(1)
يقول الكاتبُ الفرنسي
"بيير جيرارد" صاحبُ كتاب "كيف تتحدث عن كتبٍ لم تقرأها" ، وهو أستاذ الأدبِ في
جامعةِ باريس الثامنة، أن من عادته التحدث في محاضراته عن كتبٍ لم يقرأها... ويجد
الكاتبُ ذلك الأمر هينا وخاصة عندما يكون المستمعون هم أيضًا من الذين لم يتمكنوا
من قراءةِ الكتابِ الذي يتحدث المحاضرُ عنه. أما إذا صادف أن قرأ أحد الطلاب
الكتابَ فذلك لاشك سينسف محاضرته ... وتتحول المحاضرة عندها إلى ساعةٍ من الإحراج
الكبير للأستاذ الجليل.
يبدو أن الكتابة عن كتابٍ
لم نقرأه أمرٌ يسيرٌ كما يقول "بيير جيرارد"... لكنني هنا أراهن على كتابةٍ أقل
يسرًا (أو أكثر عسرًا... في رأيي) ...أي المقارنة بين روايةٍ لم أقرأها وشريطٍ
سينمائي لم أشاهده.
(2)
ثمة مصادفاتٌ غريبة
يجترها العقلُ بين الحين والآخر، من هذه المصادفات ذلك الشعور الذي يأخذنا عند
قراءتنا لنص ما.... الشعور بأننا سبق أن قرأنا هذا النصَّ في مكان ما وفي زمن لا
نتذكره.. يقوم العقلُ في محاولة يائسة بترتيب أفكارنا . إنه يعمل مثل مكتبي مجدٍ
ينظم كتبه ويصنفها ويضع ما تشابه منها جنبًا إلى جنب...
فعند قراءتي لدراسات
نقدية حول رواية "إلى الأبد و... يوم" للكاتب السوري عادل محمود الحائزةِ على
جائزةِ دبي الثقافية للإبداع لعام 2007 ، وهي الرواية التي يقول كاتبها أنه أنجزها
في فترةٍ لا تزيد على العشرين يومًا حتى لا يفوته التاريخُ المحددُ لقبول الترشيح .
انتابني شعورٌ بأن عنوانَ الروايةِ الغريبَ كنتُ قد سمعته من قبل. بعد عناء التفكير
تذكرتُ شريطا سينمائيا للمخرج اليوناني "ثيو أنجيلوبولوس" والذي يحمل عنوانَ "إلى
الأبد ويوم" والذي صوره عام 1997 وعرضه عام 1998 مع ملاحظة غياب النقاط الثلاث في
عنوان الشريط مقارنة بالعنوان الذي أختاره عادل محمود لروايته.
(3)
ما هي مصادفات التشابه
بين الروايةِ والشريطِ السينمائي المثيرة للعقل؟
سوف نذكر منها خمسًا في
هذا المقام:
المصادفة الأولى: عنوان
العملين
* شريط ثيو أنجيلوبولوس
يحمل اسم "إلى الأبد ويوم"
* رواية عادل محمود تحمل
عنوان "إلى الأبد و... يوم"
المصادفة الثانية:
استراتيجية السرد والتصوير
يروي أنجيلوبولوس أحداث
الفيلم الكاملة من وجهةِ نظر اليكسندر بطل الشريط والشخصيات تخرج واحدة تلو الأخرى
من ثنايا ذاكرته ... تعتمد أحداث الفيلم على فعل التذكر
يقول النقاد السينمائيون
الفرنسيون:
"Alexandre, un écrivain
célèbre, se remémore son passé heureux."
(أليكسندر كاتب مشهور
يتذكر أحداث ماضيه السعيدة)
* عند عادل محمود: الراوي
(كاتب؟) يتحدث من وجهة نظره عن الأحداث وهو يعتمد على الذاكرة... هل أعتمد عادل
استراتيجية التذكر Flash-back في روايته ؟ هذا ما يقوله النقاد العرب.
يقول الناقد عزت القمحاوي
عن رواية عادل محمود:
"تبدأ الرواية بفعل
التذكر ، من لحظة حاضرة وتنتهي به أيضاً ، ومبدأ الذكريات ومنتهاها "عين البوم"
قرية الراوي ، الذي يقرر أنه كان متيقناً من أنه سينتهي إليها أيضاً"
المصادفة الثالثة : أحداث
الشريط والرواية
* تبدأ أحداث شريط "إلى
الأبد ويوم" بفكرة الموت... أليكسندر مصاب بمرض لا شفاء منه... يغلق نوافذ بيته
للمرة الأخيرة قبل أن يذهب إلى المستشفى.
* تبدأ رواية "إلى الأبد
و...يوم" بفكرة الحياة...
يقول عادل:"منذ البدايات
كنت أعلم ، بحس الجن ربما ، أنني سأطأ بقدمي أراضي واسعة من الكرة الأرضية لأكتشف
أن نقطة التقاء محورها الكوني أبسط من كل علوم الأرض ، وأصغر أيضاً ، وهي تلك
القرية الممعنة في اختفائها عن الأنظار ، حيث سقط رأسي في طشت ، كادوا يرمونني مع
مياهه الدامية". (المقطع من إختيار عزت القمحاوي)
* تعتمد أحداث شريط "إلى
الأبد ويوم" على الرحيل والتجوال.
* تعتمد أحداث رواية "إلى
الأبد و... يوم" كما يقول خليل صويلح على التجوال في تضاريس العالم.
يقول صويلح : "الكتابة
كمين لاصطياد الذكريات ومحاولة لترويض الوحش داخلنا. هذا ما يسعى إلى مقاربته عادل
محمود في روايته الأولى «إلى الأبد ويوم». لكنّ هذا الشكل من الكتابة الطليقة
والتجوال في تضاريس العالم ـــــ من موقع سيروي صرف ـــــ يقود النص إلى فخاخ سردية
كثيرة."
* يتطرق الراوي
لأغلب أفراد عائلته في أحداث شريط "إلى الأبد ويوم"
* هل تطرق عادل محمود في
روايته "إلى الأبد و... يوم" إلى أفراد عائلته؟... يبدو ذلك.
المصادفة الرابعة:
جائزتان لعنوان غريب
* حصل شريط "إلى الأبد
ويوم" على جائزة الريشة الذهبية في مهرجان "كان" السينمائي عام 1998
* حصلت رواية"إلى الأبد
و... يوم" على جائزة "دبي" الثقافية للإبداع عام 2007
(ملحوظة: يحتوي اسم "كان"
وكذلك "دبي" على ثلاثة أحرف)
المصادفة الخامسة:
التشابه في غلاف الرواية ولوحة إشهار الشريط
هل يمكن ملاحظة وضع عقارب
الساعة على غلاف الرواية ووضع يدي الرجل نحو السماء.. (استسلام للحياة أم علامة على
النصر؟) ، وهل نلاحظ فكرة الرمل تحت عقارب الساعة وتحت قدمي الرجل؟ (فكرة الموت
وتراب القبر أم فكرة الزمن الذي يمر؟)
(4)
رأي وسؤال:
* السؤال أولا: هل عرف
النقاد والذين منحوا الجائزة بمثل هذه المصادفات؟
* والرأي ثانيًا: إنها
مصادفات غريبة قد لا يكون لها علاقة بالتناص ولا بالسرقة الأدبية والذين لا يعتقدون
بفعل الصدفة أدعوهم إلى قراءة مقالة الأسبوع القادم
(5)
في نهاية المطاف... هاهو
مشهد من شريط "إلى الأبد ويوم" للمخرج اليوناني "ثيو أنجيلوبولوس" ... إنه قمة في
الإبداع
http://pop.youtube.com/watch?v=B110rAXet6U&feature=related
د. محمد قصيبات
***