ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

نبيل عودة - فلسطينالإبداع الثقافي والثرثرة المدمرة

نبيل عودة - فلسطين

 

تطور الادب في حياة الشعوب ,كشكل من اشكالالوعي الاجتماعي وكأداة تعبير عن مكونات الانسان واحلامه. ونرى ان الادب ومشتقاتهلعب دورا مركزيا في تاريخ المجتمعات البشرية وفي احداث الانعطافات الحاسمة فيصيرورتها.
حين يكتب الاديب المبدع نصا ادبيا , لابد ان نجد فيه صور المجتمعوالثقافة والتاريخ والانتماء , بعيدا عن ذاتية المبدع بمفهومها العتيق , كحلقةمغلقة لا ينجح النص في تجاوزها .
الابداع الادبي الحقيقي لابد ان يضع الانسان (القاريء)في قمة اهتمامه , فهو اولا واخيرا لا يكتب الى مجهول , ولا يخاطب ذاتهالنرجسية , وبالتالي يعطي القاريء خلطا من الثرثرة فقط , لا تضيف للأدب شيئا,وتفتقد لابسط الشروط الجمالية في النص .. وهذه هي للأسف الظاهرة السائدة في الأدبالعربي في اسرائيل اليوم ,هذا الأدب الذي كان قبل عقدين في مصاف ارقى الآداب , ليسفقط بارتباطه بقضايا شعبه , انما , وهذا اساسي جدا , بجماليته ايضا وبقدراتهالتعبيرية الفنية ... وساهم في رفع شأن الثقافة العربية , وليس بالصدفة ان يتحولسفير هذه الثقافة ( محمود درويش) الى احد الاسماء البارزة على الخارطة الثقافيةالعربية والدولية , والذي قال عنه المفكراللبناني الكبير المرحوم حسين مروة في كلمةالقاها في موسكو (1970) بانه "ابرز شاعر عربي" .
اقول بوضوح اننا في مرحلة "انهيار ثقافي " وفقدان المنطلقات الاساسية للابداع الأدبي الجيد وغياب الحلمالانساني الاجتماعي وراء النص. ويضاعف هذا الواقع ظواهر عدة . وكنت قد لاحظت فيكتاباتي المختلفة عن المسألة الثقافية , وجود ظواهر سلبية متعددة تساهم في تكريسالانهيار الثقافي ومسخ الابداع الادبي , وابعاده عن ارتباطه بمجتمعه وانسانهوتاريخه وثقافته ايضا. وهذا يذكرني بالصرخة التي اطلقها محمود درويش عندما كانمحررا لمجلة " الجديد" الحيفاوية (1968)على اثر الانبهار غير المتوقع للعالم العربيبادبنا الفلسطيني داخل الحصار الاسرائيلي بقوله: " انقذونا من هذا الحب القاسي"...وللأسف هذه الصرخة العبقرية لم تساعد .. الأنبهار بأدبنا تجاوز حدود المنطق الأدبيالبسيط .. وها نحن نلملم جراح الانبهار ونفشل في العودة الى توازننا الثقافي ,وتسود ثقافتنا حالة مرضية توهم كل من يصيغ جملة ادبية با نه محمود درويش آخر .. أوأكثر !!
لا بد للادب حتى يصبح مشروعا ثقافيا مؤثرا ان يكون انعكاسا فنيا للوعيوالممارسة , وليس مجرد " تنسيق" كلمات وافكار عقيمة , انما القدرة على خلق اتجاهاتوترك ترسبات . وبصدق وصف " غرامشي" الأدب بأنه : " الأرض التي يتحرك عليها الانسان , يكتسب وعيه , ويحدد موقعه ويمارس نضاله" . وفي حالتنا اضيف ان الأدب لا بد من انيكون ايضا الأداة التي نمارس عبرها , كأقلية قومية , تعميق ترابطنا الاجتماعيومواجهة الاضطهاد القومي والتمييز ومواجهة هيمنة الخطاب العنصري وأدواته اللاثقافية , ومواجهة الخطاب الطائفي الغيبي الذي بدأ يرفع رأسه بحرية دون ان يتصدى له أحد ممايفرض ويسرع تعميق تفككنا الثقافي والاجتماعي , والى المزيد من"ثقافة اللاجدوى"والتخبط الغيبي وغياب الفكر القادر على التصدي وطرح البديل العقلاني .
لا شك ان أحزابنا المتدثرةبالشعارات القومية تتحمل قسطا كبيرا من هذا الانهيار, فهي مشغولة بتوزيع المكاسبالبرلمانية والمناصب القيادية التي باتت مجالا لمستوى حياة أرقى وأنعم , والجولاتبين انظمة الفساد العربي لتحقيق الحظوة والفوائد المترتبة عليها , لدرجة صرنا نتحدثعن زيارات خاطفة لهذا "الزعيم" أو "المفكر" للبلاد- فهم "يحملون" الهم العربي كله ولايعرفون ما يدور في عقر دارهم الا بالتنظير في مؤتمرات " تنبهر" بعبقريتهم وجرأتهم البطولية في مواجهة السلطة العنصرية وفي طرح الانتقادات العنيفة  , ليس ضد الفساد العربي , المأساة الاساسيةللعالم العربي وشعوبه , انما ضد اسرائيل فقط , حتى لا يزعل الممولون , وليتالمثقفين في العالم العربي يتمتعون بجزء صغير من حرية النقد والتعبير الفكري والسياسي  التي يتمتع بها " زعماءالثرثرة " ومبايعة انظمة الفساد المحلقون في الهواء والغائبون عن قضايا مجتمعهم العربي ، هنا في اسرائيل – ولكنه موضوع آخر .
للأسف النقد الادبي ايضا , أوالنقد بمفهومه الشامل كظاهرة ادبية فكريةواجتماعية لا يقوم بدوره . في احسن الأحوال يتعامل مع النصوص بشكل انعزالي , بمفهومعزلها عن مجتمعها وقارئها... وعلى الأغلب المطلق , هي كتابة لا تحمل من فكر النقدالا اسمه , وتحول النقد في ادبنا الى ممارسة شكل من اشكال العلاقات الاجتماعية اوالشخصية .. والأدب والنقد الأدبي هو اخر ما يخصها ... ويبدو ان الأدب في مفهوم هذاالنقد , نوع من الترف والمسامرة , وكان سلامة موسى قد تحدث في وقته عن البعدالاجتماعي للأدب, مطالبا الأديب ( المبدع والناقد في حالتنا) بوعي اجتماعي خاصبظروف مجتمعه وبمتغيرات هذا المجتمع , ورأى علاقة وثيقة بين الظروف الاجتماعية التييصدر عنها الأديب ويتوجه اليها بادبه , وبين طبيعة هذا الأدب ونوعيته, وأكد علىتاريخية الأدب , بمفهوم العلاقة مع الظروف التاريخية التي ينشأ فيها وبالمرحلةالزمنية التي يعبر عنها, وهو ما يلقي على الأديب مسؤولية التعبير عن الجماهيرالصامتة . فهل من شيء مشترك بين أدبنا ونقدنا( العربي في اسرائيل) في مرحلتهالراهنة , وبين رؤية سلامة موسى العقلانية والصادقة لنشوء حركة ادبية حقيقية ؟! ..أو مع رؤية غرامشي الجوهرية ؟!
الظاهرة البارزة اليوم في ادبنا , واستعمل تعبير " ادبنا " بمفهومه المجازي , لأني لا أرى أدبا ( الا في حالات نادرة ) ومعظم ماينشر هو مجرد ثرثرة على صفحات الجرائد , حتى لو جمعت في كتب , الظاهرة البارزة هيتدفق عدد من المتقاعدين من سلك التعليم في السنوات الأخيرة الى حقل الأدب , مكتشفين انفسهم بغفلةمن الزمن ... وهو أمر ايجابي لو لمسنا ابداعا حقيقيا في ما ينشرونه.. عير اني للأسف , لم استطع الهبوط على جملة ادبية مفيدة .. نثرا او شعرا , لذلك ما يجري هو المزيدمن ظواهر الشيخوخة المبكرة لأدبنا وتعميق الانهيار الثقافي وتوسيع مساحة ادباللاجدوى.. وتحويل الادب الى تسالي لمن صمتوا صمت اهل القبور .. خوفا على وظائفهم ، وبعضهم وقفوا بعدائية وفساد( وكانوا مجرد مخبرين )  ضد كل معلم رأى من واجبه تنوير طلابه وتعريفهم على تراثهم ونشر روح الاعتزاز بالانتماء القومي في نفوسهم  ... واليوم يتحولون الى " شعراء " وطنيين جدا جدا "!!".. بل وينشرون في الصحف التي خافوا سابقا من النظر اليها ، وليس سرا ان الصحف ايضا اصبحت كزازيط تافهة فكريا واعلاميا .
استطيع ان اقول بدون تردد , ان الأدب يتحول الى نوع من التسالي علىصفحات صحفنا , مما يحجب الابداع الحقيقي ويعمق اليأس الثقافي . وقد يكون هذا عاملافي ابتعاد القراء عن الثقافة وتعميق القطيعة بين الثقافة والناس الذين يفترض اننانعبر عن واقعهم وتطلعاتهم. وهذا يدفعني مرة أخرى للعودة بذاكرتي الى مرحلة سابقةحين رأى الحزب الشيوعي في اسرائيل بقيادته التاريخية , وعلى رأسهم طيبي الذكر اميلتوما واميل حبيبي وفصيل كبير من المثقفين الشيوعيين , ومعظمهم معلمون مفصولون فيوقته , لأن جهاز الحكم العسكري لم يرض عنهم ... كانت رؤيتهم ان تطوير الثقافةالعربية داخل الحصار الاسرائيلي هو احدأهم اسلحة النضال والحفاظ على الشخصيةالوطنية والاعتزاز بهذا الانتماء , وهو عامل مساعد في مواجهة سياسة التجهيلوالعدمية القومية, وعنصر اساسي في التكامل الاجتماعي لبقايا شعب مقطع الاوصال ,فاصدروا مجلة "الجديد" التي لعبت , الى جانب صحف الحزب الاخرى , دورا رائدا فيصياغة ثقافتنا وشخصيتنا الوطنية والثقافية , وربما اندثار هذه المجلة الرائدةوتضعضع مكانة وقيمة الصحف الاخرى ,هو الاشارة لتغير النهج و"التعب " من النضالالفكري والثقافي والسياسي .
كيف نقيم من اكتشف نفسه بانه " شاعر وطني كبير " اوناقد "مرموق" (يفسر ما لايفهمه واضع النص نفسه) .. بعد ان تقاعد من سلك التعليموأمن المعاش التقاعدي ؟؟ أين كان غائبا في السنوات الخمسين الماضية حين كان الأدبسلاحا من اسلحة شعبنا , وقاد اجيالا من الادباء الى مواجهة أبشع أشكال الارهابالسلطوي ؟ جيلنا دفع ثمن الكلمة الحرة , بحريته وعمله ومستقبله المادي , ولم نفعلذلك لنحمل أحدا " جميلة" , انما لقناعتنا بصحة خيارنا .. ولم اتوقع بأسوأ أحلامي أنيجيء اليوم الذي يتحول فيه " المتنعمون" والذين كانوا يرتعدون خوفا من مجرد قراءة مجلة حزبية او اللقاء العابر معنا , الى الأدب ليكسبوا آخرتهم ايضا على حسابثقافتنا .. وتتلخص اضافتهم بالمزيد من ثقافة اللاجدوى والمزيد من التخريب الثقافي .. وكل همهم الثقافي لا يتعدى ثقافة تهريج هم ابطالها , وشكل من اشكال موائدالمسامرة الثقافية, وينبري "الناقد " ليجعل "الشاعر" وحيد عصره في الابداع وكل كلمةيصيغها منزلة من السماء لم يسبق لها مثيل ... ويستعملون الاصطلاحات الثقافية دونفهم لمصادرها ولمعناها الحقيقي , ويوزعون الألقاب بالجملة , ان الملام ايضا صحافتناالهزيلة التي لم يعد للثقافة فيها قيمة انما ما يعبيء فقرها الفكري والاعلامي ,وأجزم انه لايوجد في صحفنا اي محرر ادبي متخصص وقادر .اما الصحافة التي صنعت اجيالامن الادباء البارزين فقد انتهى عهدها, وهذا ايضا من علامات الشيخوخة الأدبيةالمبكرة ويمكن القول الشيخوخة الفكرية والسياسية ايضا .
لست ضد ان يساهم ايانسان وبأي جيل كان بالحياة الثقافية , ابداعا وحوارا , ولكني لا ارى الا عرض ازياءفات موعد تسويقها والمزيد من طلاء الميكياجات وتجنيد المصفقين باقناع المبتدئينانهم باتوا في القمة و سيصبحون اعلاما للشعر او للقصة رغم ان كل ابداعهم لايتعدىالمحاولات الأولية . ان الظن ان تحويل فلسطين الى "فزاعة" دائمة في نصوصهم وتحويلهموم العالم العربي الى شيطان " ابداعهم "وممارسة النقد بلا مسؤولية وبتفاهة تبلغدرجة التهريج والثرثرة وتوزيع الالقاب والنياشين سيجعل منهم ادباء وطنيين , هو وهملن يجدينا منه الا المزيد من الخراب الثقافي , ويكسبون اجرا عظيما اذا عادوا الى ممارسةالصمت كما فعلوا في السنوات الخمسين الماضية. وتفعل صحافتنا خيرا اذا الغت الصفحاتالثقافية التي تقلصت اصلا واضمحلت ثقافيا , وخوت من المؤهلين على التعامل معالابداع الأدبي بما يستحقه من تقييم واهتمام .
لا اتجنى على اي مبدع اذا كان حقايستحق ان يحمل هذا اللقب الكبير , فالأدب ليس وقفا على جيل محدد او اسماء محددة ,انما حركة حياة تصهر في بوتقتها المجتمع بكل تركيبته المتناقضة والمتنافرة , غير انما يجري في أدبنا , لا علاقة له بمجتمعنا ولا بثقافتنا ولا بانساننا ولا بتاريخنا .. ولا اقصد اسما محددا في الابداع او النقد , انما اعني اتجاهات , اعتبرها ظواهرأدبية عابرة , غير اني ارى ان اسقاطاتها السلبية ستكون مدمرة وذات اثر رجعي عميقعلى تطورنا الثقافي.

نبيل عودة – قاص ، روائي ، ناقد وكاتب  سياسي /الناصرة

mostkbel@netvision.net.il

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا