ف

راسلنا

منتدى

عن الندوة

أدب وأدباء

صوت الشعر

شعر صيني مترجم

شعر إنجليزي مترجم

شعر مترجم

شعر عربي

 

كيف تكون كاتبا روائيا أو قصاصا متميزا؟

د. جميل حمداوي - المغرب

 

استهلال لابد منه:

 

 لقد أرسل لي كثير من الأصدقاء الكتاب والمبدعين الأعزاء نصوصهم السردية من شتى أقطار العالم العربي سواء أكانت نصوصا قصصية أم نصوصا روائية لقراءتها ونقدها وتقريضها. وكل هذا رغبة في نشر التعليقات المكتوبة عليها والمسجلة على هامش هذه النصوص في الصحف الورقية والمواقع الرقمية ليطمئن إليها الكاتب المبدع  باعتبارها شهادة واعترافا و ليستفيد منها القراء المتتبعون. و بعد عملية النشر، يحس الكاتب المبدع والناقد بلذة النص والانتصار ولحظة الزهو، ويفرح بروعة عمله كالطفل الصغير الذي يشدو كثيرا بلعبته. لأن هذا النشر سيحقق صيتا وشهرة للمبدع والناقد معا من خلال إثبات صورة الكاتب واسمه ولقبه بمحاذاة نصه ومقدمة شيخه الناقد.  ومن المعلوم أن النقد الحقيقي في مذهبي يعتمد على القراءة المتأنية والملاحظة الوصفية للنص خارجيا وداخليا، ثم الانتقال إلى عملية التقويم عبر استخلاص الإيجابيات وتحديد السلبيات، والانتهاء  إلى تقديم مجموعة من التوجيهات البناءة التي ينبغي أن يقتنع بها المبدع أو الكاتب المبتدئ. وعلى الكاتب أن يحترم الناقد وأن يقدره مهما كانت ملاحظاته ولو لم تكن لصالحه، و ألا يثور على الناقد سبا وشتما وازدراء مادام أنه قد انتقد عمل ذلك الكاتب وأظهر عيوبه، وانتقص من قيمة عمله. إن مهمة الناقد مهمة صعبة، لأنه ينير الطريق أمام المبدعين ويعبد لهم الطريق الذي سيسهل عليهم الوصول إلى الهدف المنشود بدون كلل ولا مشقة تذكر. إن الناقد المسؤول مثل المشكاة التي تضيء السبيل أمام الكتاب الذين يريدون أن يصعدوا إلى قمة المجد الأدبي ، وذلك بتوجيههم  الوجهة الصحيحة وإرشادهم إلى منابع الإبداع الصحيح وطرائق التميز والخلود وسبل تحسين الإنتاج الأدبي والفني تخييلا وإجادة وابتكارا. وسوف أقدم في هذا المقال مجموعة من الإرشادات والمقترحات كي يستهدي بها الكاتب في عملية الإبداع والإنتاج قصد تحقيق الأهداف المسطرة والمنشودة، وهي تخص الإبداع والمبدع على حد سواء. والباعث على كتابة هذا المقال هو أنني وجدت كثيرا من الأخطاء والهفوات التي ترتكب وما كان ينبغي للمبدع أن يرتكبها؛ لأنها أدوات جوهرية وأساسية في عملية الكتابة كالأخطاء النحوية والإملائية والصرفية، ناهيك عن سلبيات تتعلق بعملية الكتابة والسرد واختيار الموضوع والتعبير عنه حكيا وخطابا.

 

أ- شـــــرط الإبداع والإنتاج :

 

1-    الحبكة السردية و التخطيط المحكم:

 

عند كتابة الرواية أو القصة لابد من اختيار الموضوع الذي ستكتب فيه، وينبغي أن يكون موضوعا جادا وجديدا وأصيلا لايخدش الأخلاق والقيم الدينية، وذلك  بإثارة الشهوات والغرائز وتحويل القص إلى نص بونوغرافي جنسي كما فعل الكاتب المغربي محمد شكري في روايته الشطارية" الخبز الحافي" عندما صور العملية الجنسية التي كانت بين الأب وأمه  في السرير الليلي. فلا يمكن أن ندخل باب التميز الروائي بمقولة "خالف تعرف"، حيث  يتناول الكاتب قضايا الجنس و يعمد إلى تصوير مشاهد الخلاعة وذكر الصور الإباحية من أجل أن يؤكد لنا مدى واقعيته وصراحته في نقل الحقيقة الموضوعية. فلابد أن يحمل الإبداع رسالة صالحة تنفع الإنسان وتغير أوضاعه السلبية وترفعه إلى أسمى مراتب الإنسانية وتبعده عن الحيوانية. أي يكون ملتزما بقضايا الذات و المجتمع  والوطن والأمة والكتابة ذاتها. ومن المعروف أن الرواية ثقافة ومتعة ، ويعني هذا أن يكون الروائي مثقفا يسعى إلى تقديم تجربة إنسانية وبشرية معاشة و خبرة معرفية ثقافية في ثوب جمالي وفني. ومن ثم، فلا بد من وضع تصميم وخطة عمل كالمهندس والمدرس من خلال الاعتماد على الوثائق والمصادر والمراجع وجذاذات البحث من أجل تسطير حبكة سردية تخضع لمنطق سببي أو كرونولوجي لا تخرج عن المرتكزات الخمس: الاستهلال والعقدة والصراع و الحل والنهاية. ويمكن تكسير هذه القواعد لخلق نص إبداعي جديد. لأنه ليس من المنطقي أن نطالب المبدع باحترام قواعد  ووصفات إبداعية معينة وجاهزة، وأن يراعي في ذلك أفق انتظار المتلقي، فالمبدع له كامل الحرية الكاملة في خلخلة البناء السردي والانزياح عنه تحديثا وتجريبا وتأصيلا وخلق مسافة جمالية فنية أخرى عبر تأسيس عرف أدبي جديد.

وعلى الروائي أن يتجاوز المواضيع الرومانسية والواقعية المستهلكة، وأن يعيد قراءة التراث بمنظور جديد يعتمد فيه على النقد وتعرية  المسكوت عنه، وانتقاد الاستبداد والتسلط وكتابة تاريخ شعبي  يخص الفقراء والمساكين والمثقفين والمهمشين والصعاليك ورصد الاستبداد والتسلط والاستعباد والظلم السياسي والاجتماعي... أي التركيز على المواضيع التي تؤرق الإنسان العربي كالحرية والشورى والديمقراطية والسلطة والثقافة والعدالة وحقوق الإنسان ... وهنا نشيد ببعض الأعمال الروائية الجادة التي ينبغي أن يعود إليها الكاتب المبتدئ أو المبدع مثل : رواية" الزيني بركات" لجمال الغيطاني و"ثلاثية غرناطة" لرضوى عاشور و"مجنون الحكم" و"العلامة" لبنسالم حميش و" جارات أبي موسى"لأحمد توفيق...

وإذا أردنا أن ندخل العالمية من باب واسع فلا بد من تأصيل الخطاب الروائي، وذلك بالرجوع إلى التراث السردي العربي القديم لاستلهامه والتفاعل معه تناصا وحوارا كقراءة ألف ليلة وليلة التي اعتمد عليها  الروائي الأرجنتيني بورخيس كثيرا في تشييد نصوصه السردية وقراءة كليلة ودمنة لابن المقفع ورسالة الغفران لأبي المعري واستلهام السير الشعبية مضمونا وشكلا.  فلابد – إذاً- من تطوير الكتابة السردية التراثية وإثرائها بروح جديدة يمكن الكاتب من خلالها الانفتاح على التقنيات السردية العالمية لتطعيم نصوصه الروائية أو القصصية دون أن يسقط في المحاكاة العمياء والتقليد الحرفي والإسقاط السطحي للمفاهيم والتصورات النقدية الغربية. فلا نريد نصوصا عربية جديدة طبق الأصل للنظريات الغربية كما فعل الروائي المغربي محمد برادة في روايته" لعبة النسيان " عندما طبق نظرية  البوليفونية ( التعددية الصوتية)  التي شرحها  الكاتب الروسي ميخائيل باختين في كتابة" شعرية الرواية عند دويستفسكي"، أو ما قام به نجيب محفوظ أثناء كتابة نصوصه الواقعية التي تبنى فيها واقعية بلزاك وفلوبير وستندال وإميل زولا. وحينما قرأ أحد قراء الغرب إحدى روايات نجيب محفوظ اندهش قائلا: C'est notre Balzac! إنه بلزاكنا! أي لافرق بينه وبين بلزاك في تصوير الواقع بنفس الطريقة التشخيصية الغربية.

إذاً، لدينا شخصيات تراثية  كثيرة تحتاج إلى معاينة إبداعية كابن رشد وابن سينا وابن خلدون وأبي نواس وابن طفيل والحجاج الثقفي وابن المعتز... لا أدعو إلى كتابة نصوص تراثية مستنسخة ومجترة ولا أدعو إلى كتابة رواية تاريخية فنية كما كان يكتبها جورجي زيدان وعبد الهادي بوطالب، بل رواية جمالية ثقافية قائمة على التخييل الفني واستنطاق اللاشعور السياسي والاجتماعي والمكبوت الداخلي الأسري وتصوير المجتمع الشعبي ضمن علاقة جدلية بينه وبين السلطة  كما فعل بنسالم حميش في روايته " مجنون الحكم" أو جمال الغيطاني في " الزيني بركات"..

ونعود إلى الأحداث  مرة أخرى فنقول: إن هناك أحداثا أساسية وظيفية وأحداثا ثانوية فلابد من استقصائها وتفصيلها لتشويق القارئ وإمتاعه ، ولا نقدم له الحل الجاهز على طبق من ذهب، بل لابد من  تخييب أفق تصوره الإبداعي عن طريق جذبه وشده إلى مسار السرد تعاقبا وتسلسلا سواء على المستوى السببي أم الزمني بعد أن يسهب الكاتب في تقديم المؤشرات الوصفية و الفضائية والحالية والجوية.

 

2-       ضبط عالم الشخصيات والتحكم فيه فنيا:

 

من المعروف أن الشخص Personne يختلف عن الشخصيةPersonnage، فالشخص عالم من لحم ودم بينما الشخصية كائن ورقي خيالي. فعلى المبدع أن يختار الشخصيات ويدقق في اسم العلم جيدا ويختار الاسم العائلي والشخصي انسجاما مع مدلول الشخصية داخل النص ويمكن أن تكون الشخصية بدون اسم أو تتحول إلى رقم أو كائن ممسوخ، وأن يحدد العلاقات التواصلية الموجودة بين الفواعل الرئيسية والثانوية والعرضية ضمن برنامج سردي سطحا وعمقا تحدده العقدة الأساسية في النص الحكائي. وهنا لابد من اختيار الشخصيات الديناميكية النامية عبر تنامي السرد في مقابل الشخصيات البسيطة الستاتيكية.

هذا،  ويقوم الوصف بدور كبير في تشويق المتلقي، و هو يرتكز على أربعة مظاهر وهي: الشخصيات والأمكنة والأشياء والوسائل من سيارات وآليات النقل... ويبدو أن كثيرا من الروائيين لا يملكون موهبة الوصف لضعفهم في الكتابة الإنشائية والبلاغية التي يحتاج إليها الوصف. وأثناء كتابة الاستهلال، لابد من توظيف الخطاب الوصفي لتقديم الشخصيات أو الأمكنة أو الأحداث وتأطير البرنامج السردي وتحديد سياقه المرجعي والنفسي. ولا أعتد شخصيا بكاتب لايتقن الوصف لغة و تمطيطا وإسهابا وإجادة، ويهرب  منه إلى الأوصاف والنعوت والأحوال في عبارات وجمل ومقاطع قصيرة لاتغني ولاتسمن من جوع ؛ لأن الوصف هو أس الرواية الرائعة فقد كان بلزاك الكاتب الفرنسي وستندال يخصصان معا صفحات كثيرة للوصف قد تتجاوز الثلاثين صفحة من الكتاب. أما إميل زولا كما في روايته العمالية جيرمينال Germinal فكان يبحث عن وصف اصطلاحي، وذلك بجمع المصطلحات التقنية والألفاظ التي لها علاقة بالمنجم والمعاجم المهنية والحرفية  التي قد تنفعه في كتابة روايته. وفي أدبنا العربي نماذج وصفية عديدة كرواية "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي وروايات عبد الرحمن منيف في"النهايات" وروايات نجيب محفوظ وخاصة ثلاثيته الرائعة و"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح.  ولا ننسى كذلك رائعة سهيل إدريس ألا وهي رواية "الحي اللاتيني "  ورواية "زينب" لمحمد حسين هيكل و"دفنا الماضي" لعبد الكريم غلاب ورواية " أطياف الظهيرة" لبهوش ياسين...ويمكن أن يستفيد الكاتب من الخطاب العجائبي باختيار شخصيات فانطاستيكية عبر تحويل الشخصيات البشرية إلى كائنات مادية أو جنية أو حيوانية مسخا وتشويها كما فعل بنسالم حميش في روايته" سماسرة السراب" ويحيى بزغود في روايته" الجرذان"...

 

3-       اختيار الفضاء الزمكاني:

 

 من المعروف أن الأمكنة قد تكون حميمية كالمنازل والأعشاش أو عدائية كالسجون والزنازن والمستشفيات أو أمكنة وسيطة وعدائية كالشوارع والحانات وساحات الحروب. ويخضع الفضاء المكاني لجدلية الانغلاق والانفتاح والداخل والخارج والتدرج من الأمكنة الخاصة إلى الأمكنة العامة والعكس صحيح أيضا. كما أن الأمكنة قد تكون رومانسية وواقعية وطبيعية وشاعرية وأسطورية ويوتوبية وفانطاستيكية. و لا يمكن فصل هذه الأمكنة عن سياقها الزمني والطبيعي والفلكي والنفسي والاجتماعي والتاريخي. وإذا كان علماء الطبيعة كنيوتن يفصلون بين المكان والزمان في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فإن الفيزياء المعاصرة مع إنشتين أثبت استحالة فصل المكان عن الزمان لوحدتهما الإيقاعية. وهنا لابد للروائي أن يكون ملما بنظريات الفضاء الدلالي والمجازي والواقعي... وأن يشخصه في مقاطع وصور وصفية تثير المتلقي وتدغدغه متعة وتشويقا وإثارة وتخييلا. كما ينبغي للروائي أن يكون ملما بقواعد وتقنيات السينما في التصوير والمونتاج والتقطيع والتركيب، وذلك باعتماد الحواس في التعبير والانتقال من التصوير البعيد إلى التصوير القريب ومن تشخيص الملامح الكلية السطحية إلى إبراز الملامح القريبة وتجسيدها بشكل دقيق جدا، والانتقال من الأعلى إلى الأسفل  والعكس صحيح أيضا مثل: الانتقال في تصوير المشاهد أو الشخصيات من السماء إلى الأرض ومن الفضاء الأفقي البري إلى الفضاء الأفقي البحري. وهنا نستحضر شعرية الفضاء والاستقصات الأربعة: التراب والنار والماء والهواء وتحديد دلالاتها السيميائية والنفسية والوجودية. وعلى الكاتب أن يتحكم في إيقاع الزمن سرعة وبطئا، إيجازا وإسهابا، تسلسلا وتقاطعا وتراجعا في شكل فلاش باك، وأن يلم بمنطق البناء الزمني وأن يعرف طرائق الخلخلة الإيقاعية( المشهد، الوقفة الوصفية، الحذف، الإيجاز) وقضية التواتر التي تشكلها ثنائية الصفحة الورقية والمدة الزمنية.

 

4-       المنظور السردي:

 

من الروائيين والقصاصين من يعتمد هذا القالب الكلاسيكي المدرسي " في يوم من الأيام...وذات يوم... كان ياماكان..."، أو يعتمد الضمائر السردية كضمير الغائب أو مايسمى بالرؤية من الخلف أو التبئير الصفري حسب جيرار جنيت أو ضمير المتكلم أو الرؤية المصاحبة أو التبئير الداخلي أو ضمير المخاطب الذي من الصعب استعماله حتى نهاية الرواية، لكن هناك من الروائيين الجدد من وظفه بطريقة فنية رائعة  كالكاتب الفرنسي ميشيل بوتورButor. و رغبة في التأصيل، يمكن الاستعانة بمقولات الاستفتاح السردي الموجودة في الحديث النبوي كما في رواية الكاتب التونسي محمود المسعدي "حدث أبو هريرة. قال.."، أو توظيف ما يوجد في القرآن الكريم من صيغ الابتداء وهي كثيرة جدا بله عن تقنيات السرد القديم مثل: بلغني أيها الملك السعيد... زعموا أن.... أخبرني....حدثني..........سمعت أن .......

فالروائي عليه أن يختار القوالب التي يستهل بها سرده وأن يبتعد قدر الإمكان عن  تشغيل السارد العليم الواحد الذي شبه  عند فلوبيربالإله الخفي؛ لأنه يعرف كل شيء عن شخصياته، يعرف الداخل والخارج، الظاهر والباطن، يحدد مصائرها مسبقا كما يشاء، ولا يترك لها الحرية للتعبير والدفاع عن نفسها .  فهذا هو الروائي الذي مازال يتربع على سلطة السرد العربي الحديث ويتحكم في رقاب المبدعين والشخصيات الورقية الموظفة بوعي أو بدون وعي. فمن الأفضل- إذاً- أن نعدد الرواة كما في كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة... قصد خلق رواية ديمقراطية متعددة الأصوات فيها ماهو شعبي وماهو رسمي.

 

5-       الاهتمام بالكتابة الروائية:

 

عند كتابة الرواية أو القصة، لابد أن ينوع الكاتب من صيغ الكتابة وآليات التعبير وتشغيل أساليب السرد، وذلك بالانتقال من أسلوب غير مباشر إلى أسلوب مباشر( حوار) والعكس صحيح أيضا، والانتقال من الحوار الداخلي إلى الخطاب غير المباشر الحر  على المستوى الذهني والمنطوق.  . ولا ينبغي أن يكتفي الروائي بلغة واحدة وأسلوب واحد، بل عليه أن يثري سجلاته اللغوية وأن يختار اللغات المستوجبة في نصه السردي كالفصحى والعامية والأمازيغية والكردية واللغات الأجنبية... وأن يوظف المستنسخات التناصية والمقتبسات والخطابات واللوحات البصرية المعبرة وقصاصات الصحف والإشهار والملصقات السينمائية والأشعار والأغاني والمقاطع الدينية والصوفية واللوحات والمسبوكات التشكيلية والفنية، وأن يترك مساحة للمتلقي ليعلق على النص داخل المتن الروائي أو ضمن حواشيه أو في آخر المتن. ولا ننسى ميسما ضروريا في الكتابة الروائية وهو الاهتمام بالصور البلاغية مشابهة ومجاورة ورؤيا والمزاوجة بين المحكي السردي والشاعري واستعمال التوثيق والأسلبة والباروديا والامتساخ العجائبي والسخرية والكتابة الكاريكاتورية وتشغيل التناص بشكل حواري تفاعلي. ولا ينبغي أن تكون اللغة جافة  لاحياة فيها ولا روح، بل لابد من إغنائها بالتهجين والأسلبة والمحاكاة الساخرة والتعددية اللفظية والتصوير الإنشائي البياني والمجازي واستثمار الغريب والعجيب.

 

6-       العناية بالنص الموازي:

 

 عند اختيار الموضوع الروائي والانتهاء من كتابته، يستحسن الاهتمام بالنص الموازي كالعنوان واللوحة الأيقونة والتعيين الجنسي ( تحديد جنس العمل) واختيار حيثيات النشر وحجم العمل. ومن الضروري أن يرفق المتن بالعنوان الخارجي والعناوين الداخلية والفرعية والمقطعية والمفهرسة والهوامش واللوحات السيميائية للإحالة والدلالة. ومن الأفضل أن يستعين الكاتب بالنقاد لقراءة الرواية أو القصة قبل عملية النشر لتصحيح الأخطاء ومعرفة وجهات نظر الآخرين أو لكتابة المقدمة، فضلا عن  اختيار كلمات الغلاف الخارجي وصورة المبدع والثمن المناسب والغلاف المتطور تقنيا ذي السلطة الإشهارية والإعلامية. أي على المبدع أن يكون ملما بسوسيولوجية الكتاب  والطبع والنشر والتسويق.

 

ب- شروط الكاتب أو المبدع:

 

لابد لمن يريد أن يكتب القصة أو الرواية أن يكون مثقفا وكثير الاطلاع على النصوص الروائية. وعليه أن يقرأ على الأقل مائة نص روائي قبل الانطلاق في الكتابة، وأن يبدأ بقراءة نصوص المتميزين من الكتاب العرب كنجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف والطيب صالح وجمال الغيطاني ورضوى عاشور وبنسالم حميش وسهيل إدريس وإميل حبيبي وعبد الرحمن مجيد الربيعي  وزكريا تامر وأحمد بوزفور ويوسف القعيد وأحمد توفيق في روايته الرائعة" جارات أبي موسى"، وأن يطلع على إنتاجات الحائزين على جائزة نوبل من الكتاب الأجانب والعرب إذا وجدوا، وأن يبحث عن أسرار فنية أعمالهم ومواطن العبقرية فيها وأسباب نجاحها وتميزها. كما عليه أن يقرأ آخر النظريات النقدية في مجال السرد القصصي والروائي لكي يعرف أين وصل؟! وماذا يكتب ؟! وماذا يقدم للقارئ؟!. فلا يعقل أن نجد روائيا يكتب مواضيع تجاوزها الزمن، وأصبح القارئ في منأى عنها. ومن الشروط الأساسية لكل روائي أو قصاص أن يكوم ملما بعلوم اللغة العربية من نحو وصرف وإملاء وبلاغة...وأن يتقن اللغات الأجنبية قصد الانفتاح على الثقافات الأخرى ليساهم بدوره في إثراء السرد العالمي تشكيلا ورؤية ومضمونا. ومن  أساسيات الكتابة الروائية  أيضا الاحتكاك بالواقع ومعرفة مشاكله، والاحتكاك بالناس ومراقبة حركاتهم ورصد سلوكياتهم الشعورية واللاشعورية. وقد نصح فلوبير الكاتب گي موباسانGUY MAUPASSANT بأن يراقب حركات الحلاق وهو خارج دكانه، لأن الرواية حسب بلزاك مرآة الواقع ، وهنا لابد من معرفة  مجموعة من العلوم والمعارف لتقديم نص روائي جيد كالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والسينما والفن التشكيلي...

هذا، وإن المبدع الحقيقي عليه أن يستوعب الحضارة الغربية وتراثه العربي والإسلامي بكل حقوله الثقافية، وأن يعيد كتابته  وتشكيله على ضوء تصور جديد يستند إلى ماهو جمالي وفني وماهو ثقافي معرفي.

 

خاتمة:

 

هذه أهم الاقتراحات والتصورات التي أراها ضرورية من أجل كتابة نص سردي جدير بالدرس والتنويه والإشادة. أي إن النص السردي لابد أن يجمع بين المتعة والفائدة، وأن يرتبط بجذوره التراثية بناء وتصورا وفنا مع الانفتاح على التقنيات الروائية الغربية وتجاوز المواضيع المستهلكة والاهتمام بالقضايا الإنسانية الجادة واستثمار كل الوسائل الجمالية المعروفة في تراثنا القديم وتطويرها في ثوب جمالي و قالب فني جديد.

 

ملاحظة:

 

جميل حمداوي، صندوق البريد 5021 أولاد ميمون، الناظور 62002، المغرب/

jamilhamdaoui@yahoo.fr

 

 

Comments 发表评论 Commentaires تعليقات

click here 按这里 cliquez ici اضغط هنا

ضع إعلانك هنا