1
يتحوّل آب الى جهامة أيلول. وفي رأسي
كالغيوم ، ترحلُ الجبال : كتـَلُ الأفكار كثلاجات القطب
تتنقّـلُ بضع َ خطوات في كلّ أبديّـة .
القرية ما زالت تحتفظ بأسرارها ، رابضة ً
بين حقول ٍ تنبسط ُ الى آخر الأفق . ما زال في أركانها
بضع ُ عجائز ، يتبادلن َ آخر الإشاعات ، في الغسق ، قريبا ً من البركة
حيث تطفو بجعة ٌ وحيدة . أعرفُ البيوت ، وحانتها الغارقة
في دخان غلايين الريفيّين؛ أصغي لساعات ٍ
الى أجراس الكنائس العتيقة .
صفَحاتي تطفحُ ليلاً ، تتجمّـعُ الكلماتُ مثل طيورٍ جارحة
في سماء ٍ خافقة ٍ بالنـُذر، زمني طوعُ يدي ، مستعدّ للرحلة القا دمة .
حُرّ ٌ في أن ألامسَ جذرَ المصيبة التي تطاردني عبرَ أيّامي ، من بلدي النائي .
أو أن أنسى المضائق ، وأنطلق صوبَ البحر .
كم من حياةٍ ، إلهي ، مرّت بي
مُعْـولة ً ، آتية ً من هناك ، معصوبة َ العينين لئلا ترى...
الشرّ ، تلك المطرقة ، كم من حياة ٍ تسحقُ كلّ يوم !
كلَّ من لم يعُـد واقفا ً في مكانه ِ تحت الشمس .
2
الريحُ هنا ، شماليّـة ٌ من القطب
ينشطرُ لها الطين ُ في الأراضي المفخورة ؛
تتقشّـفُ لها أيدي الفلاحين . تـُـقلقُ مَنسوبَ الماء في الآبار .
ومن رَهبة ِ هبوبها ، تبقى المحاريثُ عاطلة ً
في حافة الحقل ، والرفشُ في سُبات .
لو أن ّ أحدا ً تجرّأ على الخروج ، فالشتاءُ غُرابٌ
أسحَم ، يهبّ في وجهه كعباءة أرملة .
ولي مدفأتي ، في غرفتي الصغيرة المطلـّة على غابة .
أصغي الى قرقعة الدَرَفات ، الى مصاريع النوافذ الموشكة
على الإقلاع ، فالعواصفُ أليفة ً صارت ، والإصغاءُ إليها عادة .
لا أنا بالهادئ ، البارد الأعصاب
ولا بالمتوجّس ، القلِـق ، المتوثــّب على أقلّ خَشخشةٍ ونأمة .
حَفنة ً بعد حفنة ، َيتذرّى العُمر .
كأنّهُ الحصاد ، والمِذراة ُ في اليد ، والريحُ مُقبلة .
تطفحُ عُزلتي مثلَ جَرّة تحت حنفيّة الصمت .
أنا ملئٌ ، تقدَّ مْ ، أيّها الظلّ . ادخُلْ الى بيتي . وانهَبْ ما تشاء .