ف |
شعر مترجم |
(
شوقي يوسف بهنام - العراق
تمثل الشجرة رمزا مهما في الكثير من مجالات الحياة الإنسانية مثل الأديان والأساطير والرموز والأحلام والطب النفسي وغيرها . حيث يرى الباحث اللبناني " احمد خليل احمد " ان الشجرة من أغنى الموضوعات الرمزية وأكثرها ذيوعا . يفرق ميرسيا إلياد بين سبعة تأويلات رئيسية لرمز الشجرة ، ومع ذلك لا يعتبرها كافية ، فهي تدور كلها حول فكرة الكون الحي دائما في حالة تجدد وتكوّن . وهذه التأويلات السبعة :- 1- لا تكون الشجرة دوما موضوع عبادة ؛ فهي ترمز إلى وجود أرفع يتعدى الشجرة ذاتها ، ويمكنه ان يصبح ، هذا الموجود الرمزي موضع عبادة . 2- الشجرة رمز الحياة المتطورة ، المتغيرة دائما وأبدا ، الصاعدة نحو السماء ، الدالة على كل رمزيات الارتفاع أو التعامد .ومن وجه آخر ترمز إلى الطابع الدوري للنشوء الكوني : الموت والنشور (الأشجار المورقة التي تتعرى سنويا من أوراقها ، وتتجدد بأوراق أخرى ). 3- الشجرة صلة وصل بين ثلاثة مستويات من الكون :- أ- باطن الأرض ، حيث تضرب جذورها في الأعماق ، ب- أديم الأرض ، حيث يرتفع جذعها وفروعها الأولى ، ت- الأعالي ، حيث أغصانها السامقة وذروتها ، وحيث تسرح الطيور والحشرات في فضائها . 4- في الشجرة تجتمع العناصر الأربعة : الماء يجري في عصارتها ، والتراب يندمج في بدنها ،والهواء يغذي أوراقها ، والنار تخرج من احتكاك أغصانها أو خشبها . 5- ترمز شجرة العالم إلى اتصال الأرض بالسماء ؛ وبهذا المعنى تتسم بسمة المركز ، بحيث تكون شجرة العالم مرادفة ً لمحور العالم : الشجرة دعامة راسخة للعالم صلة وصل بين الأشياء كلها ، حمالة المعمورة كلها . 6- الشجرة شكل محوري ، طريق الصعود (المعراج) من المنظور إلى المستور (مرقاة يعقوب ، درب الأرواح إلخ )المكان الأرفع ،أعلى عليين ،حيث ترقص الشمس . فالشجرة رمز الركن الأساس الذي يدعم الهيكل أو البيت ، ورمز العمود الفقري الذي يبنى عليه جسم الإنسان ، هيكل النفس . 7- شجرة الكون تحيل إلى جوهر جليل ،ومثالها السنديانة ، الزيتونة في التراب العربي الإسلامي ، الأرزة في المأثور الوطني اللبناني ، إلخ . وهي ملعب الأرواح والنفوس ، في المعتقدات السحرية – الدينية القديمة (شجرة كلنمو في الصين القديمة) ،وإليها تهبط الشمس والقمر ، على شاكلة عصافير . 8- في المأثور الاسماعيلي ، ترمز الشجرة المغتذية ، من التربة والماء ، والمرتفعة إلى ماوراء السماء السابعة ، إلى الحقيقة ، النعمة الطوباوية التي يأنس الصوفي حين يتعدى ثنائية المظاهر ويتصل بالحقيقة العظمى ، بالوحدة الأصلية (الله – الكون) . 9- تغتذي شجرة الحياة من الندى السماوي ؛ وتمدنا ثمارها المحرمة على غير الأطهار، بشيئ من الخلود . مثالها ثمار شجرة عدن ، البالغ عددها (12) ثمرة (رمز التجدد الدوري) وثمار القدس السماوية ، والتفاح الذهبي . ناهيك بأن شجرة الحياة موضوعة شديدة الانتشار في إيران ، حيث يجرى تصويرها بين حيوانين متصارعين ؛ وأن شجرة بوذا (السعيد) هي شجرة العالم والحياة .. 10- ترمز شجرة الحياة إلى الخصوبة ،وتبنى عليها عقيدة سحرية تخصيبية ، لا تزال آثارها ماثلة في إيران حيث تتزين الصبايا بشجرة وشمية ، وتنعقد ثمارها بين النهدين . وفي البلدان الممتدة من البحر المتوسط إلى الهند ، تقوم نساء عاقرات بزيارة أشجار جميلة ، قرب نبع ، وتعقد على أغصانها مناديل حمراء ، لدفع المقدور ، أو المكتوب . 11- في طقس التخصيب ، يجري الجمع بين رموز : الماء – الحجر- الحية – الشجرة . وفي الشجرة المزدوجة ، يتجلى ازدواج رمزية الشجرة : فهي قضيب ورحم معا ؛ وهي رمز لمسار التفريد الذي يجري من خلاله اتحاد الأضداد . 12- الشجرة تغدو مشجرا رامزا إلى تاريخ عائلة أو مدينة أو شعب أو سلطان متعاظم ؛ ويمكن أن تنقلب شجرة الحياة إلى شجرة موت ( راجع في سفر دانيال ، رؤية نبوخذ نصر ، وتأويلها ) : "هذه الشجرة التي رأيتها عظيمة وشديدة ، بالغة السماء ...هي أنت ، أيها الملك ، وقد أصبحت عظيما وقديرا ... لكنك ستطرد من بين البشر (دانيال ،2 ،3 ، 4) وفي حزقيال ، يقارن الفرعون بأرز لبنان ( 1)
وفي حالة الطب النفسي تمثل الشجرة رمزا من رموز القضيب وقد تصبح ولعا مرضيا يدعى بتعشق الأشجارDendrophilia . ويرى الحفني" ان تعشق الأشجار قد يكون بالبعض كلفا شديدا بها لا يعلم له سببا ، ولكنه يعرف انه يستشعر الراحة الشديدة وهو بين الأشجار .وبعض علماء النفس يعتبر ذلك ولعا جنسيا ،حيث تكون الأشجار رمزا للقضيب . ويكون تعشق الأشجار في حقيقته تعشقا للقضيب .وتعش القضيب من الأمور التي نعرف ان بعض الشعوب كانت تأتيه كعبادة ، وتحفل الآثار المصرية واليونانية والرومانية بصور لعبادة القضيب . ويروى أطباء النفس حالات لمرضى يتحدثون مع الأشجار ، ويواعدونها ويبثونها لواعج أشواقهم ،ويحتكون بها ويقبلونها ، وقد يستمنى المريض أثناء ذلك . (2) .ويضيف الحفني في مكان آخر عن هذا النمط من العشق وهو الذي " يكون كلفا شديدا بها ، والبعض يعتبره ولعا جنسيا ، والأشجار عند المهووس بها رمز للقضيب فيكون تعشق الأشجار في حقيقته تعشقا للقضيب . ويرى علماء النفس حالات لمرضى يتحدثون مع الأشجار ويبثونها لواعج أشواقهم ويقبلونها ويحتضنونها في وله ، وفي الحالات المرضية الشديدة قد ُيمنى المريض .والخضرة عموما والأشجار على وجه الخصوص تستهوى الأسوياء وتهولهم أحيانا ، والولع بالأشجار وبالغابات عند البعض وليس من الشذوذ فيهم ، والشعراء على الأخص تستهويهم الأشجار على الحقيقة والمجاز ، ولها عندهم رموز خاصة ، ويتشدقون بأن لها لغة هامسة تتحاكاها ، ومنهم من يزعم أنه يعرف لغة الأشجار ويسمعها (3) . وفي المنظور الصوفي الإسلامي تعتبر الشجرة مقاما من مقامات الصوفية ويعني " الإنسان الكامل .مدبر هيكل الجسم الكلي ، فإنه جامع الحقيقة منتشر الدقائق إلى كل شيئ ،فهو شجرة وسطية ، لا شرقية وجوبية ، ولا غربية إمكانية ، بل أمر بين الأمرين أصلها ثابت في الأرض السفلى ، وفرعها في السموات العلى ، أبعاضها الجسمية عروقها ،وحقائقها الروحانية فروعها ، والتجلي الذاتي المخصوص بأحدية جمع حقيقتها ، الناتج فيها بسر " أني أنا الله رب العالمين " (4) . لن ندخل في تفاصيل هذه الجوانب قدر ما نريد ان تكون مدخلا عاما لتناول هكذا ظاهرة كما عبر عنها أو جسدها شاعرنا " نزار قباني " في إحدى قصائده المعنونة " الشجرة " جديرة بالدراسة لأنها تعبر عن هذا النمط من أنماط التعشق . لنرى كيف جسد شاعرنا هذه الصورة . يقول نزار :- كوني .. كوني امرأة خطرة كي أتأكد - حين أضمك أنك لست بقايا شجرة إحكي شيئا .. قولي شيئا غني . إبكي . عيشي . موتي كي لا يروى يوما عني أن حبيبة قلبي ..شجرة
(الأعمال الكاملة ديوان : أشعار خارجة على القانون ،ص 392)
***************
هذا الخطاب الموجه إلى الشجرة هو رغبة من الشاعر لكي تكون هذه الشجرة ، التي لم يحدد لنا نوعها الشاعر ،امرأة حية نابضة بالحياة وليس فقط شجرة عادية جميلة يجلس بالقرب منها ليتأمل العالم ويغرق في أحلامه . انها مناجاة لكي تتحول إلى كائن حب يستطيع ان يتفاعل ويتعاطف معه . انه يذكرنا بذلك الطفل الصغير الذي يهمله أبواه ويصب شكواه على دميته التي يضمها بين يديه حين ينام . هذا النوع من الأطفال يعاني ما يسمى باضطراب التوحد Autism وأعراضه هي كما حددها ليو كانر هي :- 1- عدم القدرة على الاتصال بشكل طبيعي مع الناس . 2- الشذوذ والللاسواء في الجانب اللغوي . 3- اللعب المتكرر والنمطي . 4- الرغبة في وجود تشابه وتماثل في مكونات البيئة المحيطة (5) . ****************
نحن هنا لسنا بصدد تشخيص عيادي للشاعر .نحن أمام نص رغبوي محض وسواء أكانت هذه الرغية حقيقة موجودة عند " نزار " أم كانت مختلقة منه أساسا وكان مطلعا على وجود حالة تعشق الأشجار فأطلق العنان لخياله فكانت هذه القصيدة ،أو كانت هناك في حياته امرأة بارعة الجمال تشبه الشجرة ولكنها كانت باردة العواطف إزائها فلجأ إلى هكذا وسيلة ، نعم نحن لسنا الا أمام نص شعري فقط . ويستخدم الشاعر في نهاية كل مقطع من القصيدة عبارة " كي لا يروى عني " . انها عبارة يريد الشاعر بها من متلقيه عدم سوء فهمه واتهامه بتعشق الأشجار . إذن هو يريدها ان تكون كائن إنساني يحسن الإصغاء وأن يكون دافئ العواطف معه الغير ..اعني مع نزار .. ها هو يقول في المقطع الثاني من القصيدة:- كوني السم .. وكوني الأفعى كوني السحر ..وكوني السحرة لفي حولي .. لفي حولي .. كي أتحسس دفء الجلد ، وعطر البشرة كي أتأكد – يا سيدتي – أن فروعك ليست خشبا أن جذورك ليست حطبا سيلي عرقا موتي غرقا كي لا يروى يوما عني أني كنت أغازل شجرة (المصدر نفسه ، ص 293 )
******************** هنا مناجاة أخرى لكي تحرك الشاعر .انه يريد ان تخرج من قوقعة عزلتها . الشاعر موفق في استخدام تعابير الصورة . الأفعى ذلك العدو اللدود للإنسان ..حتى حدا به الأمر لأن يصور إبليس على هيئة أفعى . المسيح نفسه وصف الحية بالحكمة وقد أوصى حواريه (تلاميذه) بأن يكونوا " ودعاء كالحمام ..حكماء كل الحياة " . الشاعر يريد من حبيبته ان تكون قاتلة .ان يموت بسمها ...ان تسحره بسحر الشيطان . المهم ان لا تكون خشبا أو حطبا . يدعوها لأن تلتف حوله ..يحس بالاختناق وعندها يتحسس دفء جلدها ويشم عطر بشرتها . هذه هي النقطة الأساسية في رغبة الشاعر ..نزار في مواضع كثيرة يتمنى ان يعيش في جوف امرأة .لا نريد القول ان في هذه الرغبة إحساس عميق في أغوار نزار لأن يكون امرأة . عند يونغ ترمز الأنثى إلى صورة اللاوعي ، المسمى Anima ( الحياء) .والحياء هو تشخيص لكل النزعات الأنثوية النفسانية في نفسية الرجل ؛وهو رمز خيالي للحب والسعادة والحرارة الامومية (العش) ؛وحلم يدعو الرجل إلى إدارة ظهره للواقع (6) . انه يريد ان تتعرق وتغرق في هذا العرق وتموت .انها رغبة سادية واضحة المعالم لأنها لم تستجيب له وتلتف حوله . ما زالت هي .. هي ..خشبا وحطابا . انه يعاقبها في خياله وهي لا تأبه به ...انها منشغلة بذاتها أو بآخر غيره . لنرى ما هي رغبات الشاعر في المقطع التالي : - كوني فرسا .يا سيدتي كوني سيفا يقطع كوني قبرا .. كوني حتفا كوني شفة ليست تشبع كوني الوجع الرائع .. إني أصبح ربا .. إذ أتوجع غني .. إبكي ..عيشي .. موتي كي لا يروى يوما عني أني كنت أعانق شجرة . ( المصدر السابق، ص 393-394 )
******************** هنا يرسم لنا الشاعر رغبته لأن تكون حبيبته فرسا تجول به الدنيا وتخرجه من عالمه وقد لا يمتطي هذا الفرس .. بل يجره وراءه مسحوق .. مقطوع الأشلاء.الا يتمنى ان تكون سيفا ..قبرا ..حتفا ..ومن ثم يتمنى ان تكون شفة جائعة لا تشبع أبدا وان يكون هو الشبع الأكبر لها . انها عملية متداخلة ..عندما تشبع به يشعر بالسكينة وعندما تشبع جوعه عندها يهدأ بركانه .انها ماسوشية ممزوجة بالسادية . لحظة ..هنا .. ولحظة هناك . انه يريد منها ان تكون صيفا افريقيا ظامئ لا يعرف الارتواء أبدا . وهو ذلك الماء البارد الذي يتمناه ابن الصحراء ويتوهم بأنه يراه قريبا وهو سراب ويمضي من سراب إلى سراب . يحلم بأن تكون حقل بهار يلدغه .وفي الوقت يريد منها ان تكون الوجع الذي يلم به ..عندها يصبح ربا . هنا طفح عميق لأناه ..من خلالها يصبح الرب ..الآن لأنه توجع بها أصبح الرب . ما أسعده إذن ..ليس من موجود سواه وهو غائص فيها..انها العودة إلى الينابيع الأولى للموجود الانسانسي عندما كان وحيدا في الفردوس وسئم الوحدة فسحب الله ضلعا من أضلاعه فكانت حواء . هي منه وهو منها .. (7) . مع ذلك يبلغ الشاعر ذروة الإحساس بالماسوشية في ان يتوجع .ينبغي ان نلاحظ كيف ان الشاعر يربط بين إحساسه العميق بالتوجع وصيرورته ربا . هذا ما سوف نتركه للشاعر ويبقى ضمن الأسئلة التي توجه بها إلى الله وهي عنوان قصيدة يتوجه بها الشاعر بجملة من الأسئلة عن ماهية الحب وأسراره ودوافعه وآثاره على مجمل الكينونة الإنسانية . ها هو الشاعر يحصد بعضا من هذه الآثار . يستمر الشاعر في خيالاته وتصوراته بأي صورة تكون حبيبته . لنرى معا هذه التصورات في المقطع الأخير من القصيدة . يقول الشاعر :- كوني امرأة .. يا سيدتي تطحن في نهديها الشهبا كوني رعدا كوني برقا كوني رفضا كوني غضبا خلي شعرك ِ يسقط فوقي .. ذهبا ..ذهبا خلي جسمك فوق فراشي يكتب شعرا يكتب أدبا خلي نهدك ِ فوق سريري يحفر قدره كوني بشرا يا سيدتي .. كوني الأرض ، كوني الثمرة .. كي لا يروى يوما عني .. أني كنت أضاجع ..شجرة (المصدر السابق ، ص 394 )
*********************** لا ادري ان كان الشاعر قد أدرك ما في مقاطع قصيدته من تباين في الاتجاهات نحو هذه السيدة الشجرة إذا جاز لنا التعبير بهذه الصيغة . فهو مرة يستسلم لها تماما ، ومرة يتمنى لو يذوب بين دواخلها ..اعني بين خلايا جسدها لكي تتفاعل خلاياه مع خلاياها . لا نريد إطلاق عنانا ونصادر الشاعر في تحديد تلك التصورات عن حبيبته الشجرة . ولكن النص يجبرنا على هكذا منحى . في هذا المقطع يريد الشاعر من حبيبته ما يريده هو لنفسه . فهو دائما الرافض .. المتمرد .. أليس شعره بمثابة رعد في الشعر .. شعره يزمجر .. يحرك الريح كما يشاء .. يطرق على باب الصمت .. يهز كل ما هو ساكن . يعود إليها لكي يطلب منها ان تجعل من نهديها مطحنة للشهب . أي وصف هذا لرمزية الثدي ودروه في إثارة الشبق الإنساني لكن نزار يمارس أقصى ساديته نحو هذا الثدي الذي وصفه بالطاحونة قبل قليل ، فيريد ان يجعله هنا لكي يحفر قبره على سريره . نزار مولع جدا بأعضاء المرأة . أليست هي مجموع هذه الأعضاء ..وكلها موجودة للإثارة . فات نزار ان الرجل هو الآخر مصدر إثارة للمرأة .الواقع ان كلاهما مصدر إثارة لبعضهما البعض . ها هو ينتقل إلى شعرها . أنه ملهم له.. به تتفجر طاقاته الشعرية .. به بثور بركان أدبه ما ان يلامس شعرها وجهه المتعب فيكون الانفجار والثورة . انها على ما يبدو متعالية علية أو بلهاء العواطف كما قلنا .. يطلب منها ان تكون مثل البشر يستطيعون من الأخذ والعطاء . ان تمنح الحب .. حتى التلاشي . على الرغم من المفردات ذات الطابع الايروسي الشبقي الواضحة المعالم وهي مفردات جمة وكثيرة في قاموس نزار ومبثوثة بصورة مفرطة في منجزه الشعري ..ورغم إباحيتها أحيانا .. الا انها لا تعبر غير الواقع الجنسي الطبيعي في الخبرة الإنسانية المعاشة . أن خيالاته معها ينبغي ان تنتهي بسريره الذهبي .. الشعري منه والخشبي معا . نزار إذن ليس عذريا . والواقع ليس هناك ، في تقديرنا ، ما يسمى بحب عذري . فإلى متى يستمر الحب على الورق !! ؟؟ . انها مجرد خدعة وتبرير حتى نحافظ على جمالية وقدسية هذه الخبرة . هناك ما يلفت النظر في هذه القصيدة عبر مقاطعها الأربعة . هناك تدرج في مستوى طبيعة العلاقة مع هذه الحبيبة وهي على النحو التالي :- 1- المقطع الأول .. هو رفض نزار على ان تكون حبيبته شجرة أو على النحو الذي سوف يروى عنه . 2- المقطع الثاني هو انه بدأ بعملية الغزل لهذا الكائن العجيب الذي أسر عقل نزار وقلبه . 3- في المقطع الثالث بدأ نزار بخطوة أعمق وهي العناق انه اقترب منها وعانقها وهو لا يرغب أن يروى عنه أنه عانق شجرة . 4- في المقطع الرابع تنتهي اللعبة في سياقها الطبيعي وهي المضاجعة وهو لا يرغب في ان يروى عنه انه ضاجع شجرة . ينبغي ان نسجل اعاجابنا لقدرة نزار في توظيف نمط سلوكي قد يحسب على اللاسواء لخبرة سرية إنسانية يعيشها الجميع ويخشون البوح عنها لأنها تمس كيان الإنسان الجواني وقد نشترك به مع مخلوقات الله كلها ذكورا كانوا أو إناث . نزار يعشق المرأة حتى ولو كانت شجرة جميلة ولكنها صماء ..بكماء .. فهنيئا له هذا العشق .
الهوامش :- 1- أ- د. خليل ، أحمد خليل ، 1995 ، إعداد ، معجم الرموز ، دار الفكر اللبناني ، بيروت ، لبنان ، ص 96-98 . ب – سيرينج ، فيليب ، 1992 ، الرموز ، ترجمة : عبد الهادي عباس ، دار دمشق ، ط 1 ، ص 283- 328 .
2- د. الحفني ،عبد المنعم ، 1992 ، الموسوعة النفسية الجنسية ، مكتبة مدبولي ، القاهرة ،ط1 ، ص 492 . 3- د ، الحفني ، عبد المنعم ، 2003 ، موسوعة الطب النفسي ، مكتبة مدبولي ، ج1 ، ط 4 ، ص 345-355 . 4- الزوبي ، ممدوح ، إعداد ، 2004 ، معجم الصوفية ، دار الجيل ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، ص 228 . 5- د.محمد السيد عبد لرحمن – د.منى خليفة على حسن ، 2004 ، دليل الآباء والمتخصصين في العلاج السلوكي المكثف والمبكر للطفل التوحدي ، دار الفكر العربي ، مصر، ط1 ، ص 10 . 6- د.خليل ؛ خليل أحمد ،1995 ، معجم الرموز، دار الكاتب اللبناني ،بيروت، لبنان،ط1 ، ص 26 . 7- د.خليل ، المصدر السابق ، حول رمزية آدم ،ص 15- 16 .
|
|
|
|