ف |
شعر مترجم |
شوقي يوسف بهنام - العراق
في نص معذب يبث أدونيس من خلاله واحدة من خبراته التي واجهها مع المرأة . ويبدو أن هذه المرأة كانت على طرف النقيض لمنظومة أدونيس العقائدية . وعلى الرغم من أنه ، يرى نفسه المهتدي الأوحد ، فأن هذا الاهتداء لم يجعل أدونيس ان يعيش سعيداً لأنه تعلق بامرأة . وبالتالي ، فأنه بقي في هذا الجانب معذبا وقد ملئت هذه المرأة قلب أدونيس اللوعة والحسرة . واندفع إليها متوسلا و راجيا . ولذلك لما كانت حاجة لأدونيس بأن يعاتبها لأنها رفضت الانصياع أو التمذهب وفق ما يريد . أدونيس بهذا المعنى يعيش عذابات الانتماء . الانتماء الذي قد يكون حائلا دون التواصل الإنساني الذي لا يعيش إلا في ضوئه . وبهذا المعنى يكون الانتماء قيدا ... طوقا ... مانعا للمشاركة الإنسانية . والانتماء أو التبعية Belongingness ، كما يعرفه الحفني في موسوعته هو ( شعور الفرد بأنه مقبول عند آخر أو عند الجماعة ، أو شعوره بالتعين بالجماعة ) ( 1 ) . وهذا يعني أن لولا الانتماء لظهر عند الأنا شعورا بالرفض والنبذ أعني أن الأنا مرفوضة أو منبوذة . ومعروف كم هو مرير ومؤلم هكذا شعور . و لا يستطيع إنسان ذو إمكانيات محدودة أن يتحمل قدرا كبيرا منه . لا ندري هل عانى أدونيس قدرا من هذا العذاب ؟؟ . فقبل بالتوسل وتحمل أعباء التبعية . يقول أدونيس في هذا النص :-
... _ لو سَكنت ِ ، كما قلت ، صوتي لكنت اهتديت ِ للطريق ومعراجها واكتسيت ِ حلة السالكين يشربون الشموس وابعادها ولكنت ارتويت ِ
( الآثار الكاملة ، مجلد 2 ، 458 ) ***************** أنحتاج إلى دليل ؟ كم مرة قال لها ... أدونيس ان تسكن صوته .. هل قال لها بفمه أم بالإشارة .. أم بقلبه .. وهي صماء لا تستجيب . نعم هناك انجذاب بينهما ... ربما هناك تبادل نظرات .. أو ربما أيضا هناك .. بينهما حديث .. إلى هذا الحد وكفى وكل منهما يمضي في طريقه .. كل منهما يعيش همومه . أدونيس قال أنه اهتدى .. أنه يملك صوت . لا أدري هل لأودنيس صوت جديد لم تسمعه الأذان التي من حوله من قبل .. أم وقع في حب امرأة من الطرف الآخر الذي لا تربطه معه بخيوط الانتماء . واضح ، هنا أن هذه المرأة قد تكون غير عربية .. قد تكون أوربية .. واسمها سوزان .. مثل سوزان التي احتظنت طه حسين عندما كان باريس وأخذت بيده وأوصلته إلى حيث وصل ؟؟ . وقد تكون مثل ريتا التي عذبت ولوَعت قلب شاعرنا محمود درويش وهو في خضم المقاومة ؟؟؟ . وقد تكون ... وقد تكون .... ؟؟؟؟؟ . المهم هو أن أدونيس خارج دائرة انتمائها . هي متعنتة .. لديها اعتبار لانتمائها .. لديها قناعة به .. وهي في الوقت نفسه معجبة بأدونيس .. بجمال صورته .. بعذوبة صوته .. بحلاوة شعره .. بكلامه الرقيق .. بكلماته الساحرة . بقامته . ب.... ب...... . وهو الآخر معجب بها ب... ب.. . كل منهما يغري الآخر بمصداقية انتمائه .. ربما دار يبنهما حوار عاشقين من الداخل .. ندين من الخارج .. حول أبعاد انتمائهيما . ولكن ، وعلى ما يبدو ، وصلا إلى التقاطع .. إلى مسافات ... لا تلتقي ... إلى طرق مسدودة . ويخفق القلب وتشتعل نيرانه من الداخل وقد تدمع العيون ... وقد تبكي ... وقد تصرخ الالسنة ... مثلما فعل يوسف بزوجة وزير فرعون وجواريها لولا أن رأى برهان ربه فأنطلق رافضا دعوتها عندما غلقت الأبواب .. ويؤكد أدونيس ، هنا ، بأنه هو الذي يمتلك الطريق .. بحوزته مفاتيح الحقيقة .. في يديه أسرار الحياة ... نعم لو لم يكن أدونيس هكذا لم يكن ليدعوها لتكتسي حلة السالكين الذين يشربون الشمس وابعادها .. قد لا تكون ، سعيدة الحظ هذه ، واحدة من اللواتي توقفنا عندهن ... قد تكون واحدة من دائرة انتمائه ولكنها لا تفهم خطابه و لا تستطيع تمييز صوته من بين البشر ..هذا احتمال ضعيف .. و لا يجعل من أدونيس أن يخرج من دائرة الذات ليتعلق بأطراف ثيابها .. نعتقد انها خارج دائرة انتمائه . أدونيس يكرر مرة أخرى ، في النص على الأقل ، دعوته لها .. فيقول :- لو سكنت ِ ، كما قلت ، صوتي
وكنت العرافة ومنارتها القزحية بين أيامنا الورقية وثلوج المسافة ، ولكنت ِ اهتديت .... ( المصدر السابق ، ص 458-459 )
********************* في المقطع الأول كان أدونيس ، يدعوها إلى خطابه ، وتحديدا .. إلى تجاربه الصوفية ، بحصر المعنى ، وكيف يتذوق صحبة الشمس والارتواء من مناهل الطريق ... ولكنه هنا وفي هذا المقطع يدعوها إلى عالم آخر .. هو عالم السحر والكهانة . هنا أدونيس عراف كبير .. يطل ببصره إلى نافذة المستقبل .. لا .. بل يرى الزمان برمته .... بأبعاده يجري أمامه مثل مياه النهر .. نهر هيراقليطس الذي لن تتمكن من النزول في مياهه مرتين .. المياه فيه جارية لا تعرف التوقف . أدونيس يدعوها إلى هذا العالم لكي تكون عرافة مثله وتكون مثل منارتها القزحية . عالمها عالم ورقي خادع .. زائل . أما عالمه عالم عجيب لا يعرف إليه طريق إلا من راية أدونيس وعصاه .. والأهم من كل هذا هو أنها تهتدي وذلك هو ما يريده أدونيس منها . ولا ندري هل اهتدت هذه الصماء على صوت أدونيس ؟ . ولكن النص لا يخبرنا بذلك شيئا على الإطلاق ، كل ما يخبرنا به .. أعني النص ، هو أن أدونيس بقي يدور حول طوق الانتماء فكانت تلك العذابات ....
الهوامش :- 1- د . الحفني ، عبد المنعم ، 1978 ، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي ، دار العودة ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، مجلد 1 ، ص 95 . e-mail:-shawqiyusif@yahoo.com e-mail:-shawiyusif@hotmail.com
|
|
|
|