرآتها، وسرعان ما أسدلت على بضاضتها المثيرة فضلة النوم، وهي تفكر كيف ستجعل ذلك الشاب الغرّ يجري ويلهث خلفها. وراحت تدعوه لمائدتها، وتقدم في كل مرة ربع أو نصف إثارة، كأن تتحدث عن الموز بغنج وهي تقشره أو تطلب منه أن يقشر ما استطاع من موزات وهي تحدق بلهفة وشبق، أو أن ترتدي مثلاً ما يمكنني وصفه بالعري المضاعف، وأن تتأوه كعاشقة عذراء. وعلى هذه الوتيرة ظلت تشوي الشاب المسكين على نارٍ هادئة. حتى حدثت الواقعة في غرفتها، وكانت تكرر لا، لا .. من هنا تبدأ "تيلا" بمغالطة كبيرة حيال ذاكرتها، وتبني عليها كذبة أكثر هولاً، وخلاصتها أنها رأت آثار عذريتها على الشرشف، وللتأكيد على ذلك أنها قامت بغسل تلك الشراشف بيديها. وبعدد ما كررت ذلك على ذاكرتها أقتنع به ذهنها على ما يبدو، وصارت أكثر دربة على الحذف والتغيير وكأنها تتعامل مع ملف وورد لا ذاكرة إنسان. بقي المشكل المهم وهو كيف تتخلص من إحساسها الكريه الذي ينتابها في كل مرة تقدم فيها على التزوير. لقد لهث وراءها الجنائني لسنوات، ولا ندري كم سرير يعني ذلك، لأنها تشعر بأنه عاش الهيام كله، وهي تلك المرأة التي حافظت ليس على نضارة جسمها وحسب بل على كبريائها أيضاً. وعلينا أن نفهم كذلك، معنى شكواها السالفة ولا نحصر ذلك بموضوع ندبة وحيدة فذلك يشمل الأثداء وكل شيء معلق بجسمها، أي ما يشكل خوفاً هائلاُ كانت تعيشه "تيلا" في المنتبذ التي اختارته لنفسها بعد أن جربت الخذلان كله. ها هي تقترب الآن في عامها الثاني والستين من ذاكرتها، حين بصقت في وجه خادمتها وطردتها لأنها اكتشفت علاقتها بكهل أوكلت إليه "تيلا" بشؤونها القانونية وكان كثير العناية بها. يا إلهي، كررت "تيلا" في نفسها نادمة على فعلتها لكنها سرعان ما عادت وألقت باللائمة على الخادمة التي اعترفت بوقاحة ولم تدع مجالا لـ "تيلا" أن تسامحها كما خططت. كما ساهم ذلك في ترسيخ قناعتها بأن جميع الرجال أنذال، ولم يكن هنالك استثناء حتى تقدم هي على الزواج من ذلك الاستثناء. ومع ذلك لم تتوقف "تيلا" عن إقحام أسماء وشخوص في ذاكرتها كل ما ساعدها السياق على ذلك. قبل عامين تحديدا، قررت وبتأثير من القراءات الفلسفية أن تقوم بزيارة مسقط رأسها، وتأمل أطلال تاريخ عائلتها. لكنها فوجئت بأن لا أحد يعرفها بذلك الحي، حتى من هم في سنها، كانوا يمرون ويلقون نظراتهم عليها ككائن غريب لم يكونوا على حدس برؤيته. لقد امتلأت بالحنق، ولعنت كل شيء وأشارت للتاكسي، في هذي اللحظة بالتحديد، لا نعرف إن كان النداء المتواصل ,,, تاكسي، تـ ......ااااااااكسي، صادرا من شريط ذكرياتها أم من الحلم،لأنها في تلك اللحظات، تركت الكتاب ليهوي جانباً وكفت عن الاهتزاز ... وسط الشخير ! 
 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا